الترغيب والترهيب أسلوب بارز في القرآن ولا غرو في ذلك. فالقرآن الكريم كتاب دعوة في الأساس. وهذا الأسلوب من أنجع الأساليب في الدعوة» لاعتماده علي عنصري الثواب والعقاب. اللذين علم الله من طبيعة البشر أنهما يشكلان حافزاً قويًّا» للإقبال علي كل ما هو نافع. والابتعاد عن كل ما هو ضار والمراد من أسلوب الترغيب والترهيب من حيث الجملة. أن يذكر القرآن ما يتضمن ترغيباً في القيام بعمل يرضي الله عنه ورسوله. ثم يتبعه ما يتضمن ترهيباً من القيام بعمل يُغضب الله ورسوله وقد يكون العكس. فيبدأ القرآن بذكر ما فيه ترهيب. ثم يردفه ما فيه ترغيب. وقد أكد كثير من المفسرين -المتقدمين منهم والمتأخرين- علي اعتماد القرآن الكريم علي أسلوب الترغيب والترهيب» فهذا الزمخشري ينص علي أن ¢من عادته عز وجل في كتابه أن يذكر الترغيب مع الترهيب. ويشفع البشارة بالإنذار¢ ويذكر ابن كثير أنه ¢كثيراً ما يقرن الله تعالي بين الترغيب والترهيب في القرآن فتارة يدعو عباده إليه بالرغبة. وصفة الجنة والترغيب فيما لديه. وتارة يدعوهم إليه بالرهبة. وذكر النار وأنكالها وعذابها والقيامة وأهوالها. وتارة بهذا وبهذا» لينجع في كل بحسبه¢ ويذكر أبو السعود أن ¢من السُّنة السنيَّة القرآنية شفْعُ الوعد بالوعيد. والجمع بين الترغيب والترهيب¢ والآلوسي بعد أن يأتي علي تفسير موقف قوم موسي عليه السلام. وطلبهم من موسي أن يدعو ربه بأن يخرج لهم مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها البقرة:61. يُتبع ذلك. بقوله: ¢لما انجر الكلام إلي ذكر وعيد أهل الكتاب. قرن به ما يتضمن الوعد» جرياً علي عادته سبحانه من ذكر الترغيب والترهيب¢ وبعد أن يأتي الشوكاني علي تفسير الآيات الواردة في حق الكفار والمنافقين في بدايات سورة البقرة. ينتقل للحديث عن الآيات الواردة في حق المؤمنين. فيقول: ¢لما ذكر تعالي جزاء الكافرين. عقبه بجزاء المؤمنين» ليجمع بين الترغيب. والترهيب. والوعد. والوعيد. كما هي عادته سبحانه في كتابه العزيز¢. ويؤكد ابن عاشور هذا المنحي. ويعتبر أن من ¢عادة هذا الكتاب المجيد مداواة النفوس بمزيج الترغيب والترهيب¢. وعبارات المفسرين في هذا الشأن أكثر من أن تحصر. ثم إن المفسرين. يذكرون أن غايته سبحانه من الجمع بين أسلوب الترغيب والترهيب ¢تنشيط عباده المؤمنين لطاعاته. وتثبيط عباده الكافرين عن معاصيه¢ ويري بعضهم أن الغاية من هذا الأسلوب أن ¢يكون العبد راغباً راهباً. خائفاً راجياً¢. و¢لتبقي النفوس بين الرجاء والخوف¢ ويذهب فريق ثالث إلي أن الدافع إلي هذا الأسلوب. هو ¢أن مطامع العقلاء محصورة في أمرين. هما: جلب النفع ودفع الضر¢. والطريق إلي تحصيل هذين الأمرين إنما يكون باتباع أسلوب الترغيب والترهيب وثمة فريق يذكر أن الغرض من هذا الأسلوب إيفاء ¢حق الدعوة بالتبشير والإنذار¢» إذ أن الدعوة -أية دعوة- لا تؤتي ثمارها إلا إذا سلكت أسلوب الترغيب والترهيب. ولو اعتمدت علي واحد دون الآخر لما حققت شيئاً مما تدعو إليه. وتعمل لأجله ولا جرم. فإن كل ما ذكره المفسرون من غاية هذا الأسلوب لا تعارض بينه. بل كل صالح لاعتباره غاية مرعيَّة. ومقصداً مبتغي من وراء أسلوب الترغيب والترهيب. أنواع أسلوب الترغيب والترهيب المتأمل في القرآن الكريم يجد أن أسلوب الترغيب والترهيب في القرآن الكريم. قد جاء علي ثلاثة أنحاء: الأول: أن يأتي هذا الأسلوب في آية واحدة. نحو قوله تعالي: إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم الأنعام:165 وقوله سبحانه: وإن ربك لذو مغفرة للناس علي ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب الرعد:6. وقوله عز وجل: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول غافر:3 الثاني: أن يأتي هذا الأسلوب في آيتين. كقوله سبحانه: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم الحجر:49. فهذه الآية فيها ترغيب. ثم يأتي الترهيب في قوله تعالي: وأن عذابي هو العذاب الأليم الحجر:50 وقوله سبحانه: إن بطش ربك لشديد البروج:12. فهذه الآية فيها ترهيب. ثم يأتي الترغيب بعدُ في قوله تعالي: وهو الغفور الودود البروج:14 الثالث: أن يأتي هذا الأسلوب ضمن مجموع آيات. ومثال هذا وصف القرآن لحال أهل الكفر يوم القيامة في قوله تعالي: وسيق الذين كفروا إلي جهنم زمرا حتي إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلي ولكن حقت كلمة العذاب علي الكافرين * قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوي المتكبرين الزمر:71. ثم وصف القرآن لحال أهل الإيمان في قوله تعالي: وسيق الذين اتقوا ربهم إلي الجنة زمرا حتي إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين * وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين الزمر:73-74 والذي نخرج به من مجموع ما تقدم. أن أسلوب الترغيب والترهيب أسلوب قرآني بامتياز. وهو واضح وظاهر لمن تتبعه في آياته وموضوعاته وما ذكرناه من أمثلة إنما هو قليل من كثير.