البعض يريد مصر تكفيرية وآخرون يريدونها متحللة عابثة ماجنة.. ومصر لن تكون لا هذا ولا ذاك.. والبعض يريد مصر داعشية دموية.. وآخرون يريدونها علمانية تجحد الإسلام ورموزه وتكره الأديان وتسيء إليها.. ومصر لن تكون هذه أو تلك .. فمصر هي البلد التي دعا فيها إدريس عليه السلام وهو أول من دعا إلي الله والتوحيد علي ضفاف النيل العظيم قبل إبراهيم أبو الأنبياء وأنبياء بني إسرائيل بكثير.. وهي التي لجأ إليها إبراهيم عليه السلام أبو العرب جميعا ومعه زوجته هاجر.. وترعرع فيها واستوزر يوسف عليه السلام وجاء مع إخوته آمنين مطمئنين وقيل لهم "ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ".. وهي التي ولد فيها موسي وهارون عليهما السلام وهما أعظم أنبياء بني إسرائيل.. ونشأ فيها بنوا إسرائيل جميعا ً قبل أن يضطهدهم فرعون فيخرجوا من مصر إلي فلسطين.. وهي التي كلم الله فيها رسوله ونبيه الكريم كليم الله موسي عليه السلام علي أرض سيناء العظيمة وأنزلت عليه فيها صحائف التوراة.. وهي التي صاهر الرسول محمد صلي الله عليه وسلم من أهلها فتزوج مارية القبطية "المصرية الصعيدية من مدينة ملوي".. لتكون بين نبي الإسلام والمصريين مصاهرة ونسبا.. ولذلك قال النبي موصيا المسلمين جميعا "استوصوا بأهل مصر خيرا فإن لكم فيها نسبا وصهرا ". ومصر لن تكون أبدا مدرسة للتكفير والتفجير أو الغلو والتطرف.. ولن تكون كذلك مدرسة للرقص أو التبذل أو البذاءة والتشاتم أو التفحش أو زنا المحارم أو وكرا للدعارة تحت أي مسمي.. فمصر بلد العلم والعلماء والأزهر والجامعات منذ قديم الزمان وهي التي وفد إليها كل علماء الأرض. والبعض يريد مصر بلدا للتطرف الديني وآخرين يريدونها وطنا للتطرف العلماني واللا ديني أو موطئا للملحدين.. وهي لن تكون هذه أو تلك أبدا.. فقد كانت دوما رمزا للوسطية في الدين والفكر وموطنا للحكمة والعقل والتريث والأناة. وكل من أتي إلي مصر تمصر وتوسط وتطور فكره إلي الأفضل والأحسن .. فهذه بلاد العلماء العظام محمد عبده والمراغي والغزالي والطهطاوي وعبد الحليم محمود .. ومن قبل ذلك الليث بن سعد والشافعي.. وزين العابدين بن الحسين .. والسيدة زينب والسيدة نفيسة وآل البيت بعلمهم وحكمتهم وكرمهم. وهؤلاء الذين ذكرتهم وغيرهم من أشباههم وأمثالهم كانوا يجمعون بين الواجب الشرعي والواقع العملي جمعا صحيحا.. وكانوا مع ثوابت الإسلام في صلابة الحديد ومع متغيراته في مرونة الحرير.. فقد جمعوا بين الصدع بالحق والرحمة بالخلق.. وبين عزائم الدين ورقة القلوب وعفوها وتسامحها ورفقها. البعض يريد تحويل مصر إلي مرتع للتطرف الديني أو مكان مختار لنشأة الجماعات التكفيرية المسلحة أو يفكرون في إعادة نموذج القاعدة أو داعش في مصر.. والبعض الآخر يريد تحويلها إلي كبارية كبير للرقص والتبذل والتحلل والإلحاد وشتم أئمة الدين مثل البخاري وأبو حنيفة والشافعي والقرطبي وأحمد بن حنبل.. ومصر لن تكون واحدة من الاثنين.. وكلا الفريقين لم يفهم بعد طبيعة مصر الوسطية المعتدلة وطبيعة شعبها الذي يكره الغلو والتقصير.. ويمقت الإفراط والتفريط.. فكلاهما وجهان رديئان لعملة زائفة واحدة. إن بعض خصوم الدين والإسلام يستغلون الأخطاء التي وقعت فيها الحركة الإسلامية المصرية في صراعاتها السياسية المريرة التي لا تنتهي مع الحكومات المتعاقبة فيقفزون عامدين متعمدين من نقد الحركة الإسلامية غير المعصومة إلي نقد الإسلام المعصوم نفسه. ويا ليتهم ينقدون أنفسهم مع نقدهم للحركة الإسلامية.. أو ينقدونها بالحق والصدق والعدل.. ولكنهم في أحيان كثيرة يضخمون من عيوبها وينسبون إليها ما لم تقله أو تفعله أو يبالغون في نقدها بغير حق أو يعممون خطأ البعض علي الجميع.. أو يريدون حرمان الجميع من حقوقهم بخطأ بعضهم. إن هذا القفز لنقد الإسلام العظيم المقدس المعصوم متعمد ويتم بنوايا خبيثة ماكرة.. ويؤسفني أن الحركة الإسلامية بصراعاتها السياسية المريرة هي التي أعطت لهم المبرر تلو الآخر لكي يفعلوا ذلك.. وهي التي أعطتهم الحبل لشنقها وشنق الإسلام نفسه بعدها. ولعل نماذج داعش وأنصار بيت المقدس وغيرها من الحركات الإسلامية أكبر نماذج علي ذلك.. فقد أساء معظمها إلي نفسه وإلي الإسلام معا.. واكتفي الخصوم بلف الحبل الذي استلموه منهم علي رقبتهم ورقبة الإسلام نفسه. والبعض يريد مصر بلداً للغلو في الدين والتشديد علي الناس أو تقديم مصالح الجماعات علي الوطن أو بلداً للإقصاء الديني.. والبعض الآخر يريدها دكتاتورية بغيضة أو استبدادية عقيمة لا مجال فيها للتعددية ولا بديل فيها عن الإقصاء وأن يكون الإسلاميون في السجون دوماً وكأنها مكانهم الطبيعي.. وأن يظل منافسوهم في السلطة وحدهم.. دون دوران للسلطة أو تنافسية حقيقية.. أو تعددية تثري المجتمع والوطن.. أو يريدون أن يظل توريث الوظائف الحكومية وتداولها حكراً علي مجموعات بعينها ورثت الفساد والاستبداد وتريد أن ترث السلطة والثروة باستمرار. ومصر لن تكون هذه أو تلك.. ولكنها ستكون دوماً وسطية التدين داعية للحب والوئام متسامحة مع الجميع.. لا تعرف الاستبداد ولا توريث السلطة.. ولا الفساد في كسب الثروة.. فالسلطة تكتسب بالكفاءة والثروة تكتسب من الحلال وتنفق في الحلال وتجلب من مصادر مشروعة.. وتنفق في أبواب مشروعة شرعاً وقانوناً. إن الذين يحاولون جر مصر ها هنا أو هناك سيفشلون.. فمصر أكبر من هؤلاء وهؤلاء.. وأعظم منهما جميعا .. وسيفني هؤلاء وهؤلاء.. وستبقي مصر دوما لأبنائها الشرفاء المخلصين المحبين لدينهم وأوطانهم نظيفي اليد عفيفي اللسان من كل الأديان والأعراق والتوجهات.