تمثل ¢الجودة¢ أو ¢القودة¢ كما يسميها أبناء الصعيد المفتاح السحري في نزع فتيل جرائم الثأر حتي لا يمتد إلي عشرات السنين كما سبق أيام حرب ¢البسوس¢ و¢داحس والغبراء¢ في الجاهلية. ورغم عدم وجود نصوص شرعية صريحة حول موقف الإسلام منها إلا انه من العرف الذي يقره الشرع من باب العفو والصفح من أولياء الدم أو الدية حقنا للدماء سواء بدأت شرارة قتل عمد أو قتل خطأ. لم ولن تكون مذبحة أسوان بين الهلايلة والنوبة بهدنة مؤقتة بمعزل عن مئات إن لم يكن آلاف حالات الثأر التي راح ضحيتها الآلاف المواطنين وانتهت ب¢ القودة ¢ التي تحاول أن تلجم مؤقتا حلقات الصراع المكتوم بين العرقيات في مختلف محافظات الصعيد حيث تعيش القبائل العربية التي وفدت من شبه الجزيرة العربية بعد الفتح الإسلامي لها من عرقيات مختلفة الأنساب توارثت معها عادة ¢الثأر¢. تشير الجذور التاريخية واللغوية إلي اختلاف المؤرخين حول موطن نشأة وانتشار ظاهرة الثأر وارتباط القودة بها وبالرجوع إلي المراجع اللغوية نجد أن ¢القودة ¢ لغة هي ¢الجودة¢ لكنها حرفت وصارت تنطق ¢قودة¢ حيث تقول العربية جاد.. يجود.. جودا والجودة يجود بها المحقوق ¢أي الذي عليه الحق¢ فيقدم نفسه حاملا كفنه لصاحب الحق الذي يجود بدوره بالعفو عن المحقوق والأجاويد من يقومون بالصلح ويتوسطون بين المتخاصمين وعادة ما ينشط الأجاويد لإتمام اتفاقيات المصالحات لإنجاز ما يسعون له من حقن لسفك الدماء ونشر المحبة والسلام بين الناس. للقودة أو الجودة تاريخ طويل لدي العرب وتختلف في معناها والتزاماتها من بلد إلي بلد ومن أنواع الجودة التي عرفها العرب رحيل القاتل وأهله من بلد القتيل مدة لا تقل عن مائة عام. وكذلك قيام القاتل بتقديم نفسه إلي أهل القتيل في جمع من الناس يتقدمهم رؤوس العائلات حتي يعفو عنه أهل القتيل تقديرا للمجلس والجمع وبذلك يكون قد احتفظ القاتل بحياته وحافظ أهل القتيل علي كرامتهم وعزتهم. هناك طرائف في تاريخ المصالحات الثأرية أن أحد الأجاويد المصلحين ويدعي الشيخ أبوالقاسم الحجازي كان يقوم بمحاولة لإتمام مصالحة ثأرية بين عائلتين فاشترط أهل القتيل أن يقبلوا القودة ويعفو عن القاتل بشرط أن يأتي القاتل وأفراد عائلته حاملين أحذيتهم فوق رؤوسهم ولما وجد الشيخ الحجازي أن القاتل وأهله لن يقبلوا بهذا الشرط لم يخبرهم به حتي تتم المصالحة وتحقن الدماء وعندما حان موعد القودة واقتراب القاتل وأهله من مكان إتمام المصالحة صرخ الشيخ الحجازي فيهم قائلا ¢إن الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم يحضر المصالحة معنا وأن المكان صار طاهرا في تلك اللحظات ولا يجوز أن يدنس بالأحذية فما كان من القاتل وأهله إلا أن خلعوا أحذيتهم ودخلوا مكان المصالحة حفاة وتمت القودة وتصالحت العائلتان". كلمات باقية: قال الله تعالي ¢إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون¢.