دخلت ظاهرة الاعتداء علي أئمة المساجد مرحلة الخطر.. فما تخلو محافظة من المحافظات إلا ويتعرض بعض خطبائها للهجوم عليهم من مجهولين أثناء خطبة الجمعة لاعتراضهم علي ما يقوله الخطيب. وآخر هذه الاعتداءات ما حدث في الجمعة الماضية بمسجد الرحمن الرحيم الذي بناه رجل الأعمال الحاج محمود العربي حيث تحولت خطبة الجمعة في لحظات قليلة لساحة من الكر والفر بين المصلين الذين يهاجمون إمام المسجد الدكتور مصطفي نوارج.. الذي تم تكليفه من وزارة الأوقاف بسبب اعتراض البعض علي قول الإمام لا يجوز لنا أن نرفع السلاح والعنف وندعي بذلك اننا نحمل لواء الإسلام ونطبق شرع الله. "عقيدتي" كانت هناك شاهدة علي ما حدث.. فماذا رأت: بعد أعلن مذيع المسجد عن قيام الشيخ الدكتور مصطفي نوارج الأستاذ بجامعة الأزهر بالقيام بخطبة الجمعة بتكليف من وزارة الأوقاف وكان عنوان خطبة الجمعة "التسامح عنوان التدين الصحيح".. وبدأت الخطبة واستشهد الدكتور الفاضل بالأحاديث والآيات وبعض المواقف من حياة النبي صلي الله عليه وسلم التي تدعو إلي التسامح.. وانتهت الخطبة الأولي ثم بدأ في الخطبة الثانية بعد الاستراحة القليلة حتي وصل الشيخ الأزهري إلي آخر فكرة في الموضوع وأراد تلخيصها للمستمع فكان ملخصها "اننا يجب علينا أن نرفع راية التسامح والرحمة حتي نكون دعاة إلي الله علي طريق رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا يجوز لنا أن نرفع راية السلاح والعنف وندعي بذلك اننا نحمل لواء الإسلام ونطبق شرع الله" وقبل أن ينتهي الخطيب من كلامه وبمجرد أن نطق كلمة السلاح والعنف فسمعنا شخصا يصيح في وسط المسجد قائلا: سلاح إيه من قال لك ان هناك سلاحا".. وقبل أن يكمل هذا الشخص عباراته كان هناك مئات الأشخاص يصيحون ويهتفون حسبي الله ونعم الوكيل.. من الذي أرسلك لتقول هذا الكلام.. كم أخذت وكم قبضت؟! يا ظالم يا كافر.. أين حق الشهداء!! ثم قام شخص بالصعود إلي المنبر شخص بلحية وجلباب فأخذ بتلابيب الرجل الخطيب وجذبه وأراد إنزاله من فوق المنبر فوقعت عمامته أسفل المنبر فصعد شخص آخر حاملا العمامة فوضعها علي رأسه. فما كان من الشيخ وهو مهزوم فوق المنبر أمام المصلين إلا أن طلب من المؤذن أن يقيم الصلاة فأقام الصلاة والإمام محبوس فوق المنبر وبابه مغلق ويقف حوله حوالي خمسة أشخاص يحاولون حمايته.. وأقيمت الصلاة وكان هناك ما لا يقل عن ألف شخص التفوا حول المنبر يحاولون تهديد الشيخ بالقتل والتقطيع ويقذفونه بالكراسي والأحذية وهو فوق المنبر.. وبدأ الناس صلاة الجمعة والإمام لا يستطيع النزول.. وهناك المئات التي رفضت الصلاة واختلط الحابل بالنابل وما يشلغهم سوي الفتك بالإمام الذي لا يستطيع النزول للصلاة. وبعد بداية الصلاة تمكن مجموعة من الشباب من إنزال الشيخ من فوق المنبر علي كرسي وتم إدخاله الحجرة المجاورة للمنبر وهي تبعد عن المنبر بثلاثة أمتار.. وأدرك الشيخ الصلاة مأموما ثم خرج من المسجد. وأمام هول ما رأيت أنا وابني الذي لم يبلغ الحلم الذي هاله ما يحدث لإمام المسجد الأزهري الذي تحدث عن التسامح.. وسألني لماذا كل هذا.. وقال في هيستيريا شديدة.. ماذا حدث.. ماذا قال الإمام.. لماذا يضربونه.. من هؤلاء.. ماذا فعل الإمام.. وكيف يحدث هذا في بيت الله؟! وما هي الجريمة التي ارتكبها الإمام ليحدث معه هذا الذي رأيته. وأمام هذه الأسئلة المتكررة من ابني الذي سألها في هيستيريا شديدة.. وقفت عاجزا عن الرد.. وسألت نفسي نفس أسئلة الابن.. من هؤلاء.. ولماذا. وماذا فعل الشيخ.. كل ما فعله الحديث عن التسامح وسماحة الإسلام.. وخرجت من