جلس الشاب المصري القادم من ألمانيا للحديث عن الفاشية الإسلامية - بكل عنجهية وغرور - أمام كاميرات التليفزيون يستعرض ما لديه من معلومات عن الإسلام استقاها من فكر معاد متعصب. لا يري إلا معتقده ولا يؤمن إلا بما حشر في رأسه من أفكار. جلس ذلك الفتي ناسياً مصريته وناسياً معتقداته التي ما حاول أن يدعمها بالقراءة حتي يعرف ما ينبغي أن يتحدث عنه. قال الشاب إن الإسلام دين الفاشية يجبر الناس علي اعتناقه ويطرد غير المؤمنين به ولا يتعامل مع الآخر إلا من موقع السلطة والهيمنة. هذا الحديث ليس بجديد إنما هو لغة منتشرة في الغرب الآن علي لسان بعض مفكريه وحكامه بهدف تخويف شعوبهم من الإسلام وخشية انتشاره. واتساع حلقة المؤمنين به. وتنبيهاً لما قد يظنون بالمسلمين من اتجاههم إلي عداء وكراهية غيرهم من أصحاب الديانات الأخري. في أغسطس 2006 صرح الرئيس بوش بأن الفاشية الإسلامية لا تتواني عن استخدام أي وسيلة للإضرار بالأمريكيين المحبين للحرية فانتشر هذا المصطلح انتشاراً واسعاً وأضاف في قوله خشيته تحول الفاشية الإسلامية إلي أيديولوجية ثابتة قد تهدد بالاستحواذ علي الشرق الأوسط وأوجب لذلك محاربتها. وبمناسبة تلك الأقوال نشير باختصار سريع إلي معني الفاشية ونشأتها وسلوكها قبل تنفيذ تلك الأقوال. نشأت الفاشية في العصر الحديث علي يد موسوليني في إيطاليا سنة 1922 وتلتها ألمانيا علي يد هتلر سنة 1933 وشاع استخدام اللفظ كاصطلاح يهدف إلي الإساءة السياسية للخصوم السياسيين واتهامهم بالديكتاتورية وكراهية الديمقراطية. والحقيقة أن كلمة الفاشي والديكتاتور مترادفان يدلان علي كل من يخرج عن الآراء الليبرالية وما تمثله مؤسساتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية واعتنق موسوليني مؤسس الفاشية في القرن العشرين فكرة أن القوة هي الوسيلة الوحيدة لنظام الحكم. ولا قيمة لإرادة الشعب في ذلك والسلطة التنفيذية هي صاحبة المقام الأول والأهم علي كافة السلطات والانحياز إلي نظام حكم العسكر واضطهاد الأقليات سلوك شائع ومنتشر في الفكر الفاشي.. هذه بعض مظاهر الفاشية والذي يزعم الفتي المتحدث ومن سار علي دربهم أنها ذات منهج الإسلام والمسلمين وأن الإسلام هو باعث الفاشية والديكتاتورية والقضاء علي الأقليات. فات هؤلاء جميعاً أنه يجب التفرقة بين الإسلام المصفي الإسلام الذي أنزله الله علي نبيه محمد صلي الله عليه وسلم في كتابه الكريم وبين ما عليه المسلمون الآن من ظلم حكامهم وتسلطهم علي شعوبهم وجهل أبنائهم. ويحضرنا في ذلك قول الأستاذ المعلم جمال الدين الأفغاني حين جلس في حضرة السلطان العثماني ممسكاً بمسبحته يحركها بين أصابعه. فأوغر بعض الجالسين قلب السلطان نحو الأستاذ فخاطبه قائلاً: أتعبث بمسبحتك في مجلسي. فرد عليه جمال الدين: أنت تعبث بقلوب ثلاثين مليوناً من المسلمين. وتستنكر عليّ أن أعبث بثلاثين حبة من مسبحتي. فغضب السلطان وتوجه إليه قائلاً أذهب إلي بلاد الفرنجة لتبشرهم بالإسلام وكان الرد الشافي الكافي من الأستاذ الجليل بأي إسلام أبشر. أبالإسلام الذي أنزله الله علي محمد لقالوا لي أنتم أولي بتطبيقه. أم بالإسلام الذي عليه المسلمون الآن لقالوا لي نحن في غني عنه. نعم نحن أولي بتطبيق الإسلام الذي أنزله الله علي محمد حتي نكون جديرين بأن ننتسب إليه وذلك فإن أحوال المسلمين وسلوك حكامهم لا صلة لها بالإسلام ولا علاقة لها به. ومن هنا جاء اتهام الغربيين ومن يواليهم للإسلام بأنه دين فاشي لأنهم لم يعرفوا أن الإسلام دين الإنسانية جاء للرقي بها والنهوض بالإنسان ودفعه إلي تحقيق خلافة الله في الأرض الواردة في قوله تعالي: "إني جاعل في الأرض خليفة". وخلافة الله لا تكون بالاستبداد والقهر وبث روح القطيع في نفوس البشر. إنما الخلافة تكون بتحقيق العدل ونشر الحب وبإعمال العقل والتفكير ومن ثم فلا مجال لسيطرة فئة علي فئة وتمييزها عن غيرها من الفئات الأخري. إنما الناس متساوون كأسنان المشط. لا فضل لعربي علي اعجمي إلا بالتقوي وفقاً لأحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم الذي وضع أسس نظام الحكم القائم علي الشوري وتداول الأمر وفقاً للآيات المحكمات "وشاورهم في الأمر" "وأمرهم شوري بينهم" وكان صلي الله عليه وسلم يأخذ رأي الناس في شئون حياتهم وفيما لم يتصل بأمور العقيدة. وترك الأمر من بعده للمسلمين يختارون من يحكمهم