دعا خبراء الإعلام والاجتماع وعلماء الفقه لضرورة تفعيل دور الرقابة الدينية والمجتمعية علي دراما رمضان لما تحتويه من ابتذال واضح وخروج علي العادات والأخلاق وترويج لكل ما يفسد المجتمع وينال من منظومته الأخلاقية ويهدر القيم. وطالبوا بضرورة مقاطعة الدراما المبتذلة وتحصين المجتمع ضد ما تنشره من مفاسد تطعن في قبول الصوم وتنال من عبادة المسلمين في الشهر الفضيل. في البداية أعرب الدكتور جمال النجار أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر وعميد كلية الإعلام بجامعة طيبة عن اندهاشه واستيائه من وجود انفصال بين سياسة الحكومة المصرية والتي تحاول بكل ما أوتيت من قوة ضبط الشارع ومحاربة ظاهرة التحرش التي تفشت في المجتمع كالسرطان وبين هذه المسلسلات المبتذلة التي تهدم كل جهد تقوم به الحكومة. وأطالب الحكومة بأن تمنع هذه الأعمال الهابطة التي تضر أكثر مما تنفع ثم تتفرغ للشارع لأن هذه الأعمال مسئولة بشكل كبير عن تحريك الشارع في الاتجاه الذي تريده. أضاف: أشعر بالاشمئزاز حين أري هذه الأعمال علي شاشات الفضائيات التي تدعو للجنس بشكل صريح ولا يخلو مشهد من مشاهدها من زجاجات الخمر والنساء العاريات والتدخين خصوصاً في هذا الشهر الفضيل. استطرد: الهدف من الصيام هو هدف تربوي أخلاقي يحفظ السمع عن سماع أي كلمة مبتذلة ويغض البصر عن كل ما هو حرام ويحفظ الجسد كله عن كل ما يؤذيه ويفسد الصوم لكن ما نراه ونشاهده هذا العام علي الشاشات بعيد كل البعد عن هذا الهدف النبيل وكأن الجميع تآمر علي أخلاق هذا المجتمع وأصبحت تدميرها هدفه الأساسي. أوضح أنه إذا كنا نريد الارتقاء بالمجتمع وتهذيب أخلاق أبنائه لابد من محاربة هذه المسلسلات والأفلام ووقف هذا السيل الجارف من هذه الأعمال المتدنية التي أشعر بخجل شديد وأنا أري لقطات ماجنة تتنافي وتقاليدنا الاجتماعية وأخلاقنا الإسلامية. وتساءل الدكتور جمال: أين الرقابة الذاتية علي مثل هذه الأعمال؟ وأين ضمير المؤلف والمنتج والمخرج وكل القائمين علي هذه الأعمال؟ وأين رقابة الدولة والأزهر وكبار العلماء؟ مشيراً إلي كونه يعي جيداً أنه سوف يهاجم جراء هذا الكلام لكنه لا يخشي أي نقد أو هجوم لأنه علي قناعة تامة بكل كلمة تلفظ بها ويعرف جيداً أن هناك من سيتهمه بالتخلف والرجعية وكبت الحريات ومحاربة الإبداع لذا يرد علي هؤلاء: هل حرية الإبداع والفن تعني ظهور النساء عاريات في رمضان وغير رمضان ووجود الخمور في معظم المسلسلات وأين حرية الإبداع في هذا الإسفاف والابتذال وإذا كانت هذه هي حرية الإبداع فلا أهلاً بها ولا سهلاً ولابد أن ننادي جميعاً بتفعيل الرقابة الدينية المتمثلة في الأزهر وتفعيل الرقابة الاجتماعية والثقافية ضد هذه الأعمال لأن مردودها في منتهي الخطورة علي الأطفال والمراهقين لأنه يتم تقليدها بشكل تلقائي ومباشر لوجود نظرية في الإعلام تسمي التقمص الوجداني فالطفل عندما يتقدم وعيه وتختفي الأخلاق التربوية يضع نفسه مباشرة في مقام الممثل ويعيد نفس المشاهد وهنا تكمن الخطورة. وشدد الدكتور النجار علي أن هذه الأعمال إن دلت علي شيء إنما تدل علي الإفلاس الفني وخواء الفكر وعدم وجود سيناريوهات هادفة تناقش قضايا المجتمع التربوية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية وما أكثرها. ولفت إلي أن الممثل الذي يقبل