"لماذا يستدعون الأزهر اليوم ويلبسونه عباءة المحارب في الوقت الذي همشوه طيلة الستين عاماً الماضية؟" هكذا تساءل علماء الأزهر الذين استطلعنا رأيهم في الأقاويل التي تتردد عقب كل حادث إرهابي بأن الأزهر مقصر في مواجهة الإرهابيين ما أدي إلي زيادة عددهم وانخراط شبابنا في صفوف هؤلاء التكفيريين. قال العلماء إن الأزهر تم تغييبه عمداً مع سبق الإصرار والترصد وتعرض علماؤه لحملة شرسة استهدفت وقارهم ومكانتهم فما كان منهم إلا أن تواروا حفاظاً علي البقية الباقية من تلك المكانة وان من يريد ان يعرف قدر الأزهر وإمكانياته في مواجهة الفكر المتشدد عليه ان يستدعي إلي ذاكرته الدور الذي قام به في التسعينيات لارجاع كبار الإرهابيين إلي صوابهم وهو ما عُرف إعلامياً باسم المراجعات الفقهية التي تعد دليلاً دامغاً علي قدرة الأزهريين الحقيقية.. تفاصيل ما قاله العلماء في السطور التالية: القوافل مستمرة ويقول الشيخ محمد زكي أمين عام اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر: إن المؤسسة الدينية تقوم بدورها ولكن المشكلة ان الإعلام صنع نجوماً من بعض المحسوبين زوراً علي رجال الدين منح الإعلام شاشاته وصفحاته لهؤلاء الذين سمموا عقول الناس بمصطلحات ما أنزل الله بها من سلطان وهكذا شعر البعض بالميل تجاه أشباه العلماء في الوقت الذي تم فيه تهميش علماء الأزهر وللأسف فإن من يحاولون اليوم مهاجرة الأزهر لا يدكرون ان الأزهر هو مؤسسةوطنية لها دورها ومكانتها ليس علي المستوي المصري فحسب بل علي المستوي الإسلامي كله. يضيف الشيخ زكي: إذا كنا نريد دور الأزهر فلابد ان نوقف فضائيات الهدم التي انتشرت مثل النار في الهشيم وتوقف اللهجة الشرسة التي يقوم بها أنصار نشر ثقافة اللهو والمجون عبر الفضائيات وهو ما يجعل الشباب يلجأون لمن يظنون انهم منبع العلم الديني وأقصد بهؤلاء شيوخ التكفير والإرهاب ليتأثر الشباب بأفكار هؤلاء التكفيريين وإذا أردنا ان نستعيد شبابنا من غيبوبة الفكر التكفيري فعلينا ان نعيد للأزهر دوره وعلينا ان نوقف أمر الدعوة الإسلامية علي الأزهر فحسب فأنا أري ان هناك جهات عديدة أصبحت تتحدث باسم الإسلام وهو ما أدي إلي انتشار أفكار ومعتنقات التكفيريين وهو ما يعني اننا بحاجة لتوحيد جهة الدعوة في مؤسسة الأزهر وتجربة كل من يتكلم في شأن الدعوة الإسلامية بعيداً عن الأزهر الشريف. ويشير الشيخ زكي إلي ان الأزهر ومنذ لاحت علي السطح عودة الأفكار الضالة والتكفيرية للانتشار بين الشباب سارع إلي تشكيل وتوجيه مئات القوافل الدعوية التي توجهت إلي كل مكان في الجنوب والشمال وفي الشرق والغرب وتحت رعاية شيخ الأزهر الإمام الأكبر بنفسه حيث ضمت تلك القوافل خيرة علماء الأزهر الذين حرصوا علي الجلوس مع الشباب من كل الأعمار والاستماع منهم ومجادلتهم بالحسني وكل هذا بهدف نشر الفكر الإسلامي الصحيح بعيداً عن التطرف والتكفير. ونجح علماء الأزهر في كثير من الأحيان في تصويب وتصحيح أفكار الشباب والنشء وأنا أقول لمهاجمي الأزهر ان التاريخ سيثبت ان أصحاب العمامة الأزهرية هم الذين نجحوا في صد الهجمة الإرهابية الشرسة عن مصر والأمة الإسلامية كلها والأزهر لن يصمت حيال ما تتعرض له الأمة من هجمة لكن فقط علي الأقلام المأجورة التي تهاجم الأزهر ان تتركنا نعمل في صمت. تهميش الأزهر يقول الدكتور عبدالمقصود باشا أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر: أنا لا أعرف لماذا تخطيء الحكومات ثم تلقي نتائج خطئها علي الأزهر فالأزهر منذ ظهر إلي الوجود وهو الحصن الحقيقي للإسلام ويتبني الإسلام الصحيح ومن أخذ بغير منهج الأزهر فهو خارج عن منهجية الدين فإذا كانت الدولة منذ عام 1952 همشت الأزهر وهمشت رجاله وهمشت القيادات الدينية فيه حتي تفوه أحد رؤساء مصر السابقين قائلاً: ان شيخ الأزهر يفتي بأكلة "فتة" وهكذا تعمدت الدولة إهانة الأزهر فخرجت الأفلام والمسرحيات التي تظهر عالم الدين بشكل هزلي اسقطت تلك الأعمال التي تمت برعاية الدولة وتحت بصر رقابتها هيبة علماء الدين وكل هذا يجعلنا نتساءل لماذا تحمل الدولة ويحمل الإعلام مؤسسة الأزهر مسئولية انتشار التطرف والتشدد والإرهاب هل لانهم وصلوا إلي قمة احتياجهم للأزهر الشريف