ان جانبا كبيرا من العنف الذي شهدناة علي الساحة المصرية وشاهدناه علي الساحة الدولية إنما يرجع إلي فقدان أو ضعف الحس الإنساني. واختلال منظومة القيم. مما يجعلنا في حاجة ملحة إلي التأكيد علي الاهتمام بمنظومة القيم الإنسانية. والتنوع الثقافي والحضاري. والانطلاق من خلال المشترك الإنساني بين البشر جميعاً .فقد كرم الحق سبحانه الإنسان علي إطلاق إنسانيته دون تفرقة بين بني البشر. فقال "عز وجل": ولقد كرمنا بني آدم -. فالإنسان بنيان الرب من هدمه هدم بنيانه عز وجل. كما أجمعت الشرائع السماوية علي جملة كبيرة من القيم والمبادئ الإنسانية. من أهمها: حفظ النفس البشرية قال تعالي: -أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسي أَوْ فَسَادي فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً - .ولهذا قدَّر نبينا صلي الله عليه وسلم للنفس الإنسانية حرمتها. فلما مرت عليه جنازة يهودي وقف لها. فقيل له: إنها جنازة يهودي. فقال صلي الله عليه وسلم: أليست نفساً؟! ومن القيم التي أجمعت عليها الشرائع السماوية كلها: العدل. والتسامح. والوفاء بالعهد. وأداء الأمانة. والصدق في الأقوال والأفعال. وبر الوالدين. وحرمة مال اليتيم. ومراعاة حق الجوار. والكلمة الطيبة. وذلك لأن مصدر التشريع السماوي واحد. ولهذا قال نبينا صلي الله عليه وسلم :- - الأنبياء إخوة لعلَّات أممهم شتي ودينهم واحد -فقد تختلف الشرائع في العبادات وطريقة أدائها وفق طبيعة الزمان والمكان. لكن الأخلاق والقيم الإنسانية التي تكون أساساً للتعايش لم تختلف في أي شريعة من الشرائع. يقول نبينا صلي الله عليه وسلم: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولي إذا لم تستح فاصنع ما شئت -وأروني أي شريعة من الشرائع أباحت قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. أو أباحت عقوق الوالدين. أو أكل السح. أو أكل مال اليتيم. أو أكل حق العامل أو الأجير. وأروني أي شريعة أباحت الكذب. أو الغدر. أو الخيانة. أو خُلف العهد. أو مقابلة الحسنة بالسيئة .بل علي العكس فإن جميع الشرائع السماوية قد اتفقت وأجمعت علي هذه القيم الإنسانية السامية. من خرج عليها فإنه لم يخرج علي مقتضي الأديان فحسب. وإنما يخرج علي مقتضي الإنسانية وينسلخ من آدميته ومن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها . .ولهذا قال ابن عباس "رضي الله عنهما" عن قوله تعالي: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ - أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا - وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا - وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلاقي - نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ - وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ - وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ - ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"151" وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّي يَبْلُغَ أَشُدَّهُ - وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ - لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا - وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَي- - وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا - ذَ-لِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ "152" وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ - ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "153"- سورة الأنعام هذه آيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب. وهي محرمات علي بني آدم جميعاً. وهن أم الكتاب - أي أصله وأساسه -. من عمل بهن دخل الجنة. ومن تركهن دخل النار.وديننا علمنا أن نقول الكلمة الطيبة للناس جميعاً بلا تفرقة. فقال سبحانه: وقولوا للناس حسنا - بل نحن مطالبون أن نقول التي هي أحسن. يقول سبحانه وتعالي: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ويقولون: البر شيء هين وجه طلق وقول لين. ويقول الحق سبحانه: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ - ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةى كَأَنَّهُ وَلِيىّ حَمِيمى "34" وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظيّ عَظِيمي "35"- سورة فصلت وفي تعاليم سيدنا عيسي عليه السلام - من ضربك علي خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر - هي دعوة عظيمة للتسامح في كل الشرائع السماوية لكي تعيش البشرية في سلام وصفاء. لا نزاع وشقاق أو عنف وإرهاب