أداء دور مبتذل من أجل المال إنما يشوه تاريخه ويسيء للفن ككل مثلاً فيلم "حلاوة روح" ولا أجد مبرراً واحداً للذين دافعوا عن هذا الفيلم المتدني رغم ما به من مساوئ وسخافات للأسف فهناك تيار يدافع عن العري تحت زعم الإبداع والإبداع لا يكون إبداعاً إلا إذا ارتقي بالمجتمع وقيمه ليس بتسليط الضوء علي لغة الجسد والإيحاءات الجنسية التي ساعدت بشكل كبير علي زيادة حالات التحرش الجنسي في الشارع المصري ولا يستطيع أحد أن يوقفها إلا بوقف هذه الأعمال المبتذلة. ونفي الدكتور النجار وجود أي صلة بين السياسة وتلك المسلسلات فهذا الكلام كان من الممكن قبوله عندما كان الإعلام حكومياً أما اليوم فهناك قنوات خاصة ولها أصحاب رأسمال يسعون للحصول علي أعلي هامش ربح لذا يسعي أصحابها بكل ما أوتوا من قوة لإنتاج أعمال أياً كانت تافهة أو متبذلة والمهم أن تحصد أعلي نسبة من الإعلانات وتكون الأكثر مشاهدة وهذا يجعلنا نبكي علي المسئولية الاجتماعية لوسائل الإعلام والتي صارت كلاماً نظرياً يدرس لأبنائنا وبناتنا بكليات الإعلام ولا وجود لها علي أرض الواقع. أشار د.جمال إلي أنه في ظل هذا الوضع المأساوي وغياب الرقابة وانعدام الضمير الذاتي علي الجميع أن يهجر هذه المسلسلات فحينما تقل نسبة المشاهدة قد يبحث أصحاب القنوات والمنتجون عن السبب وربما يعيدون النظر في إنتاجهم الفني والهابط ويستبدلونه بآخر راق وهادف. وشدد علي أن هناك تيار يرفض بشدة التقييد علي الفن ونحن نؤيد هذا التيار لكننا مع الحفاظ علي قيم المجتمع وهويته وأخلاق أبنائه. أوضح أنه وزملاؤه قاموا بعمل بعض الرسائل العلمية لدراسة تأثير الدراما علي النشء والمجتمع خاصة المراهقين وجدنا أن الفئة العمرية التي تقع ما بين 6:22 سنة هي الأكثر مشاهدة للأعمال الفنية والأكثر مشاهدة لها وجرياً وراءها وهنا تكمن الخطورة فهذا أشد خطراً حيث يقلد ما يري ويشاهد وأنت لا تعرض له أية أعمال محترمة إنما تنزلق بأخلاقه إلي القاع فماذا تنتظر منه في ظل غياب دور الأسرة والمدرسة لذا أطالب بوقف هذه الأعمال الهابطة في رمضان وغير رمضان وإنتاج أعمال درامية تخدم قضايا المجتمع. مكارم الأخلاق أضاف: إذا أردت أن تدمر أمة فعليك بإفساد أخلاق أبنائها فالنبي صلي الله عليه وسلم حينما تحدث عن رسالته قالها في كلمات بسيطة وموجزة: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فمكارم الأخلاق هي لب رسالة النبي صلي الله عليه وسلم وإذا تدبرنا القرآن سنجد الآيات القرآنية التي تحض علي الأخلاق أكثر بكثير من الآيات التي تخض علي العبادات كما أن هناك ربطاً بين العبادة والأخلاق في قوله تعالي "إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر". مفسدة اجتماعية عن التأثير الاجتماعي للفن الهابط قالت الدكتورة زينب النجار أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر أري أن هذه المسلسلات ما هي إلا مفسدة ومؤامرة للقضاء علي باقي أخلاق أبنائه المتبقية وهي أن دلت علي شيء تدل علي سوء نية القائمين علي الدراما في مصر فهم لا يريدون أخيراً لهذا البلد واتفقوا علي تطبيع أبنائه وتدمير قيمه وأخلاقه. أضافت: للأسف الشديد هؤلاء المنتجون يرفعون شعار "الشارع عاوز كده" وبالفعل هناك فئة من الناس تهوي وتحب مشاهدة هذه النوعية المنحرفة من الأفلام والمسلسلات لكننا نربأ بهم أن يراعوا مشاعرنا في هذا الشهر ويحترموا قدسية الصيام التي لا تقل عن قدسية الحج. أوضحت أن التربية هي المصل المضاد ضد هذه الأمراض الفتاكة وهي الواقي الوحيد لشبابنا لكن الأسرة انشغلت عن أولادها وتركتهم فريسة لتليفزيون يفعل بهم ما يروق له لذا تراجعت أخلاق أبنائنا وصارت كما نري. وطالبت القائمين علي الفضائيات وإنتاج هذه المسلسلات بأن يتقوا الله فينا ويقدموا نماذج جيدة بدلاً من النساء العاريات والشباب المدمن للخمور والمخدرات. البعد عن المنكرات أكدت الدكتورة آمال ياسين أستاذ الفقه بجامعة الأزهر وعميدة دراسات إسلامية بنات الخانكة سابقاً أن الهدف من الصيام تقوي الله حيث يقول تعالي "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون" والتقوي محلها القلب وهي تعني أن يري الإنسان ربه في كل حركاته وسكناته بأن يتجنب محارمه ويفعل أوامره وينظم علاقته بربه وعلاقته بالآخرين في إطار إيماني سليم ولاشك أن عرض الخمور في كثير من المسلسلات الرمضانية أو إظهار المخدرات إما بتعاطيها أو الاتجار فيها شيء غير مقبول حتي وإن كان الهدف منها خدمة العمل الدرامي فإن كان ولابد منه فيمكن أن يظهر في حدود ضيقة لتبصير الناس بخطورة ذلك علي الصحة والمجتمع وأخلاقه حتي لا تشيع الحرمات في المجتمع لأن من تعود علي رؤية المنكرات فإنه يستسيغها ويعتاد عليها لأن ما تفعله المسلسلات هذا العام وكل عام فهي تظهر الخمور والمسلسلات بشكل ترغب فيه المشاهد فهي تدخل النشوة والسعادة علي الأفراد الذين يتعاطونها فضلاً عن إظهار العائد المادي الذي يعود علي من يتاجر في هذه الأشياء مما يجعل المشاهد يسيل لعابه وينجرف وراءها ويزداد العمل الفني في سقطاته فبدلاً من أن يدخل بمن يتاجر في المخدرات السجن يظهره في هذا السجن وكأنه كله في خدمة تاجر المخدرات حيث يتحول من تاجر خارج السجن إلي ملك داخل كل من حوله يحاول استرضائه ويلبي أوامره دون نقاش فضلاً عن إنفاقهم ببذخ داخل السجون وهذا بالطبع يتنافي والهدف الأساسي من السجن وهو التأديب والتهذيب ولاشك أن هذه الأعمال حينما تعرض علي الشاشات كما نشاهد ويراها الملايين يشعرون أن هذا هو السبيل الوحيد للثراء السريع وجمع الأموال الطائلة وليث هذه المسلسلات تتوقف عند هذا المنحدر إنما تنجرف وتتجه نحو تجارة الجسد بإظهار النساء والفتيات شبه عاريات لإثارة الغرائز وهذا حرام بكل النصوص. أضافت نحن نحتاج إلي إعادة مفاهيم وتصحيح المعتقدات ليس الهدف من العمل الدرامي جني الأموال علي حساب قيم المجتمع وأخلاقه ولكن القصد إصلاح المجتمع والارتقاء بمفاهيمه ومعالجة المشاكل المستفحلة من فقر وجوع وبطالة وتأخر في سن الزواج وتحرش جنسي ولابد من التأكيد علي قيمة العمل وأهميته من خلال الأبواب المشروعة. واستطردت د.آمال: لا يستطيع كل منا أن يدرك أو يفهم المغزي الحقيقي من العمل الدرامي بقدر ما يجده البعض متعة أو وسيلة للترفيه لكنه قد يكون في واقع الأمر منزلقاً خطيراً لكثير من الشباب في الوقوع في براثن الرذيلة في ظل الظروف التي لا تتيح له الحياة الكريمة والزواج. وعابت علي القائمين علي الفن في مصر إنتاج هذه النوعية من المسلسلات المبتذلة في هذا الشهر الكريم الذي هو فرصة للعبادة والتقرب إلي الله وطالبت بمقاطعة هذه المسلسلات حفاظاً علي صيامنا حتي لا يفسد ويضيع هباء.