حقاً إذا كان الإنسان يخاف الفضيحة والعار فمن باب أولي أن يخاف الفضيحة والخزي والعار يوم القيامة. وأن يستحي من الله حق الحياء. لقد قال رسول الله صلي الله عليه لصحابته: "استحيوا من الله حق الحياء. قلنا: أي الصحابة رضوان الله عليهم: إنا نستحي من الله يا رسول الله والحمد لله قال: ليس ذلك. الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعي. والبطن وما حوي. وتذكر الموت والبلي ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا. وآثر الآخرة علي الأولي. فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء" رواه الترمذي. خُلق يحبه الأنبياء عليهم السلام الرسل هم صفوة الخلق. سفراء الله إلي عباده. وحملة وحيه وهديه أرسلهم الحق سبحانه لانقاذ البشرية وهدايتها. والأخذ بيدها إلي الصراط المستقيم. فهم القدوة والأسوة والسراج المنير. لقد تسامت نفوسهم. وطهرت قلوبهم مع انهم بشر لكنهم حازوا السبق في ميدان الأخلاق وتزكية النفس. فكانوا بحق تلقي إليهم. بل لابد من أن يرويها في كيان بشري يجسدها في واقع حي مشاهد وملموس. فهذا هو رسول الله صلي الله عليه وسلم كما يحدثنا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: كان رسول الله أشد حياء من العذراء في خدرها" رواه البخاري. إلي هذا الحد بلغ حياء الرسول صلي الله عليه وسلم الذي أخبرنا في حديثه الشريف أن الحياء خلق تحلي به الأنبياء جميعا عليهم السلام فقال: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولي إذا لم تستح فاصنع ما شئت" رواه البخاري. قال الإمام الحليمي في معني هذا الحديث: "المراد به الدلالة علي أن عدم الحياء يدعو إلي الاسترسال الذي لا يؤمن عاقبته. وإن أعظم الموانع من القبائح عن العقلاء الذم. وهو فوق عقوبة البدن. فمن طاب نفساً بالذم ولم يخشه فلم يردعه عن قبيح ما هو رادع. فلا يلبث شيئا حتي يري نفسه مهتوك الستر. مثلوب العرض. ذاهب ماء الوجه. لا وزن له ولا قدر. قد ألحقه الناس بالبهائم وأدخلوه في عدادها. بل صار عندهم أسوأ حالاً منها" فالتجرد والتخلي عن هذا الخلق الكريم مزلق للسقوط والتردي من أسفل إلي أسفل إلي أن يصبح الإنسان جريئاً علي ارتكاب الجرائم بلا مبالاة ولا شعور. ولا نعجب حين نري مسارعة آدم وزوجته حواء عليهما السلام إلي ستر عوراتهما بأوراق الشجر حين أكلا من شجرة الخلد "فأكلا منها فبدت لهما سوأتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصي آدم ربه فغوي" "طه: 121" وهذا في حد ذاته دليل علي أن الحياء عنصر أصيل فطري مركوز في جبلة الإنسان. وفي الانحراف عنه مسخ وتشويه لآدمية الإنسان. الذي كرمه ربه وفضله علي سائر المخلوقات. ولا يفوتنا في هذا المقام أن نلقي الضوء علي ذلك الحياء المتسامي والأدب الرفيع. الذي يتحلي به سيدنا موسي عليه السلام من خلال الحديث الذي دار بينه وبين بنتي سيدنا شعيب عليه السلام إذ لم يزد عن هذا القول: "ما خطبكما" وذلك حين رأي الفتاتين تذودان: أي تكفكان غنمهما أن تشرب مع غنم أولئك الرعاء لئلا يؤذيا. فلما رآهما سيدنا موسي عليه السلام سألهما بأدب واحترام ما خطبكما "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتي يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير" "القصص: 23" لم يسألهما عن أبيهما ولا عن اسمهما ولا عن الأغنام التي معهما. ولقد كان ردهما في غاية الأدب: "لا نسقي حتي يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير" لقد أسدلتا الستار عن الكلام مع السائل. فلم تسأله كلتاهما عن موطنه أو اسمه أو حياته الخاصة "فسقي لهما ثم تولي إلي الظل فقال رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير فجاءته إحداهما تمشي علي استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين" "القصص: 24 26". ولنتأمل في التربية الحسنة المصونة. إذ نري القرآن الكريم يصف مشية الفتاة علي استحياء كأنما تسير عليه. وكلاهما علي استحياء. لأن التي تتكلم علي استحياء من باب أولي تمشي علي استحياء. ثم نجد الفتاة تشيد بمروءته وأدبه وشهامته وكريم خلقه: "يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين" "القصص: 26" وهكذا نري ان هذا الخلق العظيم لم ولن يتغير علي مر الأزمان والعصور. وهو الحارس المكين للرجل والمرأة علي السواء علي حد قول إحدي الباحثات: "إذا كان الحياء في الرجل جميلا. فهو في المرأة أجمل. وإذا كان الحياء في الرجل فضيلة فهو في المرأة أفضل. لأنه يزيدها زينة وبهاء. ويجعلها محبوبة مرغوبة. فسمة الخي في المرأة الحياء. وسمة الشر فيها القحة. فالحياء حامي الفضيلة اليقظ وحارسها الأمين» الذي لا يسمح لكائن أن ينتهك حرمتها. أو يعتدي علي ساحتها. وهو الذي يمنع الرذيلة أن تحل مكاناً تبوأته الفضيلة بل انه يباعد بينهما بكل ما أوتي من قوة إرادة. وصحة عزيمة. ألا ما أحوجنا في هذه الأيام أن نركز علي تنمية هذا الخلق في شبابنا بصفة خاصة ورجالنا ونسائنا بصفة عامة» ذلك ان الناظر في حال المجتمع اليوم يري أحداثاً أليمة تُدمي القلب. وتندي الجبين خجلاً جراء استخدام الناس للحرية المفرطة. بلا ضابط أو رابط كل هذا وذاك سببه الأول والأخير عدم الحياء من الله سبحانه وترسيخ هذا الخلق الكريم لن يكون إلا من خلال تقوية وترسيخ العقيدة. لأن الحياء من ثمرات الإيمان ومعرفة الله عز وجل.. اللهم قنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.