تميّز الإسلام الحنيف خاتم الأديان والرسالات الإلهية منذ فجر دعوته بالتوسط والاعتدال والسماحة واليسر ودفع الحرج والمشقة في جميع الشرائع والأحكام الإلهية والانظمة الخالدة والصالحة لكل زمان ومكان إلي يوم القيامة سواء في العقيدة والعبادة والاخلاق والمعاملات والعلاقات الاجتماعية والانسانية فهو دين الحنيفية السمحة. ومقومات هذا النظام التشريعي المحكم والشامل برزت في جميع مراحل الدعوة إلي الله ودينه ووضع البناء الالهي لبنية الإسلام الصلبة في القرآن والسنة النبوية والتطبيق العملي للوحي وتنظيم الحياة الإنسانية علي أساس من الحق والعدل والاعتدال والحكمة والعقل ومراعاة اصول الفطرة الإنسانية وقدرات الإنسان وظروف الحياة الواقعية . ولذلك اجتذب الإسلام السمح أنظار الناس المعتدلين في المشرق والمغرب ولايزال الإسلام ينمو بقوته الذاتية ويتكاثر ويتزايد اتباعه إلي يوم القيامة وسيظل شرع الله تعالي ملاذ المجتمعات وملجأ العقلاء ومنطلق المناهج الاصلاحية كلما احتدمت الأزمات واستحكمت المشكلات وتكاثرت الهموم والقلاقل والاضرابات وضاق الناس بتصرفات الحمقي والجهلاء أو المستكبرين والمتسلطين علي رقاب الآخرين . ففي الإسلام السمح العلاج والانقاذ وبه تصلح البشرية ويعم الرخاء والخير والاستقرار والسلم والأمان ومن خلاله يتحقق التقدم والازدهار سواء في الآفاق السياسية أو الاقتصادية واداء الخدمات والمهارات الفنية الجديدة والوظيفية من غير إفراط ولا تفريط ولا تشدد ولا تساهل . وإذا عدنا إلي معاني ومفاهيم الوسطية فإن الوسط في كل شئ أعدله وخيره . وواسطة القلادة الجوهر الذي في وسطها وهو أجودها والشجاعة وسط بين التهور والجبن والاعتدال في النفقة وسط بين الإسراف والتقتير أو البخل . كما أن التوسط هو ما يعبر عنه لغة الاقتصاد أي الوقوف في موقف الوسط والاتزان فلا جنوح أو شذوذ ولا ضمور ولا إفراط ولا تفريط ونجد ان الاقتصاد في المعيشة أو التدبير أو القوامة وسط بين السفه أو التبذير وبين البخل والتقتير. وايضا الوسطية تعني الاعتدال في كل شئ في الاعتقاد والموقف والسلوك والنظام والمعاملة والأخلاق وهذا يعني أن الاسلام دين معتدل غير جانح ولا مفرط في شئ من الحقائق فليس فيه مغالاة في الدين ولا تطرف أو شذوذ في الاعتقاد ولاپتهاون ولا تقصير ولا استكبار ولا خنوع أو ذل أو استسلام وخضوع وعبودية لغير الله تعالي ولا تشدد أو احراج ولا تساهل أو تفريط في حق من حقوق الله تعالي ولا حقوق الناس وهو معني الصلاح والاستقامة ولا تعصب ضد الآخرين ولا رفض لهم ولا إكراه أو إرهاب أو ترويع بغير حق كما لا إهمال في دعوة الناس إلي دين التوحيد بالحكمة والموعظة الحسنة منعا من التفريط بواجب تبليغ أو نشر الدعوة الإلهية وحبا في إسعاد البشرية قاطبة وإنقاذهم من الكفر والضلالة والانحراف . ولا تعسير أو إرهاق كما لا تفلّت من الشرائع الالهية التي ضمها القرآن الكريم وهذا هو مبدأ اليسر ودفع الحرج أي المشقة الذي هو أحد الخصائص الأساسية وهي قلة التكاليف والتدرج في التشريع والأخذ باليسر وعدم الحرج ويمكن أن نعبر عن الإسلام بأنه دين التسامح أي أنه الدين المعتدل الذي تتجسد فيه السماحة في ذاته وتعاليمه واحكامه فهو الدين الأيسر والأسهل بين جميع الأديان والابعد عن الشدة والقسوة . والأهم أن وسطية الإسلام تعني الاعتراف بالحرية للآخرين ولا سيما الحرية الدينية وهو ما شرعه الإسلام في قوله تعالي ¢لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي¢ ?سورة البقرة 256. والوسطية يراد بها تصفية النفس من الأحقاد وإضمار العداوة للآخرين والكراهية والبغضاء لأن الناس كلهم خلق الله واقتضت حكمة الله أن يكون فيهم المؤمن والكافر والبر والشقي أو الفاجر والمحسن والمسئ والمؤمن المستقيم والمنافق والعادل والظالم والمتكبر والمتواضع والشديد الغليظ والحليم المتأني أو الرقيق والجميل والقبيح والمستقيم ومحب الخير والشرير كل ذلك من مظاهر تكامل الكون والنوع البشري ونحو ذلك من الأوصاف المتضادة والسمات المتعارضة . وتعني ايضا الوسطية الجمع بين الماديات والروحانيات وهي ميزة من مزايا الإسلام لأن الإنسان جسد وروح وله حوائج مادية وروحانية لأن العمل الصحيح يكون للدنيا والآخرة . ووسطية الإسلام كذلك في معاملة الآخرين في الداخل أو الخارج ويرد بها التعامل الحر البرئ من غير إضمار الشر أو محاولة التعدي أو الحمل علي شئ معين لذلك كان مراد الجهاد في الإسلام الدفاع عن حرمات الإسلام والمسلمين ولا يقصد بالجهاد حمل السيف بظلم ضد الآخرين أو قتل الأنفس البريئة أو ترويع الغير أو إخافة الناس أو إرهاب المجتمع أو إجبارهم علي الدخول في الإسلام. فذلك كله ليس من مفهوم الوسطية ولا يوجد في الإسلام في غير حال الاعتداء أو دفع الظلم إلا السلام ونشر الأمن والطمأنينة وزرع الثقة والاحساس بالآخرين فذلك كله سمة من سمات الإسلام الحضارية ومقوماته الخالدة . كما ينعدم في الإسلام ما يسمي بالإرهاب أي التطرف والغلو وإلحاق الضرر بالآخرين والتدمير والإفساد والتخريب وإشعال الفتنة وإثارة المنازعات لقول رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم ¢لا يحل لرجل مسلم أن يروّع مسلماً أو غير مسلم¢ وقوله صلي الله عليه وسلم ¢لا تروّعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم¢ وهذه الأحاديث إن كان ورودها في حق المسلم فإنها بالتأكيد تشمل غير المسلم .