الإرهاب من أكثر الكلمات إثارة للجدل واستخداما في مختلف وسائل الإعلام. ورغم شيوع استعمالها علي نطاق واسع. فلا يوجد اتفاق حول تحديد مفهوم الإرهاب. وليس هناك تعريف دقيق ومحدد ومقبول من كافة الدول والجماعات والشعوب لمصطلح الإرهاب. بل المؤكد أن هناك نحو مائة وتسعة تعريفات للإرهاب وضعها أبرز الدارسين لهذا الموضوع. مما يعكس تعدد الرؤي إزاء مصطلح الإرهاب. وفي ظل تدافع الأحداث المتلاحقة في مصر برز مفهوم الإرهاب وتردد كثيرا خاصة مع اندلاع العمليات التخريبية المجرمة في سيناء. وتزايد استخدامه بعد خطاب الفريق أول عبد الفتاح السيسي. وزير الدفاع. الذي دعا فيه الشعب المصري لتفويضه لمكافحة الإرهاب. وتفجر الجدل حول المقصود بالإرهاب خاصة مع الوضع الملتبس الذي يسيطر علي المشهد السياسي المصري. وعدم وجود تعريف محدد ودقيق للمصطلح. مما دفع المنظمات الحقوقية الي التعبير عن قلقها البالغ. إذ اعتبرت أن كلمة مكافحة الإرهاب كلمة مطاطة. ويمكن أن يندرج تحتها العديد من الإجراءات الاستثنائية أو قمع المعارضين باسم مكافحة الإرهاب. والذي لا يمكن انكاره ان الإرهاب هو إحدي الجرائم الخطيرة الموجهة ضد أمن واستقرار الدول والنظام العالمي. وهو نوع من الحرب المدمرة والوحشية التي تؤرق بال المجتمع البشري في الوقت الحاضر. وذلك لما اتسمت به هذه الظاهرة من تنوع وتباين في أشكالها وأساليبها وأغراضها. بل وفي نوعية ضحاياها إضافة إلي ما ينجم عنها من أضرار جسيمة بشرية ومادية. ويزيد من مخاطر الإرهاب أن مرتكبي الأعمال الإرهابية يعمدون باستمرار إلي الاستفادة من مختلف أشكال وأدوات التقدم التقني. الذي أصاب ليس فقط الآليات الفنية للتنمية الصناعية والاقتصادية. وإنما أيضا وبشكل أكبر الآليات الفنية العسكرية من أسلحة ومواد للتدمير والقتل. لدرجة أن الكثيرين من المعنيين بتحقيق الاستقرار والأمن باتت لديهم خشية الآن من أن يتمكن الإرهابيون من استخدام الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية الصغيرة في عملياتهم الإرهابية. إذا ما تسربت إلي أيديهم تحت أي ظرف من الظروف. الاهتمام الدولي بدأ الاهتمام الدولي بمكافحة الإرهاب في أعقاب الحرب العالمية الأولي. إذ شكل مؤتمر السلام الذي عقد في فرنسا عام 1919. لجنة من فقهاء القانون. لبحث موضوع مدي مسئولية من يرتكب جرائم حرب وعقوبته. حيث وضعت اللجنة قائمة للجرائم المرتكبة خلال الحرب. واعتبرت في المرتبة الثانية ضمن تلك القائمة أعمال الإرهاب المنظم. بعد أعمال القتل والتذبيح. كجرائم خطيرة من جرائم الحرب. وذلك في قائمة تضم 32 نوعاً من الأفعال المجرمة. وخلال الحرب العالمية الثانية أوصت مجموعة من الخبراء المتفرعة من لجنة جرائم الحرب التي شكلتها دول الحلفاء في لندن بتاريخ 20 أكتوبر 1943. بأن يضاف إلي القائمة التي أعدت عام 1919. جرائم الاعتقال الجماعي أو العشوائي التي تتم بقصد إرهاب السكان. سواء اقترنت أم لم تقترن باحتجاز الرهائن. بعيداً عن حالات الحرب. دخل مصطلح الإرهاب في عالم الفكر القانوني بصفة عامة. خلال مناقشات المؤتمر الأول لتوحيد قانون العقوبات المنعقد في وارسو عام 1927. تم إدراج الإرهاب السياسي ضمن جرائم قانون الشعوب. وفي المؤتمر الثالث المنعقد في بروكسل عام 1930. تم التأكيد علي أن الإرهاب السياسي يتمثل في الجرائم التي تعارض التنظيم الاجتماعي لكل دول العالم. وفي المؤتمر الرابع المنعقد في باريس عام 1931. اعتبرت جرائم تفجير القنابل وغيرها من أجهزة التفجير المماثلة. والتي من شأنها أن تسبب خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات. من ضمن الأعمال الإرهابية. وفي المؤتمر الخامس المنعقد في مدريد عام 1933. تم تصنيف النهب والتخريب واستخدام العنف من ضمن جرائم الإرهاب السياسي. وقد وصف المكتب الدولي لتوحيد القانون العقابي الإرهاب السياسي بأنه لا يقتصر علي كونه خطراً عاماً. بل هو يستهدف إفزاع أو إخافة الشعب علي أمواله