مبادرة فريدة من نوعها أقدمت عليها دار الإفتاء المصرية بعقد دورة تدريبية للمقبلين علي الزواج لتدريبهم علي كيفية التعامل مع حياتهم الجديدة وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي ترسخ في أذهانهم حول قضية الزواج. والجديد أن دار الإفتاء لن تُقصر دورتها علي الجانب الديني أو الشرعي. بل ستستقدم متخصصين من مختلف المجالات للتدريس بالدورة لتتخذ بذلك أول خطوة عملية في سبيل يناء مجتمع سليم عن طريق تقديم الخطوات العلمية الصحيحة لبناء أسرة سوية.. في السطور التالية نرصد ردود الأفعال حول مبادرة دار الإفتاء: أكد الدكتور عمرو الورداني- مدير إدارة التدريب بدار الإفتاء والمشرف علي الدورة- أن فكرتها نشأت بعد كثرة حالات الطلاق التي تأتي لدار الإفتاء المصرية والتي اتضح أن معظم الأطراف المشاركة فيها من الشباب ففكرت الدار في علاج المشكلة من الجذور فارتأينا أن نحلل حالات الطلاق التي تأتي إلينا فوجدنا أن معظمها يرجع لعدم التأهيل المعرفي والمهاري المناسب للتعامل مع قضية الزواج فقررنا عمل دورة تأهيلية للمقبلين علي الزواج من عدة محاور لا تقتصر علي العلوم الشرعية فقط. بل ندرس فيها كل المهارات التي يحتاجها الزوجان سواء نفسية أو صحية أو المهارات التي تتعلق بكيفية التعامل مع الظروف المختلفة التي يتعرض لها الزوجان كما سيتم تصحيح المفاهيم المغلوطة حول الزواج والتي تفسد العلاقة الزوجية مثل جور أحد الطرفين علي حقوق الآخر . لذلك سوف تتضمن الدورة الجانب النفسي والمهاري المتعلق بإدارة العلاقات بالإضافة إلي جانب الصحة الإنجابية والجانب الشرعي . وبالنسبة للقائمين علي الدورة فسوف يدرس بها نخبة من هيئة كبار علماء الأزهر الشريف مثل الدكتور محمد رأفت عثمان وعلماء من دار الإفتاء مثل د.مجدي عاشور ود.عمرو الورداني ومن التخصصين المشاركين د.صفاء اسماعيل خبيرة علم النفس الاجتماعي ود.شكري عبد العظيم الذي سيقوم بتدريس الصحة الإنجابية . أوضح الورداني أن دار الإفتاء لم تشترط أي شروط في المتقدمين للدورة التدريبية لأن المسألة أكثر أهمية وخطورة من وضع شروط فالمعارف التي تقدمها الدورة مطلوبة لتقليل نسب الطلاق بين الأزواج لذا فإننا سنضع الأولوية في الالتحاق بالدورة للمقبلين علي الزواج. وإذا وجدت أماكن قد نفتح المجال للمتزوجين فعليا حتي لا نمنع عنهم هذا التحصين الذي يمكن أن يحفظ أسرهم . لفت الدكتور عمرو إلي أن الدورة عبارة عن 24 ساعة تدريب مقسمة إلي ست أسابيع كل أسبوع أربع ساعات بواقع ساعتين في اليوم مضيفا إلي أن هذا المعدل تم التوصل إليه بعد استقصاءات ودراسات حول الوقت الأنسب لعقد هذه الدورة والتي أثبتت أن الفترة المسائية أنسب. كما أثبتت أن العقل البشري لا يمكنه استيعاب أكثر من ساعتين بعد العمل لذلك فقد تم اختيار الساعة الخامسة مساء موعدا لعقد الدورة ولمدة ساعتين وستكون الدورة باشتراك رمزي بسيط وعلي الراغب في الاشتراك إحضار صورة من بطاقة الرقم القومي وصورة شخصية . مفاتيح الشخصية أثنت أميمة فرغلي- خبيرة التنمية البشرية والاستشارات الأسرية- علي اتجاه دار الإفتاء المصرية لعقد مثل هذه الدورات مؤكدة علي ضرورة تعميمها بمختلف الوزارات مثل وزارة الشباب. والثقافة ووزارة الشئون الاجتماعية ومراكز الشباب. خاصة وأن حصاد مثل هذه الدورات لن يأتي علي المدي القريب بالتالي فإن تعميم هذه النوعية من الدورات وإتاحتها للجميع يفتح لها مجالا أكبر للانتشار يمكن تجنب سوء التفاهم الذي قد يحدث بين المقبلين علي الزواج ويجعل كلا منهما يسمع الطرف الآخر ويتفهم نمط شخصيته قبل أن يبدأ بداية خاطئة