أثار تقرير المجلس القومي للطفولة والأمومة بشأن تزايد معدلات التحرش الجنسي والاغتصاب حالة من الاستياء من هذه السلوكيات الشاذة التي لم يعهدها المجتمع من قبل حتي باتت ظاهرة تؤرق الكافة بمن فيهم المعلمون. من هنا فنحن بحاجة ماسة وضرورية لدراسة الظاهرة والتدخل لعلاجها والوقاية منها من خلال آراء الخبراء التي نرصدها في السطور التالية: في البداية يشير الدكتور جمال شفيق أستاذ العلاج النفسي ورئيس قسم الدراسات النفسية بجامعة عين شمس إلي أن وجود مثل هذه السلوكيات السيئة البذيئة المنحرفة والتي لا نراها في عالم الحيوان هي أمور أصبحت غير محتملة ولا يمكن أن نغمض أعيننا عنها وبمنتهي الصراحة فإن للأسرة أدواراً كثيرة تنشط هذه العملية الإجرامية وتيسر حدوثها ومن أهمها عدم الانضباط داخل الأسرة. وغياب النموذج أو القدوة. فقد أصبح دور الأب والأم هامشياً وليس له قيمة. إضافة إلي أن الأب في المستويات الفقيرة أو المتدنية والتي يحدث فيها تكدس لجميع أفراد الأسرة داخل حجرة يقوم بممارسة العملية الجنسية مع الأم في وجود الأبناء ظناً منه انهم نائمين. اختلاط الإخوة آضاف د. شفيق: أن الأبناء الذكور ينامون بجوار البنات مباشرة كما يسمح الأب والأم للأبناء بارتداء الملابس الداخلية فقط أمام بعضهم البعض بحجة انهم اخوة! وقمة المشكلة هنا ان الغريزة الجنسية والدوافع الجنسية الفطرية الثائرة والهائمة والتي تتفجر وتكون في أوج شدتها في مرحلة البلوغ وبداية المراهقة ولا تفرق بين أم أو أخت أو أخ أو غير ذلك. إضافة إلي ذلك رغبة الآباء والأمهات في التخلص من ازعاج الأبناء وكثرة المشاحنات تكون بالسماح لهم بمشاهدة التليفزيون دون متابعة وهو نافذة مفتوحة لكل ما تبثه القنوات الفضائية علي مستوي العالم والمشكلة ان الأطفال والمراهقين مشغولون بالبحث عن الأشياء الخفية ويحبون الاستكشاف دائماً وتلك من خصائص مرحلتي الطفولة والمراهقة. ويكون البحث عما يشغل بالهم وأفكارهم وخيالاتهم التي تحركها دوافعهم ومشاعرهم الجنسية المتوترة والمندفعة والتي تبحث عن تحقيقها وإشباعها ومحاولة تخفيضها بأي حال من الأحوال بحيث تصل إلي محاولة التجريب. يضاف إلي ذلك وجود جهاز المحمول والكمبيوتر الذي لا يخلو منهما أي منزل مهما كان مستواه الاقتصادي والاجتماعي. وما تحمله ملايين المواقع الإباحية من صور الشذوذ والفجور والانحراف والأخطر من ذلك الممارسة الفعلية من خلال اليوتيوب وهنا يستطيع الطفل والمراهق أن يري العملية الجنسية مئات المرات. ومع المشاهدات المكثفة التي تلح علي عقل وتفكير وبصر وشهوة الطفل أو المراهق أو المراهقة ومع انعدام التربية والتنشئة ومع قلة الوعي الديني وانعدام الضمير والأخلاق لا يتبقي إلا ممارسة الجنس مع المقربين من الطفل أو الطفلة وبين بعضهم البعض. وهنا لا ينبغي أن نندهش إذا سمعنا عن حالات تحرش في المدارس ودورات المياه والأماكن البعيدة داخل المدرسة أو في الفصول الخالية. من هنا يري د. شفيق ان الحل يبدأ أساساً بالرجوع إلي ديننا الإسلامي الحنيف والتمسك بكل ما جاء به من خلال القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ثم يأتي دور المجتمع بأن يتقي كل منا الله في أعماله وأفعاله وسلوكياته وأقواله وأن يكون دور المدرسة تربوي قبل "حشو" عقول الطلاب بالمعلومات. وليخاطب الإعلام الفكر والعقل ولا يخاطب الشهوات والغرائز والمنكرات والشذوذ والانحراف. ولتأخذ دور العبادة وظيفتها الأساسية في المجتمع وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأن يكون للمسجد عهد صادق في اثارة العقول وتبصير الناس بالأعمال الصالحة الطيبة وتحذيرهم من الأعمال الخبيثة والسيئة والمنحرفة. خارجة عن الفطرة وتري شيماء محمود خبيرة العلاقات الأسرية ان تلك المشكلة أصبحت ظاهرة مقززة وخارجة عن الفطرة التي فطر الله عليها الخلق وهي مخالفة لكل العادات والأعراف والتقاليد لذلك تمارس في الخفاء لبشاعتها. والمشكلة تكمن في تعرض فئة المراهقين للظلم الأسري في ظل تخلي الأسرة عن مسئولياتها وتخلي المدرسة عن دورها وتخلي الإعلام عن رسالته. التربية وبث مواد محطمة ومسرطنة لعقول الشباب من خلال رسالة تافهة ومحرضة علي فعل المحرمات. وللحد من هذه المشكلة لابد من تحذير الفتيات