صدر عن الدار المصرية اللبنانية. في 752 صفحة من القطع المتوسط. كتاب "تاريخ مصر في العصور الوسطي" للمستشرق الإنجليزي ستانلي لين بول. وهو من أهم الكتب التي صدرت عن هذه الفترة التاريخية. ويُدرك أهميته الباحث المتخصص في تاريخ مصر الإسلامية. كما يستمتع بقراءته القارئ المثقف. والقارئ العادي علي السواء. يُعد كتاب "لين بول" من المؤلفات القليلة التي تُعالج تاريخ مصر الإسلامية. منذ الفتح العربي الإسلامي لمصر سنة 18 20 ه 639 641م وحتي دخول العثمانيين مصر سنة 922 ه/ 1516م. صدرت الطبعة الأولي من هذا الكتاب المهم في لندن سنة 1901م. ليحظي بعد ذلك باهتمام كثيري من الباحثين والمهتمين بالدراسات التاريخية. والذين استفادوا منه في دراساتهم عن هذه العصور. إذ إنه أول كتاب شامل يتناول تاريخ مصر في هذه الحقبة الطويلة. ألَّفه "لين بول" في فترة لم يكن قد نُشر فيها من مصادر مصر الإسلامية إلا النذر القليل. ولم تكن الدراسات الجزئية التي بدأت في الظهور منذ العقد الثالث للقرن العشرين قد وُجدت بعد. فاستعاض عن ذلك بالاطِّلاع علي النسخ الخطِّية لعددي مهم من مصادر مصر الإسلامية. إضافة إلي تجارب الطبع الخاصة بكتاب "مدونة الكتابات العربية" "CIA" للمستشرق وعالم الكتابات التاريخية السويسري ماكس فان بِرشِم. مصر الوسطي يُعتبر كتاب "تاريخ مصر في العصور الوسطي" - كما يقول المترجم - من الكتب القليلة التي تناولت تاريخ مصر الإسلامية علي وجه الإجمال. بنظرة شاملة ودقيقة في الوقت نفسه. فقد حاول مؤلِّفه حصر أهم الأحداث التاريخية وذكر الأسماء والتواريخ والأرقام والإحصائيات ووضع قوائم للولاة والسلاطين والخلفاء. ودعَّم كل ذلك بالصور والأشكال التوضيحية التي بلغت مائة صورة وشكل. هذا فضلًا عن رأيه ونظرته الخاصة كمؤرِّخ ومستشرق غربي. فقد حاول علي سبيل المثال التركيز علي أحوال القبط وكنائسهم وأديرتهم. ونراه يتطرَّق دائمًا لأوقات رخائهم أو شدتهم ويفرد لها الأسطر والصفحات. مع أنه قد استقي معظم معلوماته من الكتب العربية لأشهر المؤرخين المسلمين من أمثال: الطبري وابن الأثير والمقريزي والسيوطي وغيرهم. هذا مع عدم التغافل عن المصادر الغربية المهمة خاصة في عصر الحروب الصليبية. مثل جوانفيل الذي رافق حملة لويس التاسع. أو وليم الصوري. وغيرهما ممَّن عاشوا في ظل أحداث الحروب الصليبية. إضافة للمكتبة العربية ورغم أن الكتاب قد صدر في سنة 1901م. إلا أنه - كما يقول د. أيمن فؤاد سيد في تقديمه للترجمة - ما زال من أهم المؤلفات التي تناولت هذه الفترة. إلي جانب كتاب آخر للمستشرق الفرنسي جاستون فييت. أحد أهم العارفين بتاريخ وحضارة مصر الإسلامية. ولا توجد إلي الآن أي كتابات عربية تعدل المادة التي قدمها هذان الكتابان لهذه الحقبة الطويلة من التاريخ المصري. الأمر الذي يجعل نقلهما إلي اللغة العربية يسد فراغًا نوعيًّا في المكتبة العربية. خاصة أن تاريخ مصر خلال هذه الحقبة الطويلة كان قد شغل اهتمام المستشرقين خلال القرن التاسع عشر. وبشكلي خاصّي بعد صدور كتاب "وصف مصر" الذي وضعه العلماء المصاحبون للحملة الفرنسية وخصَّصوا فيه جزءًا عن "الدولة الحديثة". ورغم أن المؤلف صاغ كتابه بأسلوبي جزلي. وعباراتي أدبيةي فخمةي تنتمي إلي عالم الأدب أكثر من انتمائها إلي غيره - وهي من الصعوبات التي واجهت المترجم كما يقول - إلا أن الكتاب انتشر انتشارًا كبيرًا بين الأوساط العلمية المتخصصة في جميع أنحاء العالم. ورجع إليه خلال ما يزيد علي قرن من الزمان. كل مَنْ كتب عن تاريخ مصر الإسلامية. سواء كان من الغربيين أو المؤرخين المشرقيين فيما بعد. وذلك راجع بالطبع لثقل وشهرة مُؤلِّفه وأهمية كتاباته وجدِّيتها علي وجه الإجمال. ويبدأ الكتاب - الصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية - بإهداءي مُلفتي للمترجم. إذ جاء كما يلي: "إلي حقبةي من تاريخنا مضت بصالحها وطالحها.. إلي شخوصي وأحداثي كوَّنت وجدان أمة.. أُهدي هذا العمل.. لعلَّنا نلتمس عن طريق