أول من صنًّف في جمع الصحيح محمد بن إسماعيل البخاري الذي ولد يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة 194ه ببخاري أبوه محدث من الثقات سمع مالك وأقام البخاري بمكة مجاورا لطلب العلم. ومات ببخاري وألهم حفظ الحديث وهو في الكتًّاب وكان ابن عشر سنين أو اقل قال رجاء بن ابي رجاء الحافظ. فضل محمد بن إسماعيل علي العلماء كفضل الرجال علي النساء. وقال: هو آيه من آيات الله علي ظهر الأرض. وتوفي أمير المؤمنين البخاري ليلة السبت سنة 256ه. أولية تصنيف البخاري في جمع الصحيح ليست هذه الأولية علي الإطلاق بل هي أولية خاصة بجمع الحديث الصحيح دون غيره وإلا فقد سبقه جماعة من أئمة الحديث وكان سبب تصنيفهم ان السنة لم تكن مدونة في عصر الصحابة وكبار تابعيهم وذلك إما لحفظهم أو عدم معرفة معظمهم الكتابة ثم جدت في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار. وتبويب الاخبار لما انتشر العلماء في الأمصار. وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكره الاقدار فأول من جمع ذلك الربيع ابن صبيح وسعيد بن عروبة وغيرهما. وكانوا يصنفون كل باب علي حدة إلي أن قام كبار اهل الطبقة الثالثة فدونوا الاحكام فصنف الإمام مالك الموطأ وممن صنف في الصحيح ايضا ابو محمد عبدالملك بن جريح بمكة. وأبوعمر وعبدالرحمن الزوزاعي بالشام وأبوعبدالله سفيان بن سعد الثوري بالكوفة. وأبوسلمة حماد بن دينار بالبصرة ثم تلاهم كثير من اهل عصرهم. في النسج علي منوالهم إلي أن رأي بعض الأئمة أن يفرد حديث النبي صلي الله عليه وسلم خاصة وذلك علي رأس المائتين فصنف عبدالله بن موسي العيسي الكوتي مسندا وصنف مسدد بن مرهد البصري مسندا وصنف ابو نعيم ابن حداد الخزاعي مسندا ثم تتبع الأئمة بعد ذلك أثرهم فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه علي المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل. وابن راهوية. وعثمان بن أبي شيبه وغيرهم من التبلاء ومنهم من صنف علي الأبواب وعلي المسانيد معا كأبي بكر بن أبي شيبة. سبب جمع البخاري الأحاديث الصحيحة قال الحافظ ابن حجر: لما اطلع البخاري علي هذه المصنفات والمسانيد وجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين. والكثير منها يشمله التصنيف فحرك ذلك همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين. وأيضا مما قوي عزم البخاري علي جمع الصحيح ما سمعه من أستاذه أمير المؤمنين في الحديث والفقه اسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهوية وذلك فيما رواه إبراهيم بن معقل النسقي قال: قال أبوعبدالله محمد بن إسماعيل البخاري: كنا عند اسحاق بن راهويه فقال: لو جمعتم كتابا مختصر الصحيح لسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم قال فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح. وقال البخاري: رأيت النبي صلي الله عليه وسلم وكأنني واقف يديه وبيدي مروحة أدب بها عنه. فسألت بعض المفسرين للرؤيا فقال لي: أنت تذب عن رسول الله صلي الله عليه وسلم الكذب فهذا هو الذي حملني علي إخراج الصحيح عدد الأحاديث التي خرج منها الإمام البخاري "الجامع الصحيح" قال البخاري: خرجت الصحيح من ستمائة ألف حديث. شهادة أئمة الحديث لجامع البخاري بالصحة لما ألف البخاري كتابه الصحيح عرضه علي أحمد بن حنبل. ويحيي بن معين فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة