هناك بعض التصرفات والمواقف السياسية المتقلبة لبعض الأشخاص ليس بوسع المرء تجاوزها أو السكوت حيالها دون التعليق عليها. ذلك لأنها دائما ما تكون أشبه بلوحة سيريالية يصعب فهمها. لكنها تؤدي إلي نتائج لا يحمد عقباها بصرف النظر عما سفك من دم مصري غال خلال فض اعتصامات الاخوان ومؤيديهم في ميداني رابعة العدوية والنهضة. ومن المتسبب بصلفة وتعنته في تدفق هذا الشلال الدامي الذي لم يتوقف حتي كتابة هذه السطور فإن تصرفات أمثال البرادعي وخالد داود وسيف عبدالفتاح وغيرهم تدعو للدهشة والاستغراب. بالنسبة للبرادعي أؤكد ما ذكرته مرارا وتكرارا بأن هذا الرجل غامض غموض الليل البهيم. لم يفصح يوما عن حقيقة ما يضمره. ولم يستنبط أحد ما توسوس به نفسه. جاء من الخارج غامضا وعاد وسره معه غامضا. - فهو رئيس جبهة الانقاذ التي احتضنت حركة تمرد. تلك الحركة التي تعد العامل الرئيسي في الاطاحة بالرئيس السابق. ولولا تبني الجبهة لهذه الحركة ما استطاعت إحداث تأثير يذكر. - وهو من رفض كل دعوات الحوار التي وجهها الرئيس السابق محمد مرسي. وبالتالي رفضها من ارتضوا لأنفسهم أن يأتمروا بأمره وينتهوا بنهيه من أمثال عمرو موسي والسيد البدوي وحمدين صباحي. - وهو بحسب حديثه للواشنطن بوست في مطلع يوليو الماضي من سعي إلي الغرب مطالبا بضرورة عزل مرسي قسرا وهو المندد صباح مساء باعتصامات الإخوان وهو مهندس نشر الكراهية ضد الاخوان. إذن لماذا والأمر هكذا غضب لما وقع بعد أن رفض المعتصمون كل الدعوات والنداءات الداعية إلي فض الاعتصام والانخراط في المصالحة؟ لماذا استقال من منصبه كنائب رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية احتجاجا علي أمور هو أول من دعا إليها وحرض عليها؟ تفسير ذلك التناقض عندي هو إما إرضاء الغرب الأمريكي والأوروبي علي حساب وطنه. ذلكم الغرب الذي دس أنفه في الشأن المصري بشكل سافر لم يسبق له مثيل. أو أن الرجل كان يطمح للقفز إلي منصب الرئيس ووجد ذلك محالا فآثر العودة إلي حيث أتي. أما بالنسبة للدكتور سيف عبدالفتاح فهو الآخر رجل طبعه عجيب وأمره غريب لقد صدع رؤوسنا في الفترة الأخيرة بترديده أن الرئيس مرسي هو الرئيس الشرعي للبلاد. والسؤال الكبير هنا إذا كان هذا رأيك حقا لماذا قدمت استقالتك من منصبك كمستشار سياسي للرئيس الشرعي وأحرجت الرجل؟ هل المنصب كان بمثابة خاتم لما وضعته في اصبعك لم يعجبك فخلعته؟ في تقديري أن من أهم أخطاء الرئيس السابق أنه ألبس أناسا أثوابا تفوق أحجاهم الحقيقية. وأظن وليس كل الظن إثما أنه من الضروري محاسبة كل من ساهم في إفساد الحياة السياسية بالبلاد. وإذا كانت محاسبة محمد بديع والبلتاجي والشاطر وصفوت حجازي وغيرهم من قادة الاخوان ضرورية بسبب التحجر والجمود والتصلب والتعنت وعدم الانصياع للحكمة وصوت العقل وعدم بلوغ الرشد السياسي والتسبب فيما جري. فإن مساءلة الغامضين والمتقلبين من أمثال البرادعي وسيف عبدالفتاح ومن علي شاكلتهما كخالد داود والمتصلبين المتعنتين الذين داروا في فلكهم من أمثال صباحي وعمرو موسي والسيد البدوي الذين رفضوا دعوات الحوار ضرورية أيضا لأن جيش مصر العظيم ظل نائيا بنفسه عن الشأن السياسي ومطالبا الفرقاء برفق ولين بأن يعلوا مصلحة الوطن. ولم يتدخل إلا بعد أن أوصل هؤلاء البلاد إلي طريق مسدود ووضع ينذر بسقوط الدولة التي أقسم أن يحميها. نعم يجب ألا يفلتوا بما فعلوا وإذا كان الرئيس السادات طيب الله ثراه قد طالب ذات يوم بمحاكمة بعض وزرائه بتهمة الغباء السياسي فمن باب أولي مساءلة هؤلاء بتهمة الفساد السياسي. فقد تكشف المساءلة أنهم اجتهدوا فأخطأوا وللمخطيء أجر وللمصيب أجران.