سواء الطفلة أو المراهقة من الصديقة التي تضمر لها مزيداً من اللطف والحنان وكذلك الشباب المراهقون وأن نحاول قدر الامكان عدم إيقاظ الحدس الجنسي عند الأبناء منذ الصغر وذلك بمنعه من المشاهد التي لا يصلح الاطلاع عليها سواء كان ذلك عبرالتليفزيون أو الكمبيوتر أو المحمول أو مشاهدة الوالدين في حالة خاصة أو الاستماع إلي القصص والمغامرات الجنسية. لأن الطفل يدرك كل شيء ويحفظ كل شيء ويتظاهر بعدم المعرفة. كذلك علي الأم عدم الاستحمام وارتداء الملابس الشفافة أمام الأبناء. وعلي الأب عدم ملامسة الأم أمام الأبناء وعلي الأسرة أن تفرق بينهم في المضاجع حتي لا يتم التلامس بين الأبناء. وتوعية الأبناء بعدم خلع ملابسهم أمام أحد حتي وإن كانوا إخوة وأخوات. أيضاً علي الأب والأم تعريف الأبناء بهويتهم وأهمية الحفاظ عليها. كما يجب علي الأم أن تكون يقظة حين يسألها أحد الأبناء: لماذا لم أخلق ولداً ويسألها لماذا لم أخلق بنتاً؟ ذلك مؤشر علي أن البنت أو الولد لهما ميول أخري. وعلي الأب أن يصاحب ابنه ويعرفه بأهمية الحفاظ علي ارتداء الملابس ويفعل ذلك أمامه حتي ينشأ الطفل وهو حريص علي ستر جسده. أيضاً علي التمييز في المعاملة بين الذكر والأنثي وترسيخ الهوية الأنثوية للبنت والذكورية للولد. كما يجب علي المدرسة وهي المؤسسة التربوية التعليمية توعية الطلبة والطالبات بعمل ندوات علمية وان تناقش مشاكلهم من خلال تفعيل دور الأخصائي النفسي. كذلك ضرورة مراقبة التلاميذ وقت الفسحة وأثناء اليوم الدراسي حتي لا يحدث احتكاك مباشر بين الطلاب. ضرورة تفعيل دور الأخصائي النفسي وأن يُجري له اختبارات قبل التعيين حتي يكون صالحاً لأداء دوره النفسي. نظرة واقعية لعلاج التحرش من منظور واقعي إسلامي يقول الدكتور خالد بدير الباحث بكلية الدعوة الإسلامية: حرم الإسلام كل ما يمكن أن يؤدي إلي التحرش. فنظرة الإسلام لهذه القضية نظرة واقعية شاملة واضحة تقوم علي العلم الإلهي المسبق بطبائع الجنس البشري وما يطرأ عليه من تغييرات. منذ خلق آدم عليه السلام إلي قيام الساعة. ولهذا كان تحريم النظر إلي المرأة الأجنبية. في آيات واضحة قاطعة لا تقبل شكاً ولا تأويلاً. سواء كانت تلك المرأة سافرة غير ساترة جسدها حتي ولو كانت عارية. أو كانت محجبة ملتزمة بما أمرها به الله عز وجل. وهذا أمر شامل لكل مكان وزمان ومجتمع وعصر وظروف. ولو نظرت إلي القرآن لوجدت آيات النهي عن المحرمات جاءت كلها مباشرة. "ولا تسرفوا". "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق". "لا تأكلوا الربا". وهكذا في سياق النهي في القرآن كله. إلا أن السياق جاء في النهي عن الزنا فقال: "ولا تقربوا الزنا" ولم يقل: ولا تزنوا. ليدل دلالة واضحة علي تحريم كل الطرق والسبل المؤدية والموصلة إلي هذه الفاحشة منذ ولادة الأطفال. كما حرم علي الصغار الاجتماع في لحاف أو فراش واحد. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع" "سنن أبي داود" كما أمرهم بالاستئذان قبل الدخول حتي لو كان من المحارم. قال تعالي: "وإذا بلغ الأطفال منكم الحُلُم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم" "النور: 59". وعن عطاء بن يسار أن رجلاً سأل رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: استأذن علي أمي؟ فقال: "نعم" فقال الرجل: إني معها في البيت. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "استأذن عليها" فقال الرجل: إني خادمها. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "استأذن عليها أتحب أن تراها عريانة؟" قال: لا. قال: "فاستأذن عليها" "موطأ مالك" كما حرم الإسلام الخلوة: قال صلي الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" "متفق عليه". كما حذر الإسلام من دخول قريب الزوج أو الزوجة "الحمو" علي المرأة في غيبة زوجها» فعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "إياكم والدخول علي النساء» فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت" "متفق عليه". وبالجملة فإن الإسلام أغلق كل طريق موصل إلي ظاهرة التحرش أو ارتكاب الفاحشة. ولو أن كل فرد اتبع تعليمات الإسلام الرشيدة وقيمه النبيلة لاندثرت هذه الظاهرة التي تهدد كيان المجتمع وتهدم بنيانه.