الاحتفال بمولد النبي صلي الله عليه وسلم احتفال بشخص عزيز علينا. تزحف قلوبنا إلي نوره باحثة عن الرحمة والهداية والعدالة والموعظة الحسنة.. لنأكل الحلوي. لنفرح بما يسعدنا.. لكن هذه المناسبة فرصة لكي نستوعب أخلاق وخصائص سيد البشرية. هناك مقتضيات للألوهية وخصائص للأنبياء وسمات للأولياء والتفرقة بينهم هي التي تعصمنا بالصراط المستقيم. مقتضيات الألوهية تعني ألا يكون الإله إلهاً إلا بها. ولا تصح ألوهيته إذا فقد واحدة منها وهي: "السبق" لا شئ قبله "والإطلاق" لا حدود له "والسرمدية" لا شئ بعده "والذاتية" لا معلِّم له "ولأن هذه المقتضيات لا تقبل التكرار والتعدد فإن هناك إلهاً واحداً لا شريك له. نصفه بالواجد وهو اسم فاعل "لا الموجود" اسم مفعول لذلك لا ينفع ولا يصح أن نقول "الله موجود" من الذي أوجده؟ والصح أن نقول "الله واجد" ومقتضيات الألوهية موجودة في إله واحد لذلك نقول "لا إله إلا الله" لكن خصائص النبوة موجودة في أنبياء لا حصر لهم. ليست موجودة في سيدنا محمد فقط. لذلك لا يجوز أن نقول "لا نبي إلا محمد" كل الأنبياء مشتركون في خاصية واحدة هي "العصمة" كل الأنبياء معصومون. ويظهر أثر العصمة في صور "الصدق. العلم. الرحمة. الكرم. الحلم. الأمانة. وغيرها" والعصمة لا تُري ولكن يُري أثرها. وأثرها فيما سبق أن عددنا. ولو كانت العصمة هي خصائص الأنبياء فإن آثارها هي خواص الأنبياء. والأولياء ظل الأنبياء. الأولياء يُعبِّرون عن أنبياء. مثل خريطة تىعبِّر عن واقع. في الخريطة طُرق لكن لا نستطيع السير عليها "وأنهار" لكن لا نستطيع الشرب منها "وسكك حديدية" لكن لا نستطيع ركوبها "وبحار" لكن لا نستطيع السباحة فيها. لو نظرنا إلي خريطة الأولياء سنجدها تُعبِّر عن واقع الأنبياء وتدلنا عليه. الولي ماكيت نبي. ظل نبي. خريطة نبي. وارث نبي. لا يكون مثله لكن يُعبِّر عنه. ولو كانت للألوهية مقتضيات وللنبوة خصائص. فإن للولاية سمات. والسمات المشتركة للأولياء هي الحفظ. والحفظ مثل العصمة. لكن الفرق بين العصمة والحفظ "أن النبي مولود بالعصمة. مولود معصوم. أما الولي فلا يولد معصوماً. وإنما يكتسب العصمة وخصائصها بالحفظ" ولأن العصمة في هذه الحالة مكتسبة فهي تُسمَّي ضماناً بخلاف العصمة الفطرية الطبيعية للأنبياء. والعصمة كما قلنا نتجت عنها الصفات النبوية "الصدق والرحمة والأمانة والحلم والعلم والكرم والموعظة الحسنة" وهي الصفات التي علينا تذكرها ونحن نحتفل بالمولد النبوي. أكثر من ذلك علينا أن نتذكر أنه في هذا اليوم أيضاً فُتح باب الشفاعة. يقول سبحانه وتعالي: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" و"العالمان" هما عالم الإنس وعالم الجن. وعالم الإنس يضم كل البشر علي اختلاف دياناتهم واتجاهاتهم. ومن ثم فإن العالمين لابد أن يحتفلوا بمولد النبي لأنه مولد الرحمة لهم جميعاً. فهذا المولد يحتاجه الإنس والجن. لو كان الناس يعقلون لاحتفلوا جميعاً بهذا المولد. وعندما نقول الإنس فإننا نقصد كل الإنس. كل البشر. المؤمن والكافر. يقول سبحانه وتعالي للنبي صلي الله عليه وسلم: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه" والمقصود لو أن كافراً استنجد بك فانجده حتي يطمئن ويسمع كلام الله. ويقول سبحانه وتعالي علي لسان نبيه أيضاً: "قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم" والمقصود لو حدث مكروه للنبي فمن ينقذ الكافرين من العذاب الأليم؟ من يخرجكم من الظلمات إلي النور؟ إن النبي رحمة للمؤمنين والمشركين معاً. وأية محاولة للتخلص منه هي تخلص من جهاز الإطفاء الذي ينقذكم من الحريق. لو كسرتم العمود الأساسي للبيت فكيف لا يُهدَم علي رءوسكم؟ ويقول سبحانه وتعالي: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عندتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم" إن كل من يسمع مثل هذا الكلام لابد أن يحتفل بمولد النبي. نحتفل به رحمة بنا وحرصاً علي أنفسنا. يقول سبحانه وتعالي : "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضُّوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر" إن هذا كلام الله. ورأي الله. وليس كلام متشيع أو رأياً له. هو كلام ورأي من خلق. لا من علم. يقول سبحانه وتعالي في صورة تساؤل استنكاري: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" فالخالق عالم والعالم لا يُشترط أن يكون خالقاً. إن مولد النبي ليس مولد شخص أُضيف إلي تعداد البشرية. معصوم. مَثَله مَثَل كل الأنبياء الذين يجب الاحتفال بمولدهم. يجب أن نحتفل بمولد ساداتنا إبراهيم وموسي وعيسي وسليمان وداود وغيرهم. والاحتفال نوع من الفرحة بهم وبما حملوه إلينا من خصائص وصفات حسنة وطيبة. يقول سبحانه وتعالي: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون" لكن السؤال الذي يشغلنا كل مولد نبوي هو: كيف نفرح؟ إن من المستحيل أن نقول لشخص كيف يفرح؟ فالفرح هو حالة شخصية ذاتية خاصة جدا. لو فرحت المرأة زغردت. لو فرح الرجل ابتسم. لو فرح الحصان رقص. لو فرح الكلب هز ذيله. إذن لا أحد يقول لنا كيف نفرح. ولا ما هي قواعد الفرح وأساليبه؟ كل ما علينا ونحن نفرح أن ننتهي عما حرم الله. ما لم يحرمه الله بنص لا نهي عنه. هناك من يضحك عندما يفرح. وهناك من يأكل. وهناك من ينام. وهناك من يذكر الله. وهناك من يشاهد فيلماً. وهناك من يأكل حلاوة. وكلها مظاهر حلال. لذلك قال الله: ¢ فليفرحوا ¢ ولم يقل كيف يكون ذلك ؟ هناك من يقول: "علينا أن نفرح كما يفرح رسول الله" لكننا لسنا رسول الله. ولسنا الصحابة. كل ما علينا أن نفرح بما لا يخرجنا عن الشرع. هذا هو القيد الوحيد. ما لم يُحرِّمه الله من مأكل ومشرب هو وسائل للفرح. ولا ينبغي لأحد أن يحكم بغير نص. ولا يُحرِّم ما أحله الله. كما يفعل البعض من فوق المنابر بالنسبة لحلاوة المولد. لو قال هؤلاء : "نفرح بالصلاة" ليكن. لكنها تبقي وجهة نظر. مثلها مثل الفرح بالصوم. لكن من يُعبِّر عن فرحه بالأكل فهذا حقه. ومن يفرح بالنوم فهذا حقه. ومن يفرح بشراء العروسة والحصان الحلاوة فهو حقه. ما لم يَرِد فيه نص تحريم لا نحرمه. لا نريد مشرعين إضافيين. الشرع كاف. والحلال بيّن والحرام بيّن. لا أحد أشطر من ربنا حتي يستذكي عليه ويزايد عليه ويقول له: "لقد نسيت تحريم ذلك يا رب" أنت نسيت تحرم الحلاوة. أنت نسيت تحرم الضحك. أنت نسيت تحرم النوم. من يفرح بالأكل أو النوم أو الصلاة أو اللعب أو الضحك هو حُر. ولا ذنب عليه. الذنب علي من يُحرِّم ذلك عليه.