تدفع ثمنها دار الإفتاء من الاستهانة بلفظ الطلاق وكثرة الحلف به وخلافه . شددت أميمة علي أن الصدام يحدث لأن طرفي العلاقة الزوجية لا يفهمان بعضهما. وإقامة دورات تدريبية من هذا النوع تجعل كل طرف يفهم نفسه أولا ثم يفهم الطرف الآخر. لذلك فإنها تري ضرورة جعل هذه الدورة إجبارية للراغبين في الزواج بحيث لا يسمح بزواجهم إلا إذا اجتازوها بنجاح بدلا من الكشف الطبي الوهمي الذي يعقد حاليا للراغبين في الزواج . أضافت أنها تعقد نماذج مصغرة من هذه الدورة في المؤسسة التي تعمل بها منذ ما يقرب من خمسة عشر عاما. ومنذ أن كانت مساعدة للدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله . سألناها عن أبرز مواطن الخلل في العلاقة الزوجية من واقع خبرتها وتعاملاتها السابقة في هذه الدورات فأجابت قائلة : إن كل طرف لا يفهم نفسه ولا يفهم الطرف الآخر. لذلك فإننا نعول في مثل هذه الدورات التدريبية علي إدراك كل طرف لنقاط القوة والضعف لدي الطرف الآخر بالإضافة إلي تعليم كيفية إدراك مفاتيح شخصية كل طرف. رحبت أميمة فرغلي بالتدريس في الدورة التدريبية التي تعقدها دار الإفتاء قائلة: اتصل بي د. إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية منذ فترة تصل إلي حوالي ستة أشهر للتشاور حول دورة إعداد وتأهيل المقبلين علي الزواج وهو رجل متحضر وواسع الأفق تعاونت معه منذ عهد الدكتور علي جمعة المفتي السابق وأدركت من حديثه أن دار الإفتاء تعاني من الجهل الديني الناتج عن عدم الإلمام بأساسيات العلاقة الزوجية . لذلك فالأفضل أن تتضمن الدورة التدريبية مختلف التخصصات الدينية والنفسية والاجتماعية والتنمية البشرية بحيث يقدم كل متخصص خطته لإفادة المقبلين علي الزواج وصولا للاستفادة القصوي. حق المرأة ابتسام أبو رحاب- عضو المجلس القومي للمرأة وعضو الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة- تقول: تعد دورة المقبلين علي الزواج مبادرة طيبة جدا ولأول مرة تقدم عليها جهة دينية فنحن مسلحون بكل شيء إلا الجوانب الدينية في الزواج وهذه كارثة كبري. لذلك فإنني أتمني من دار الإفتاء وهي تقيم دورتها التثقيفية أن تتناول حق المرأة علي الرجل وكيف يراعي الزوج ربه في زوجته وكيف يحافظ علي حقوقها ويعاملها مثلما عامل رسول الله صلي الله عليه وسلم زوجاته وكان مثالا للزوج المحترم . لفتت ابتسام إلي أن نسبة الطلاق ارتفعت جدا في العشر سنوات الأخيرة بسبب غياب التفاهم. وعدم احترام طرفي العلاقة لبعضهما وعدم توافر قناعة لديهما بأن القليل يكثر مع الوقت. وأن المشكلات الاقتصادية يمكن تجاوزها مستقبلا .. وهذه الجوانب للأسف هي التي تتسبب في فشل العلاقة الزوجية بالإضافة إلي الجوانب الجسدية - وهي بعيدة عن تخصص المؤسسة الدينية - فهناك معلومات خاصة بالجسم لابد أن يحاط الطرفان بها علما وهذا دور وزارة الصحة لأن كثيرا من الشباب ليس لديهم الوعي بكيفية التعامل مع المرأة فيمارسون العلاقة بجهالة وعنف وكأن المرأة معتادة علي هذا العمل. لذلك فعلي وزارة الصحة أن تقوم بعملها في التوعية بهذا الأمر. أبدت ابتسام أبو رحاب ترحيبا بجمع كافة التخصصات المتعلقة بموضوع الدورة في إطار واحد لتدريسها في دورة دار الإفتاء التي تعتبرها مبادرة تأخرت كثيرا خاصة وأن الشباب المقبلين علي الزواج لن يكون لديهم الوقت الكافي ليقتطعوا منه من أجل التدريب فلا مانع من أن تقدم دار الإفتاء دورة شاملة متكاملة وجزي الله القائمين عليها كل خير. صدام .. لا تكافؤ يشير الدكتور أحمد خيري- أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس- إلي أن أي