الماضي آفاق المستقبل". وجهات نظر وضع "لين بول" كتابه في أحد عشر فصلًا. وقام في بداية كل فصل بذكر أهم المصادر الخاصة به. والتي كانت معروفة وقت تأليفه للكتاب. وأهم الآثار الباقية التي ترجع إلي هذا العصر. ولم يكتفِ بالسرد التاريخي. وإنما كانت له الكثير من التحليلات ووجهات النظر التي جعلت الكثير ممن تناولوا هذه الفترة بالدراسة بعد ذلك يحيلون في هوامشهم إلي كتابه. وبدأ الفصل الأول المعنون ب "الفتح العربي" بالإشارة إلي الفتح العربي الإسلامي لمصر. حيث يقول المؤلف: "تُوفي النبي محمد - عام 11ه / 632 م. وخلال عدة أعوام من وفاته اجتاح أتباعه شبه الجزيرة العربية وسوريا وأرض الكلدانيين. هازمين قوات إمبراطور القسطنطينية وكِسري أو ملك فارس الساساني. وفي عام 18 ه / 639م افتتح العرب مصر. بعد أن أذعن الخليفة عمر علي مضضي لمزاعم القائد عمرو بن العاص. لكنه اشترط عليه إن وصله خطاب استدعاء قبل دخوله أرض مصر. فعلي الجيش العودة فورًا إلي المدينة. وبالفعل تم إرسال هذا الخطاب. إلا أن عَمرًا احتال لعبور الحدود قبل فتحه. وهكذا أبطل غاية الخطاب. زار عمرو الإسكندرية في شبابه ولم ينسَ أبدًا ثراءها. ولقد تم تنظيم تلك الحملة بينما كان الخليفة وعمرو معًا قرب دمشق أثناء عودتهما من فتح بيت المقدس في خريف عام 18 ه / 639م. وقد أدَّي عمرو صلاة عيد الأضحي في العريش. المدينة الحدودية المصرية". الفتح الإسلامي يستمر "لين بول" بأسلوبه الرشيق. في سرد تفاصيل الفتح العربي الإسلامي لمصر. متناولًا الزحف نحو ممفيس. ومعركة عين شمس. ومعاهدة مصر. كما يتحدَّث عن المقوقس. وحصار بابليون. والتقدم نحو الإسكندرية. والمعاهدة مع الروم. ويتناول في الفصل الثاني "ولاية الخلافة الإسلامية". بينما يتحدَّث في الفصل الثالث عن الطولونيين والإخشيديين. وفي الفصل الرابع عن الثورة الشيعية. ثم الخلفاء الفاطميين في الفصل الخامس. والهجوم من الشرق في الفصل السادس. بينما يفرد الفصل السابع للحديث عن صلاح الدين. ويتناول خلفاء صلاح الدين "الأيوبيون" في الفصل الثامن. بينما يروي في الفصل التاسع قصة "المماليك الأوائل". ثم في الفصل العاشر يتناول الحديث عن "أسرة قلاوون". ليختتم كتابه بالفصل الحادي عشر الذي يتحدث فيه عن "المماليك الجراكسة". صور وأشكال أثري "لين بول" كتابه بمائة صورة وشكل توضيحي. شملت جوامع ومعالم مصر. مثل: جامع عمرو بالفسطاط. وجامع أحمد بن طولون بالقاهرة. وباب الجامع الأزهر. وجامع الحاكم. وجامع السلطان حسن. ومنبر جامع وقبة فرج ابن برقوق خارج القاهرة. وجامع وضريح قايتباي. وباب زويلة. وباب النصر بالقاهرة. وقلعة القاهرة. وقطاع من مقياس النيل بجزيرة الروضة. أما القِطع النقدية فهي الأبرز في الصور والأشكال التي حرص المؤلف علي وضعها في كتابه. ومنها: دينار الخليفة المأمون. الذي ضُرب في الفسطاط عام 814م. ودينار أحمد بن طولون "881م". ودينار هارون بن خمارويه "904م". ودينار المعز "969م". ودينار العزيز "976م". ودينار الظاهر "1030م". ودينار المستنصر "1047م". ودينار المهدي المنتظر "1131م". ودينار صلاح الدين "1179م".. إلخ. وقد أشار في نهاية الكتاب إلي أن القطع النقدية والأوزان الزجاجية تم استنساخها من قوالب جصِّية للقطع الأصلية المحفوظة في المتحف البريطاني. أما النقوش فأغلبها من كتاب ماكس فان برشم "Corpus Inscriptionum". والشعارات من مقال روجرز بك. وبقية الأشكال زوَّده بها هرتز بك. رئيس مهندسي لجنة حفظ الآثار العربية في مصر. تبقي الإشارة إلي أن هذا الكتاب المهم. لم يخلُ من المعلومات التي لم تتَّسم بالدقة. وأحيانًا جاءت غير موضوعية. وقد تصدَّي مترجم الكتاب ومحققه أحمد سالم لهذا الأمر من خلال وضع هوامش تُدقِّق غير الدقيق. وتُصحِّح غير الصحيح. وتوضِّح بعض الأحداث التاريخية بشكلي أكثر تفصيلاً. لخدمة القارئ في فهمي عميقي للوقائع والأحداث وربطها بعضها ببعض. وكذلك للتغلُّب علي عائق التركيز والاختصار الذي اتَّسم به الكتاب في مجمله.