قصة الذبيح من القصص المشترك بين القرآن الكريم وغيره من الكتب السابقة المنسوبة إلي السماء. ومن المتفق عليه أن الذبيح أحد ابني سيدنا إبراهيم عليه السلام فلم تنسب إلي من سواه في التاريخ الديني. ووقع خلاف في تحديد الذبيح هل هو سيدنا إسماعيل عليه السلام أم سيدنا إسحاق عليه السلام ؟. يري علماء أهل الكتاب أنه إسحاق عليه السلام وروي هذا عن طائفة من أهل العلم في الإسلام. ويري جمهور العلماء في الإسلام أنه إسماعيل عليه السلام وبشيء من التأمل والتدبر في الأوصاف المشتركة في شرع من قبلنا وشرعنا والملابسات والوقائع يتضح يقيناً أنه سيدنا إسماعيل عليه السلام لأدلة أهمها: اتفق أهل الكتاب والمسلمون علي أن الله عز وجل أمر سيدنا إبراهيم عليه السلام ابنه "البكر" وفي لفظ "وحيده" ولا خلاف يعلم أن سيدنا إسماعيل عليه السلام هو بكر أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام. سياق القصة يدل دلالة لا لبس فيها ولا غموض ولا إبهام أن الذبيح إسماعيل عليه السلام فقد حكي عن إبراهيم عليه السلام تضرع إلي الله عز وجل "رب هب لي من الصالحين" 1 فاستجاب المولي الكريم جل شأنه تضرعه فبشره "بغلام حليم" فلما بلغ السن التي تمكنه مساعدة أبيه في أعماله جاء الابتلاء برؤيا المنام. ثم قال بعد كل ذلك "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" 2 هذا يدل علي أن المبشر به الأول وهو "إسماعيل". غير المبشر به الثاني "إسحاق" لأن البشارة وقعت مرتين في كتاب الله عز وجل : مرة في قوله سبحانه "رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أري في المنام أني أذبحك" 3. فهذه الآية قاطعة في أن المبشر به هو الذبيح وهذه البشارة في سن لا يستغرب فيه الولد. ومرة قوله تعالي : "وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق" 4 فهذه الآية صرحت أن المبشر به إسحاق. ولم يكن بسؤال من إبراهيم. بل من زوجه وكان إبراهيم في آخر عمره ببلاد الشام في سن يستبعد الولد "الإنجاب". ومن مجموع البشارتين يتضح أن البشارة الأولي لإسماعيل البكر الوحيد الذي يتناسب وعظم الابتلاء. والبشارة الثانية لإسحاق والذي حكي القرآن الكريم في بشارة الملك لسيدتنا سارة عليها السلام بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب فكيف يأمر الله تعالي إبراهيم بذبح إسحاق وقد أخبره أنه سيكبر ويتزوج ويولد له ولد "يعقوب"؟. إن صفات إسماعيل في القرآن الكريم تدل علي أنه الذبيح.. فمن ذلك: 1 قوله تعالي : "فبشرناه بغلام حليم" .5 ب" قوله الله عز وجل : "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً". ج" قوله سبحانه وتعالي : "وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين". وجه الدلالة: ان الذبيح الذي صدق أباه فيما وعد به فصبر واستسلم لله سبحانه وتعالي وأسلم نفسه له ليذبحه. وهذه الصفات تنبع من رزق الحلم لا مجرد العلم. وقد فصَّل العلماء الراسخون فيما لا يتسع المقام لسرده أوجه وأدلة نقلية وعقلية أن الذبيح إسماعيل عليه السلام منهم الأئمة ابن كثير وابن تيمية وابن القيم والألوسي رحمهم الله تعالي : وسيبقي الذبيح إسماعيل عليه السلام في الإسلام معلماً من معالم التضحية لله وجزاؤها "وفديناه بذبح عظيم".