مبادرات أو دورات تدريبية أو مؤسسات تربوية تقوم بإعداد برامج للمقبلين علي الزواج هي خدمة لا تقدر بثمن في مجتمع تزداد فيه حالات الطلاق عاما بعد عام وتزداد فيه العنوسة أيضا عاما بعد عام . أضاف أن الأزمة الكبيرة في المجتمع المصري أن الزواج تغيرت قواعده التقليدية منذ سنوات طويلة وأصبحنا نتجاهل الأسس التي يبني عليها الزواج الصحيح وأصبح الزواج يتم الآن بدرجة كبيرة من العجلة وعدم الاهتمام. كما أصبح المقبلون علي الزواج من الجنسين يتنازلون عن أسس رئيسية لنجاح الحياة الزوجية ويتناسون أن الزواج مودة ورحمة وعلاقة إنسانية مثالية. صحيح أن الجوانب المادية ضرورية والاستعداد النفسي ضروري. لكن الأهم هو التواصل الاجتماعي الإنساني الإيجابي بين الطرفين . أشار خيري إلي أن هناك دراسات كثيرة أجريت علي السعداء والتعساء من الأزواج واكتشف من خلالها أن التواصل بين الطرفين تواصل فيه صدام وليس تكافؤ وبالتالي فإن تبني المؤسسة الدينية لمثل هذه الدورات سيضفي علي الجانب الديني جانبا علميا.وهنا ستنتقل هذه المؤسسة الدينية ولأول مرة في مصر إلي اتخاذ المنهج العلمي إلي جانب الديني في تعميق العلاقات الزوجية . ثمن خيري اعتماد دورة "الإفتاء" علي المتخصصين في علم النفس قائلا : من خلال خبرتي في العلاج النفسي منذ ما يقرب من ثلاثين عاما أؤكد أن 90% ممن يزورون عياداتنا ليسوا مجانين أو مرضي نفسيين. بل يعانون مشكلات زوجية وهذا يكشف مدي الأزمة التي يواجهها المجتمع المصري إذا علمنا أن التطرف والتعصب والعنف الذي يملأ مجتمعنا الآن هو نتاج أسر مفككة. نقطة التقاء الدكتورة سلوي عبد الرحمن- أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر- أشارت إلي أن إعداد المقبلين علي الزواج وتدريبهم مسألة في غاية الأهمية. حيث تكثر حالات الطلاق في السنة الأولي من الزواج نظرا لاختلاف الأسرتين في النشأة والأصل والتربية والمستوي فتظهر حالة من عدم القبول نتيجة اختلاف الطباع. وهذا يستلزم توافر قدر من المرونة لإيجاد نقطة التقاء بين الطرفين وهذا لن يحدث إلا إذا قدم كل طرف قدرا من التنازل حرصا علي استمرار الزواج . وتنظيم دورة تدريبية بهذا الصدد أمر في غاية الأهمية خاصة أنه يجمع طرفي العلاقة معا . لذا لابد من استغلال هذه الدورة في بث القيم الإيجابية وتوعية الزوجين بأنهما مقبلان علي حياة جديدة تختلف كليا عن حياتهما في بيت الوالد والوالدة. تلميع ومنظرة اختلفت الدكتورة نادية رضوان- أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة قناة السويس- مع الآراء السابقة متسائلة: ما دخل الأزهر ودار الإفتاء بتأهيل المقبلين علي الزواج ؟ لماذا نحاول أن نستنسخ عقلا واحدا يفكر به الجميع؟ لابد ألا نربط كل شيء بالدين فالدول الأوروبية والاسكندنافية لا دين لها ورغم ذلك لديها وعي وثقافة تؤهلها للعيش وممارسة حياتها بشكل سليم . نحن بحاجة إلي أن نغرس في نفوس أبنائنا منذ الصغر أنه لا تفرقة بين الجنسين وأن المرأة تحترم علي أن يتم ذلك في المدارس وبشكل تدريجي. أما إذا كانت المؤسسة الدينية لديها إمكانيات وميزانيات فلتوجهها لأبناء الأزهر لتخريجهم علي المستوي المطلوب روحانيا وتعليميا بدلا من أن تخرج لنا قطعانا تحفظ بضع آيات من القرآن الكريم لدخول الامتحان وكان الله بالسر عليما!! أضافت : للأسف الشديد نحن نلهث في مصر دائما وراء التلميع والمنظرة فكيف نسعي لعقد دورات مثل هذه ونحن ندرك أن البذرة التي وضعت في الأرض ممثلة في التلاميذ الصغار لم تلق العناية اللازمة؟ وماذا تجد هذه الدورات مع أشخاص لم يتلقوا تعليما سليما منذ البداية؟