المسجد بعد مشاهد استمرت لا يزيد عن 15 دقيقة تعجز الحروف عن كتابتها. قانون جديد لكن هل يظل الأئمة والخطباء هكذا بدون حماية.. وما هو الموقف لو تكرر مثل هذا الحدث في مسجد آخر.. والاجابة كانت من الشيخ محمد عيد كيلاني مدير عام المساجد الأهلية.. فقال هذا الذي حدث في مسجد الرحمن الرحيم أمر يندي له الجبين لذلك فنحن في حاجة ماسة لآلية جديدة تدافع عن الدعوة الإسلامية وهذه الآلية تتمثل في تفعيل الضبطية القضائية الممنوحة لبعض مفتشي المساجد وإنشاء شرطة متخصصة كالمعمول بها في بعض الوزارات.. وهذه الشرطة تعين الوزارة علي ضبط إيقاع وتنفيذ القرارات من أجل صالح الدعوة وهناك كم هائل من الدعاة الحاصلين علي دورات قضائية من وزارة العدل. أما ما حدث فيتم محاسبته بالقضاء العادي ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال ما حدث. لكن كنت أتمني من وزير الأوقاف الذي أصدر قراراته السابقة.. أن يصدر معها قرارات أخري بكيفية حماية الخطباء لذلك أعني أن يسن قانون جديد يجرم الاعتداء علي الدعاة ومعاقبة المخالفين لقرارات المساجد والمعتدين علي حرمتها. شرطة متخصصة الدكتور عادل المراغي -إمام وخطيب مسجد النور بالعباسية- يري أن هذه الحادثة لإمام مسجد الرحمن الرحيم .. ليست الأولي ولن تكون الأخيرة في ظل حالة عدم وجود آلية لحماية المنابر من المتنطعين .. فقد حدث ذلك مراراً وتكراراً في مسجد النور وعدد من المساجد الأخري .. وما حدث للدكتور مصطفي - وإن كان ليس المقصود شخصه - إلا أنها كارثة ومهزلة وانتهاك لحرمة بيوت الله وتعد علي عالم أزهري وفضيحة. كبري للتطرف والمتأسلمين . ومهما كان اختلافنا مع خطيب الجمعة فإن الأمر لا يصل إلي هذه الرقاعة والصفاقة وسوء الأدب. أما عن الآلية المقترحة لحماية بيوت الله والمنابر فيري الدكتور المراغي .. لابد من توفير سبل الحماية للعلماء في خطبة الجمعة كما يحدث في الحرمين الشريفين بتخصيص شرطة للمساجد منعاً من تطاول السفهاء وانتهاك الحرمات ووءداً للفتن. أما الدكتور محمد ابراهيم حامد .. إمام وخطيب بالأوقاف فيري أن ما حدث ظاهرة غريبة علي مجتمعنا وهي عربدة بعض المتأسلمين واعتداؤهم علي أئمة المساجد وخاصة أئمة الأزهر والأوقاف وهم علي منابرهم يلقون خطبة الجمعة .. وتكررت هذه الظاهرة كثيرا . ولعل آخرها ما حدث الجمعية الماضية لخطيب الرحمن الرحيم الدكتور مصطفي نوارج وارتفعت الأصوات بالضجيج داخل المسجد وحاصروا الامام علي المنبر .. بل والأدهي والأمر أن الصلاة أقيمت ولم يمتثل منهم إلا القليل. حصانة الإمام واقترح الدكتور محمد ابراهيم لكي لايتكرر هذا المشهد أن يتم منح الامام الأزهري حصانة كاملة كالتي يتمتع بها رجل القضاء . فالداعية الأزهري ليس أقل منه شأناً .. ثانياً .. تشريع قانون علي وجه السرعة يجرم كل من يعتدي علي إمام أزهري بالسجن والغرامة . فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. ثالثا: المبادرة بإنشاء نقابة موحدة للأئمة تدفع عن حقوقهم. رابعاً .. علي الدولة أن تتخذ إجراءات سريعة ورادعة ضد من يتطاول ويعتبر هذا التطاول تحتد بند الاعتدء علي موظف رسمي. إجراءات قانونية أما الشيخ أحمد ترك - مدير عام المساجد الكبري - فقد أكد لي أن الادارة اتخذت الإجراءات القانونية ضد ما حدث للشيخ الجليل وهو الأعتداء علي موظف عام أثناء تأدية عمله.. أضاف أن رفع الصوت في الجمعة يبطل الصلاة وهو جريمة أما ما حدث فهو كارثة كبري وجريمة دينية.. فلابد من استخدام عصا القانون لردع كل من لتسول له نفسه الاعتداء علي حرمات المساجد والمنابر والدعاة.