مازلنا نطوف مع سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم. وسنظل مدي العمر طائفين. وسيظل المسلمون مادامت الحياة ينهلون من هذا النبع الصافي. والتوجيه المشرق. فجر الحياة ونهارها الدائم. باعث الأخلاق الحميدة. ومؤسس انطلاق الإنسان إلي آفاق الكرامة. ورفعة شأنه.. لن تشبع ولن ترتوي الإنسانية إلا بالقرآن الذي أنزله المولي سبحانه وتعالي علي نبيه المختار ليؤكد نبوته. وبتوجيهاته صلي الله عليه وسلم التي تثبت إعجازه البشري. ما إن علمها العقل الواعي. ووقف علي ما فيها من إنسانيات عظيمة إلا آمن وتيقن من أنه صلي الله عليه وسلم معجزة بشرية قبل أن يكون نبياً مرسلاً. حياته قبل البعثة نموذج فريد. ومثل عظيم في الخلق.. أمانة وحديثاً. ورقياً وإنسانية مبهرة لا يلحق بها أحد من البشر.. أطلق عليه معاصوره لقب الصادق الأمين فتأتيه الرسالة. فما ينطق عن الهوي. ولا يحيد عن الحق أو العدل. ولا يطلب لنفسه منصباً أو ميزة. تميزه عن أتباعه أنه يقول لهم أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد. ويهتف في قومه بصوت ندي. وصادق كالصبح المضيء "أيها الناس. إن ربكم واحد وإن آباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب. وإن أكرمكم عند الله أتقاكم. ليس لعربي فضل علي أعجمي إلا بالتقوي.. ألا هل بلغت؟. قالوا نعم. قال اللهم فاشهد". ينقل عن ربه سبحانه وتعالي "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء" سورة النساء الآية "1". وينقل أيضا "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم الله عند أتقاكم" سورة الحجرات الآية "13". مؤكداً ومثبتاً المساواة بين البشر. يذكرهم بأصلهم جميعاً. لا يفرق بين أحد منهم علي أساس اللون أو العقيدة أو القبيلة أو المال. وإنما كلهم متساوون في الحقوق والواجبات. وكل علي قدر إيمانه وطاعته ليسير في فلك الحياة يعمرها وينشر فيها الخير والسلام. ذلك إن التعارف الذي نص عليه القرآن لا يتحقق إلا بنفع الناس بعضهم لبعض. ولا يكون إلا بالمحبة والتعاون والسعي نحو رقي الإنسانية. ساوي بين البشر جميعاً لا يلقون الله بأنسابهم. ولا بأموالهم. ولا بمراكزهم الدنيوية. إنما بعملهم الصالح حتي وإن كان ابن نبي. وقد خاطب نوح ربه مناجياً إن ابنه الذي لم يخضع لأمر الله يطلب له النجاة فيجيبه مالك الملك بأن الأخير ليس من أهله لأنه عمل غير صالح "ونادي نوح ربه فقال إن ابني من أهلي وأن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمينہ قال يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح" سورة هود الآية "45 46". وخاطب الرسول أهله ومنهم فاطمة ابنته في حديث طويل.. يا فاطمة بنت رسول الله: سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا". ولا تفترق القيم التي نادي بها الرسول عن بعضها فقيمة الحرية لا يمكن تحقيقها إلا بتحقيق قيمة المساواة. وبتحقيق الحرية جعل الله سبحانه وتعالي مسئولية محمد صلي الله عليه وسلم هي الابلاغ وليدع حساب الناس إلي خالقهم" إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" سورة الرعد الآية "40". ويبلغ الرسول القائد عن رب العزة خطابه اليه "فذكر إنما أنت مذكرہ لست عليهم بمسيطر" سورة الغاشية الآية "21 22". ويحدثه القرآن أيضا "نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد" سورة ق الآية "45". يقود الرسول البشرية إلي الخير والسلام والحرية. ويضع أسسها ليسير عليها المسلمون من بعده انطلاقاً من قوله سبحانه وتعالي "وشاورهم في الأمر" سورة آل عمران الآية "159". ويصف القرآن المسلمين "وأمرهم شوري بينهم" وهو ما طبقه الخليفة الأول أبو بكر الصديق في خطبة الحكم قال "أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم. فإن أحسنت فأعينوني. وإن أسأت فقوموني. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله. فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم". ويؤكد المسيرة ويدعمها سلوك الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حين قال "يا أيها الناس من رأي منكم في اعوجاجاً فليقومه. فقام إليه رجل وقال والله لوجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا. فقال عمر الحمد لله اذي جعل في المسلمين من يقوم اعوجاج عمر بسيفه". تقومه امرأة من المسلمين حين طلب عدم المغالاة في مهور النساء قائلة: "يعطينا الله وتمنعنا؟!. ليرد عمر متواضعاً مستجيباً أصابت امرأة وأخطأ عمر". وذلك حين استشهدت بقول الحق "وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتاخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً" سورة النساء الآية "20". ويقول الدكتور مصطفي بهجت في كتابه الرسالة المحمدية "هذا فيض من الأمثلة المشرقة التي كتبها الأوائل بحروف من نور في سفر التاريخ. فانظر إلي أي حد بلغت حرية الرأي بين المسلمين الأوائل الذين عزوا وسادوا وملكوا الدنيا بفضل ما غرس الإسلام فيهم من معاني الحرية التي تورث الشجاعة وتقتل الجبن في نفوس المحكومين". صفحة 44. هذه كلمة مضيئة نقولها عن مدرسة محمد صلي الله عليه وسلم التي غرست أركان المساواة بين البشر. وحفظت للناس حرية رأيهم نقولها في ذكري مولده الشريف لعلنا ننهج نهجه ونسير علي دربه ونتخذه إماماً في الدنيا والآخرة.