نواصل حديثنا عن أنواع النسخ في القرآن الكريم. لنتحدث عن القسم الثالث. فنقول وبالله التوفيق: وأما نسخ التلاوة دون الحكم. فيدل علي وقوعه ما صحت روايته عن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب أنهما قالا: "كان فيما أنزل من القرآن: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" أه. وأنت تعلم أن هذه الآية لم يعد لها وجود بين دفتي المصحف ولا علي ألسنة القراء. مع أن حكمها باق علي أحكامه لم ينسخ. ويدل علي وقوعه أيضا ما صح عن أبي بن كعب أنه قال: "كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة أو أكثر" مع أن هذا القدر الكبير الذي نسخت تلاوته لا يخلو في الغالب من أحكام اعتقادية لا تقبل النسخ. ويدل علي وقوعه أيضا الآية الناسخة في الرضاع. وقد سبق ذكرها في النوع الأول. ويدل علي وقوعه أيضا. ما صح عن أبي موسي الأشعري أنهم كانوا يقرأون سورة علي عهد رسول الله في طول سورة براءة. وأنها نسيت إلا آية منها. وهي: "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغي واديا ثالثا. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. ويتوب الله علي من تاب" "أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد "الجامع الصغير 2/121"". وإذا ثبت وقوع هذين النوعين كما تري. ثبت جوازهما. لأن الوقوع أعظم دليل علي الجواز كما هو مقرر. وإذن بطل ما ذهب إليه المانعون من ناحية الشرع. ويبطل كذلك ما ذهب إليه المانعون له من ناحية العقل. وهم فريق من المعتزلة شذ عن الجماعة. فزعم أن هذين النوعين الآخرين مستحيلان عقلا. ويمكنك أن تفحم هؤلاء بدليل علي الجواز العقلي الصرف لهذين النوعين فتقول: إن ما يتعلق بالنصوص القرآنية. من التعبد بلفظها. وجواز الصلاة بها. وحرمتها علي الجنب في قراءتها ومسها. شبيه كل الشبه بما يتعلق بها من دلالتها علي الوجوب والحرمة ونحوهما. في أن كلا من هذه المذكورات حكم شرعي يتعلق بالنص الكريم وقد تقتضي المصلحة نسخ الجميع. وقد تقتضي نسخ بعض هذه المذكورات دون بعض. وإذن يجوز أن تنسخ الآية تلاوة وحكما. ويجوز أن تنسخ تلاوة لا حكما. ويجوز أن تنسخ حكما لا تلاوة. وإذا ثبت هذا بطل ما ذهب إليه أولئك الشذاذ من الاستحالة العقلية للنوعين الأخيرين. وللحديث بقية.