واحتياجهم لعلماء الأزهر أنا أقول لهم لقد فات الوقت وإذا كانت الدولة تريد أن يلعب الأزهر دوره الحقيقي في مواجهة موجة الإرهاب التي عادت تضرب مصر من جديد فأنا أقول لهم عليكم بمنح الأزهر الصلاحيات الكاملة وعليكم ان تمنعوا ظهور أشباه العلماء عبر وسائل الإعلام بمختلف أنواعها لأن هؤلاء يشوهون عقلية الناس ويتحدثون بما لا يفهمون ويستخدمون الكلمات المعسولة التي يسيطرون بها علي عقول شباب وفتيات ونساء ورجال لم يقرأوا في علوم الفقه ولا الشريعة ولا الحديث ولا حتي التاريخ الإسلامي ليتأثر هؤلاء بكلمات تلك الشخصيات التي تظهر عبر الإعلام لتفتي في كل شيء دون علم وبما لا يعرفون. ويضيف د. باشا: أطالب الدولة بالتدخل لمنع ظهور أشباه الدعاة علي الفضائيات والفضائية التي ترفض الانصياع لأوامر الدولة وتستضيف شخصيات لا تنتمي للأزهر يتم إغلاقها علي الفور ولابد ان يعي الجميع ان الدولة في وضع حرج وان الظروف الاستثنائية التي نمر بها تحتم علينا اتخاذ كل ما يلزم من اجراءات حتي لو كانت استثنائية فالبلاد تعيش حالة من حالات الخطر حيث يتربص بنا الأعداء من كل جانب ولذلك لابد من اتخاذ اجراءات استثنائية ولنا في التاريخ الإسلامي أدلة كثيرة فحين تقاعس الناس عن الجهاد واشتبك الشيعة مع السنة واشتبك الخوارج مع غيرهم أصدر الحجاج بن يوسف الثقفي امراً لا يبقي في الكوفة ولا البصرة ولا العراق جميعه شاب قادر علي حمل السلاح وإذا بقي أحد بهذه المواصفات في بيته ضربت عنقه بالسيف. ويقول د. باشا: في النهاية أقول لكل من يهاجم الأزهر لا تحملون الأزهر فوق طاقته فالأزهر يصنع ما عليه وإذا اردتم دوراً حقيقياً للأزهر فعليكم ان تعيدوا له مكانته وعندئذ يمكنكم ان تسألوا الأزهر وعلماؤه عن دورهم في مكافحة الإرهاب. المراجعات دليل حي وتقول الدكتورة عفاف النجار العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر ان من يحاول اتهام الأزهر بأنه تراجع عن أداء دوره في مكافحة الإرهاب فهو حاقد لا يعرف شيئاً عن الأزهر تلك المؤسسة الوطنية التي يلجأ لها المصريون دوماً في ملماتهم والتاريخ يحكي ويؤكد ان الأزهر لم يتخل يوماً عن دوره حتي عندما حاول البعض تهميشه لم يقف الأزهر مكتوف الأيدي بل وقف يتابع ويراقب الأحداث ويبذل ما في وسعه للمساعدة وتاريخ الأزهر وشيوخه وعلماؤه أبرز دليل علي ما أقول فالمؤسسة الدينية التي يرأسها الأزهر الشريف في مصر هي خط الدفاع الأول والرئيس في مواجهة الفكر المتطرف والأزهر يتخذ في سبيل ذلك سياسة النفس الطويل حيث يعمل علي نشر الفكر الوسطي السمح بين النشء المسلم علي اعتبار ان نشر سماحة الإسلام هو البوابة الرئيسية في مواجهة التشدد والتعصب الذي يقود في النهاية إلي اعتناق الفكر التكفيري وتنفيذ العمليات الإرهابية. وتضيف د. النجار ان من يطلق سهامه نحو الأزهر جامع وجامعة لا يدرك الأمور جيداً ولا يعرف ان الأزهر يواجه الإرهاب من خلال ترسيخ مفهوم التعددية الفكرية وان الأزهر يعمل علي نشر الفكر المعتدل في العالم بأسره فإذا كان الانحراف الفكري هو أحد عوامل انتشار الإرهاب فإن الأزهريين يواجهون ذلك بنشر الفكر السمح المعتدل الذي يمثل جوهر الإسلام وحقيقته والتاريخ يؤكد ان كل مؤسسات الدولة لم تنجح في رد الإرهابيين عن أفكارهم التكفيرية في التسعينيات ولكن عندما دخل الأزهر وعلماؤه وشيوخه علي الخط ظهرت المراجعات الفكرية التي ردت الكثير من المتشددين إلي صوابهم وهو علي الساحة اليوم يهاجم التشدد والإرهاب ويؤكد مدي النجاح الذي حققه علماء وشيوخ الأزهر عندما اتيحت لهم الفرصة كاملة بعيداً عن السفسطة التي لا طائل من ورائها لهذا فإذا كانت الدولة تريد القضاء علي الإرهاب فعلاً لا قولاً فعليها ان تفرغ المساحة الدعوية والفكرية للأزهريين فقط بحيث لا يفتي للناس إلا الأزهريين ولا يخطب للناس من علي المنابر إلا الأزهريين ولا يظهر علي الشاشات وعبر موجات الراديو وعلي صفحات الصحف والمجلات إلا علماء الأزهر وبهذا نقضي علي التشدد ولابد ونحن نفعل ذلك ان تعمل الدولة علي كف ايدي العلمانيين المتشددين عن المؤسسة الدينية لأن الأزهر أصبح يعاني اليوم هجمات المتشددين والعلمانيين المتطرفين وهو أمر يعيقه عن أداء دوره الحقيقي.