إن الإسلام هو دين الرفق حث عليه. ودعا إليه وهو يعني اللين في القول والفعل والأخذ بالأيسر والأسهل وهو ضد العنف. ويكون الرفق واضحاً بأجلي معاني صوره في سيدنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فقد اتسم بالرفق والرحمة واللين قال الله تعالي: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله يحب المتوكلين" "سورة آل عمران آية 159". وقد حث الرسول - صلي الله عليه وسلم - علي الرفق موضحاً أنه يكون خيراً وزينة في الحياة يجملها ويكملها. عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلي الله عليه وسلم - قال: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم. ومن اتسم بالرفق حظي بالخير كله. ومن حرم منه حرم من الخير كله. عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير. ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الخير" رواه الترمذي في جامعه. وقد طبق الرسول - صلي الله عليه وسلم - الرفق في العبادة وفي الصلاة التي جعلت قرة عينه فيها فكان يريد التطويل في الصلاة. ولكنه يختصرها رفقا ببكاء طفل صغير ورفقا بقلب أمه. عن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال له: أم قومك قال: قلت: يارسول الله إني أجد في نفسي شيئاً فقال: أدنه فجلسني بين يديه. ثم وضع كفه في صدري بين يديي قال قال: تحول فوضعها في ظهري بين كتفيّ. ثم قال: أم قومك فمن أم قوماً ليخفف فإن منهم الكبير وإن فيهم المريض وإن فيهم الضعيف وإن فيهم ذا الحاجة وإذا صلي أحدكم وحده فليصل كيف شاء" رواه مسلم. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم - قال: "إني لأدخل في الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه" رواه البخاري ومسلم. ودعا رسول الله - صلي الله عليه وسلم علي من يشق علي المسلمين أن يشق الله عليه ودعا لمن يرفق بهم أن يرفق الله به. عن عائشة رضي الله عنها قالت: "سمعت رسول الله - صلي الله عليه وسلم - يقول في بيتي هذا "اللهم من ولي من أمر المسلمين شيئاً فشق عليه فاشقق عليه. ومن ولي من أمر المسلمين شيئاً فرق به فارفق به" رواه مسلم. ودعا الإسلام إلي الرفق بالجاهلية. فمن أخطأ في أمر جاهلا الحكم فإن الإسلام يأمرنا أن نعلمه وأن نوجهه ولا نعنفه ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا بال في المسجد فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله - صلي الله عليه وسلم: "دعوه وأهريقوا علي بوله ذنوبا من ماء أو سجلا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" رواه البخاري. ودعا الإسلام إلي الرفق بغير المسلمين. عن عائشة رضي الله عنها أن يهود أتوا النبي - صلي الله عليه وسلم فقالوا: ألسام عليكم فقالت عائشة: وعليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم. قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم: مهلا يا عائشة عليكم الرفق وإياك والعنف والفحش" قالت: "أو لم تسمع ما قالوا"؟ "قال: "أو لم تسمعي ماقلت ترددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيّ" رواه البخاري. ومن دعوة الإسلام إلي الرفق دعوته إلي الرفق بالنساء. وكيف كان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - رفيقا بهن. عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: أستأذن عمر علي رسول الله - صلي الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب. فأذن له رسول الله - صلي الله عليه وسلم ورسول الله صلي الله عليه وسلم يضحك. فقال عمر رضي الله عنه: أضحك الله سنك يارسول الله. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب" قال عمر: فأنت يارسول الله أحق أن يهبن. ثم قال عمر: أي عدوات أنفسهن أتهبني ولا تهبن رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ قالت: نعم أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صلي الله عليه وسلم. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجاً إلا سلك فجاً غير فجك" رواه البخاري ومسلم. ومن الرفق بالنساء وصايا رسول الله صلي الله عليه وسلم بالنساء في قوله: "استوصوا بالنساء خيراً" رواه مسلم. وكان من آخر وصاياه قبل أن يودع الحياة الوصية بالنساء في قوله: "الله الله في النساء فإنهن عوان بينكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله". ومن أهم ما ينبغي أن نشير إليه الرفق بالأطفال والرفق بأصحاب الاحتياجات الخاصة من أصحاب الإعاقة. لأنهم أشد الناس حاجة إلي الرفق بهم والعطف عليهم والقيام بشئون حاجاتهم. والرفق بالحيوان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج. فإذا كلب يلهت يأكل الثري من العطش فقال الرجل: "لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر فملأ خفه. ثم أمسكه بفيه فسقي الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا: "يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجراً. فقال: "في كل ذات كبد رطبة أجر" رواه البخاري ومسلم. وهكذا نري أن الرفق بمثل هذا الحيوان وهو الكلب كان مسببا للغفران لهذا الرجل الذي سقاه. وقد بلغ الرفق بسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم صيغته النهائية. لشد حبه لأمته ورفقه بها وشفقته لدرجة أنه لما ذكر أقوال بعض الأنبياء في أممهم رفع أكف الضراعة إلي ربه طالباً الرحمة بها رفقاً علي الأمة لدرجة أنه صلي الله عليه وسلم قد بكي فأجاب الله دعاءه وحقق رجاء لرفقه بأمته. عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: "رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم" "سورة إبراهيم: 36". وقال عيسي عليه السلام: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" "سورة المائدة: 118" فرفع يديه وقال: "اللهم أمتي أمتي وبكي فقال الله عز وجل: "ياجبريل أذب إلي محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله فأخبره رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بما قال وهو أعلم - فقال الله: "ياجبريل أذهب إلي محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولاتسؤوك" رواه مسلم.