ولم يحدد واحداً من أصحابه وبهذا فإن تنصيب الحاكم منوط باختيار الأمة غير خاضع لقوة أو لمن له السيطرة. فقد كان الأنصار أكثر عدداً ومالاً من المهاجرين والغرباء عن المدينة والآخرون هم أصحاب الدار والديار إلا أن جمهور المسلمين اختاروا أبا بكر المهاجر حاكماً لهم وهو ما اتفق عليه الأنصار والمهاجرون. ومن ثم فلا مكان للقوة وإن كانت مسلحة إنما الحق والحق وحده هو القوة التي يستند إليها الحكم في النظام الإسلامي. وفي الإسلام الناس سواسية كأسنان المشط يذكرهم النبي صلي الله عليه وسلم دائماً بأنهم كلهم لآدم وآدم من تراب كما يقرر القرآن الكريم في آيات كثيرة أن البشرية من أصل واحد "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء" سورة النساء "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" سورة الحجرات.. فلا تمييز لأحد من البشر علي آخر فأين هذه المبادئ مما قامت عليه الفاشية. ويقولون إن الفاشية بها اضطهاد للأقليات ولا يمكن القول بأن الإسلام فيه مثل ذلك قال تعالي: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" سورة آل عمران.. هذه دعوة مهذبة رقيقة من المسلمين إلي غير المسلمين فإن اتفق الفريقان فلا فراق ولا قتال ولا بغضاء. ولكن يشهد الفريق الآخر بأن هؤلاء مسلمون. وقوله "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" سورة العنكبوت. فأين الاضطهاد في ذلك. والمبدأ الإنساني الراقي الذي قرره الرسول القائد في قوله "من آذي ذمياً فقد أذاني" والذمي هو من له عهد يتعين الوفاء به في ذمة الأمة الإسلامية. وفي حديث آخر عن غير المسلمين قال صلي الله عليه وسلم لهم ما لنا وعليهم ما علينا. أرايتهم مثل هذا العدل القائم علي حفظ حق الإنسان أيا كان معتقده ودينه. إن التاريخ يحدثنا أن غير المسلمين من أهل الكتاب لم يروا في تاريخهم حكاماً أعدل من المسلمين ولا أوافق في مراعاتهم والمساواة بينهم. والمسلمون لم يجبروا أحداً من هؤلاء علي الانخراط في جيوشهم للمحاربة معهم وإنما كان المسلمون هم الذين يتحملون عبء الدفاع عن المسيحيين واليهود علي مدي تاريخ الدولة الإسلامية. واضطهاد الرومان الكاثوليك للأقباط الأرثوذكس عمل شائن عان منه المصريين لاختلافهم في المذهب الذي عليه الرومان. والدولة في الإسلام تدار بالمحبة والسلام والرحمة وبعث فضائل الخير والحق في المجتمع. وخاطب الله رسوله في ذلك منبهاً للمسلمين من بعده في قوله تعالي: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله يحب المتوكلين" سورة آل عمران.. ولا مجال في الدولة الإسلامية لإكراه الناس عن الإيمان بالإسلام "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً فأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين" سورة يونس.. هل يوجد في هذه القواعد اضطهاد للأقليات وفرض السيطرة علي عقولهم وأفكارهم. هل في ذلك عداء مستحكم للآخر وكراهية تؤدي للقضاء عليه..!! ليس في الإسلام شيء من ذلك. إنما هو وهم الحقد في عقول وأفكار بعض الغربيين ومن والاهم من الشرقيين المسلمين سببه عدم القراءة المتجردة من كل تحيز أو كراهية. إن بعضاً منهم يرغب في شهرة ينالها بالهجوم علي الأديان وإلصاق الافتراءات والأكاذيب لتسمع أصواتهم وتنتشر أفكارهم فيشبعون رغبة تنتابهم في حب الظهور والخيلاء. وبعض آخر أعمته الكراهية لشعوب يرغب في السيطرة عليها واستغلالها واستمرار بغيه وطغيانه عليها فلا يجد أمامه سوي الهجوم علي الإسلام بغرض تحقير المسلمين ويجعل عداءه للشعوب الإسلامية سبباً في عدائه للإسلام البريء من أفعال المسلمين والضحية لأعدائه. فهل يمكن أن يفيئ المقلدون المسلمون إلي ما في دينهم من قواعد التقدم والتحضر فيكونون نداً لهم. وهناك فئة لا تفكر بعقولها قدر ما تفكر بآذانها تسمع الانتقادات فترددها دون وعي أو إدراك ولا تميز بين الغث والسمين ومنهم ذلك المتحدث في القنوات التي فتحت له بخبث ومكر ليخرج ما في جوفه دون أن تستضيف تلك القنوات من يمكنه توضيح الأمر للمشاهد أو علي الأقل لعرض الرأي والرأي الآخر ليقف الباحثون عن الحقيقة علي ما في الإسلام من قواعد التقدم والتحضر والنهوض بالإنسان وتكريمه تحقيقاً لقول الله تعالي: "لقد كرمنا بني آدم". هذه كلمة أردنا أن نرد بها علي بعض كارهي الحق ومحبي الفتنة والسائرين في دروب الشهرة علي حساب الحقيقة ولو كانت واضحة.