للنبي محمد صلي الله عليه وسلم علينا حقوق وواجبات: أولها: حب النبي بما تحمله هذه الكلمة من معان: أي صدق المحبة له. بحيث يكون حباً ينسي فيه المرء نوازع نفسه وعرقه ونسبه. حباً يفوق حب النفس والمال والولد والوالدين لقوله تعالي: "قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْناَؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالى اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةى تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادي فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّي يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" "التوبة:24". وقوله صلي الله عليه وسلم: "فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من والده وولده" "البخاري". وفي رواية مسلم: "لا يؤمن عبد حتي أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين". لذا قال ابن بطال: "ومعني الحديث أنه من استكمال الإيمان علم المرء أن حق النبي مقدم علي حق أبيه وابنه والناس أجمعين. لأنه استنقذنا من النار. وهدينا من الضلال" "شرح النووي علي صحيح مسلم: 1/211". وقال الخطابي: "فمعناه: لا تَصْدُق في حبي - أي في حب النبي - حتي تفني في طاعتي نفسك. وتؤثر رضاي علي هواك وإن كان فيه هلاكك". ثم قَرنَ الله تعالي حب نبيه محمد بحبه. وأبي أن يداني حبهما أي حب فقال تعالي: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورى رَّحِيمى" "آل عمران:31". وقوله صلي الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان» أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما".. "البخاري". ثانياً: طاعته فرض من الله تعالي علي أمته: بكل ما تحمله هذه الكلمة من الامتثال والتسليم والطاعة والدفاع والذب عنه وعن سنته. وآله وأصحابه لقوله تعالي: "وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" "آل عمران:132". وقوله تعالي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ" "محمد:33 :". وقوله تعالي: "وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" "الأنفال:1". وقوله تعالي: "وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَي الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" "النور:54". وانظر إلي طاعة الصحابة "الذي يطعن فيهم أنصاف الرجال هذه الأيام" من روي البخاري من حديث أنس بن مالك أن النبي أمر منادياً في الناس: "أن الله ورسوله ينهيانكم عن - أكل - لحوم الحمر الأهلية» فأكفئت الصحابة القدور وإنها لتفور باللحم". وروي البخاري أيضاً: عن أنس في قصة تحريم الخمر فقال أنس: "كنت ساقي القوم في منزل أبو طلحة» فأمر رسول الله منادياً ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت. فقال لي أبوطلحة: أخرج فأهرقها - أي صبها في الشارع - فخرجت فأهرقتها» فجرت في سكك المدينة". هكذا المؤمنون إذا دعوا إلي الله ورسوله قالوا سمعنا وأطعنا. فلا جدال ولا ميوعة ولا ليونة ولا تباطوء ولا تخاذل ولا تأخير ولا تسويف. لذا أثني عليهم الله تعالي في قوله: "إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَي اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" "النور:51". ويحضرني في هذا المقام ذكر قصة الشاعر امرؤ القيس عندما كان جالساً في مجلس خمر ولهو. فجاءه خبر مقتل أبيه فتباطأ وتخاذل وسوف وتأخر وأتم مجلس الخمر وهو يقول: "اليوم خمر وغداً أمر" والفرق واضح والبون شاسع بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. ثالثاً: نصرته ونصرة سنته من أعظم حقوقه علي أمته: وهي تكون في عدة أمور منها: 1- تصديق النبي فيما أخبر به واجتناب ما نهي عنه: لقوله تعالي: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا" "الحشر:7". 2- بيان مكانته وفضله وتعديد شمائله ومعجزاته ونشرها وتعليمها للناس جميعاً ليعلموا من هو هذا النبي الخاتم سيد ولد آدم يوم القيامة بلا فخر. وإمام المتقين والرحمة المهداة للعالمين المبعوث للناس كافة صاحب الخلق العظيم والهدي القويم والصراط المستقيم والشفاعة الكبري والحوض المورود والكتاب المبين الذي حفظه رب العالمين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. حبيب الله ومصطفاه صلي الله عليه وسلم. 3- عبادة الله تعالي علي طريقته وسنته قال تعالي: "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" "الأنعام:153" ولقول رسول الله صلي الله عليه وسلم "خذوا عني مناسككم. وصلوا كما رأيتموني أصلي. وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم. وما نهيتكم عنه فانتهوا عنه. لقد هلك من كان قبلكم بكثرة جدالهم لأنبيائهم". 4- معرفة السنة والتفقه فيها: فهي الوحي الثاني بعد القرآن والمصدر الثاني الذي يؤخذ منه الأحكام الشرعية لأن النبي محمد صلي الله عليه وسلم "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَي "3" إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيى يُوحَي"» وقال تعالي: "لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَي الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالي مُّبِيني" "آل عمران:164". قال الإمام الشافعي: "الكتاب هو القرآن والحكمة هي السنة". ولا تجوز أن تكون الحكمة هي الكتاب لأنها معطوفة عليه والعطف يفيد المغايرة. وعطفها علي الكتاب تفيد أن المصدر واحد والغاية واحدة. إذ مَنَّ الله بهما علي المؤمنين ولا يمن الله علي عباده إلا بما هو حق وصدق. وكما جاء في تفسير الجليلين: "ويعلمهم الكتاب": القرآن. "والحكمة": السنة. 5- العمل بهذه السنة وتطبيقها في جميع شئون حياتنا ونشرها والذب عنها: قال تعالي "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَي وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّي وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً" "النساء:115". قال عمر بن عبد العزيز "رحمه الله": "سن رسول الله وولاة الأمور من بعده سنناً الأخذ بها تصديق لكتاب الله. واستكمال لطاعة الله. وقوة علي دين الله. ليس لأحد تغييرها. ولا تبديلها. ولا النظر في شيء يخالفها. من عمل بها مهتدي. ومن انتصر بها منصورى. ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولي. وأصلاه جهنم وساءت مصيراً" "الشريعة للآجري: 1/461". ولقد أخبرنا سيد المرسلين بالتمسك بالسنة للخروج من الخلاف والفرقة فقال: "إنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافاً كثيراً. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور. فإن كل محدثة بدعة. وكل بدعة ضلالة".. "أحمد:16692". وقال أبي بن كعب: "عليكم بالسبيل والسنة. فإنه ليس من عبد علي سبيل وسنة فذكر الله ففاضت عيناه من خشيته. فتمسه النار أبداً. وإن اقتصاداً في السنة خير من اجتهاد في خلاف السنة" "تلبيس إبليس: 1/44". وقال الأوزاعي: "اصبر نفسك علي السنة. وقف حيث وقف القوم أي الصحابة. وقل بما قالوا. وكف عما كفوا. واسلك سبيل سلفك الصالح. فإنه يسعك ما وسعهم" "الشريعة: 2/673". وقال الصابوني: "ومن تمسك اليوم بالسنة وعمل بها واستقام عليها ودعا إليها وذب عنها» كان أجره أوفر وأكثر من أجر من جري علي هذه الجملة من الاعتقاد في أوائل الإسلام» إذ الرسول قال: له أجر خمسين. فقيل له: خمسين منهم؟ قال: بل منكم" "عقيدة السلف ص317". والحديث أخرجه أبو داود "4341". وسلاماً علي المرسلين وتحية حب وتعظيم لإمام المتقين سيدنا محمد في ذكري مولده.