موضوع ¢الأخلاق¢ ليس جديدًا في مجال الثقافة بعامة والثقافة الإسلامية بخاصة. ففي ضوء ازدهار المعارف والعلوم الإنسانية في العصر الحديث. نال علم الأخلاق - أو الفلسفة الخلقية - حظًا وفيرًا من عناية الباحثين والكُتاب. فمنهم من عرض هذه القضية من جانب المناهج الغربية. والآخر من جانب وجهة النظر الإسلامية مبينًا علاقة الأخلاق في الإسلام بالكتاب والسنة مستقرئًا الآيات والأحاديث التي تحض علي الفضائل الأخلاقية في الأنشطة الإنسانية كلها وما أكثرها. ولعل الأخلاق في الفلسفة الغربية قد حظيت بأغلب الأبحاث منذ إدخال الفلسفة إلي جامعاتنا بمباحثها المختلفة.ولا نزعم أننا سنأتي بجديد في مجال في هذه الدراسات ولكننا ندلف إليها من نفس الباب الذي دلفنا منه إلي ما سبق لنا بحثه من قضايا الفكر الإسلامي المعاصر. ونقصد بذلك المنهج المقارن بين فلسفة العصر الغربية السائدة وما يقابلها من استقراء بمواقف إسلامية فاحصة وناقدة"1". إن الدافع الذي يحركنا للالتزام بهذا المنهج هو أننا نعيش كأمة إسلامية في فترة المخاض حيث نعاني آلام ولادة جديدة - قد تكون عسرة - ولكنها بمشيئة الله تعالي ستنتهي بميلاد إسلامي متجدد في القرن الخامس عشر الهجري الذي نحن في مستهله الآن. ومع إدراكنا للصعوبات والعراقيل التي يجب تخطيها. فإن الإسهام في عمل مثمر يبدأ من مواصلة بيان أوجه إعجاز الإسلام في كافة أركانه ونظمه: العقيدة والعبادات والنظم والقيم والفضائل الأخلاقية. ولما كان الإنسان ¢حي حساس متحرك بالإرادة¢. أو أنه ¢حامل قيم¢. أو أنه ¢همام وحارث¢. فمعني ذلك أنه يعمل بموجب ما يعتقده من عقائد أو فلسفات ويسعي في أعماله وسلوكه طبقًا لمعتقداته. ومن هنا لعلنا نرسم طريقا مختصرًا في دراسة الحضارات إذا بحثنا في العقائد والفلسفات والنظم الأخلاقية المرتبطة بها. باعتبار أن الإنسان هو الأصل في قيام الحضارات وسقوطها بمكوناته العقدية الفلسفية ودوافعه السلوكية وقيمه الأخلاقية. وبموجب هذا المنهج أيضًا فإن الدراسة الأخلاقية تكشف عن ¢جوهر¢ الحضارة المعاصرة إذا بحثنا في تلافيف عقل وقلب الإنسان الغربي من خلال تراثه الفلسفي ومذاهبه الأخلاقية. ولعلنا بذلك نستطيع الوصول إلي فهم أعمق لجوانب القصور في حضارته التي تبدو في الظاهر مزدهرة فاتنة. ولكنها في حقيقتها - بدراسة فلسفتها الأخلاقية - تكشف عن مخاطر تهدد العالم» إذ أصبح التقدم التكنولوجي في خطر لأن العلم بغير ضوابط أخلاقية. تصبح آثاره المدمرة أكثر بكثير من فوائده وها هي التهديدات بالحروب النووية وحروب الكواكب وغيرها من الكوارث التي تهدد البشرية بأوخم العواقب. ماثلة أمامنا. وعندما نحيط بجوانب المذاهب الأخلاقية السائدة نستطع الحكم بقدر من الدقة علي مدي قدرة استمرار الحضارة الغربية علي البقاء. أو حتي علاج نفسها وإنقاذ العالم من المخاطر التي تهدده. فهل تستطيع أخلاق ¢المنفعة¢. أو الأخلاق العملية البراجماتية أو الماركسية أو الوجودية الاستمرار في الإسهام في تقدم هذه الحضارة وبقائها؟ إننا بعد دراسة هذه المذاهب نشك في إمكان تحقيق هذا الغرض. فقد تعرضت ¢الأخلاق¢ والمبادئ الأخلاقية في أوروبا وأمريكا تاريخًيا - وفي العصر الحديث أيضًا - تعرضت لعدة تقلبات جنحت بها من ¢النفعية¢ إلي ¢الوضعية العملية¢ و¢الماركسية¢ و¢الوجودية¢. وإن كانت هناك أيضًا مذاهب ¢مثالية¢ إلا أنها ذات النفوذ الأقل بين المذاهب الأخري. وهكذا أخذت هذه الحضارة تبدل أخلاقياتها وسلوكياتها كما تغير أزياءها في العصور المختلفة. أما النظرة المقابلة. فتوضح - علي العكس - أن القيم الأخلاقية الإسلامية الثابتة ظلت باقية أبدًا لم تتغير. ولكن المسلمين هم الذين تغيروا وأصبح واجبًا عليهم تعديل سلوكياتهم وفقا لهًا» إذا أرادوا إثبات استحقاقهم لقيادة العالم من جديد.