أو علي أرواحه أو أبدانه. وبدأ تناول أحكام مواجهته بالتنظيم الاتفاقي- في ظل عصبة الأمم- في أعقاب حادثة الاغتيال الشهيرة التي وقعت في مرسيليا بفرنسا في التاسع من أكتوبر عام 1934. والتي راح ضحيتها ملك يوغوسلافيا ألكسندر الأول وبعض رفاقه من المسئولين اليوغوسلاف والفرنسيين "وزير خارجية فرنسا لويس بارتو Louis Parthou". حيث بادرت الحكومة الفرنسية بالدعوة إلي عقد اتفاقيتين دوليتين تتعلقان بالإرهاب تم التوقيع عليها في جنيف في 16 نوفمبر 1937. الأولي تتعلق بمنع وقمع الإرهاب دولياً. وتتعلق الثانية بإنشاء محكمة جنائية لمحاكمة من يرتكب الأعمال الإرهابية من الأفراد. ولم تدخل الاتفاقيتان حيز التنفيذ لعدم التصديق عليها. وبرغم ذلك كان للاتفاقيتين أثر مهم يتمثل في ترسيخ قاعدة تجريم الأعمال الإرهابية دولياً. وعلي مستوي الأممالمتحدة. كلفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 177 الصادر في 21 نوفمبر 1947. لجنة القانون الدولي بصياغة مبادئ القانون الدولي المعترف بها في النظام الأساسي لمحكمة نورميرج وفي أحكام هذه المحكمة للاستعانة بها في إعداد مشروع قانون الجرائم المخلة بسلم وأمن الإنسانية. وتضمن المشروع الأول الذي أعدته اللجنة عام 1954. بشأن الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها جريمة الإرهاب باعتبارها إحدي الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها. إلا أن الجمعية العامة أرجأت النظر في هذا المشروع حتي تنتهي اللجنة الخاصة بوضع تعريف العدوان من وضع هذا التعريف. وأدرجت الجمعية العامة في عام 1972- بناء علي طلب السكرتير العام للمنظمة- موضوع الإرهاب ودراسة الإجراءات والتدابير لمنع هذه الظاهرة الخطيرة. وقررت الجمعية العامة إنشاء لجنة خاصة لبحث الموضوع والتقرير بشأنه للجمعية العامة. كما عبرت الجمعية العامة في عام 1976. عن قلقها العميق لتزايد العمليات الإرهابية علي المستوي الدولي. وناشدت الدول مواصلة البحث عن حلول عادلة وسلمية لإزالة الأسباب المثيرة لهذه العمليات. كما استنكرت استمرار أعمال القمع والإرهاب التي تمارسها النظم الاستعمارية والعنصرية والدخيلة. والتي تنكر علي الشعوب حقوقها الأساسية المشروعة وحرياتها الأساسية. ودعت الدول إلي أن تصبح أطرافاً في عدد من الاتفاقيات الدولية الموجودة المتعلقة بمختلف مظاهر الإرهاب الدولي. والتي توجب علي الدول التعاون لمواجهتها ومنعها. ودعت الجمعية العامة في عام 1977. اللجنة الخاصة إلي استمرار عملها في البداية لإعداد دراسة حول الأسباب الرئيسية للإرهاب. ثم بعد ذلك تقديم توصيات بالتدابير العملية لقمع الإرهاب. وطلبت من الأمين العام أن يضع أمام اللجنة دراسة تحليلية لملاحظات الأعضاء حول الموضوع. وقررت إدراج الموضوع في جدول أعمال دورتها لعام 1979. التحالف الدولي ويمكن التأكيد علي أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم تكن بداية لإطلاق الحملة ضد الإرهاب أو مفهوم الإرهاب. ولكنها بداية لما أعلنت عنه وتزعمته الولاياتالمتحدة بما يعرف بالتحالف الدولي ضد الإرهاب منذ الأحداث وحتي الوقت الراهن. وليس صحيحاً أن هذه الأحداث هي التي أبرزت الحاجة إلي التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب. إذ إن البعد الزمني للجدل حول مفهوم الإرهاب وإطلاق الحملة ضد الإرهاب يعود إلي عقود ما قبل الأحداث وقد شغل ذلك حيزاً من الاهتمام والتوجس لدي المجتمعات والحكومات حتي علي مستوي هيئة الأممالمتحدة. حيث كان أول قرار صادر عن الأممالمتحدة بشأن معالجة الإرهاب هو القرار رقم "3034" صدر في ديسمبر من العام 1972. ويتضمن إدانة العنف والإرهاب ويدعو الدول لتفاديه. وبرغم عدم تحديده لماهية الإرهاب إلا أن هذا القرار ميز وأكد مشروعية النضال وحق تقرير المصير. كما صدرت عدة قرارات أُخري منها القرار رقم "61/40" الصادر في ديسمبر من العام 1985 وجاء في نصه: ¢حث الدول بالتعاون مع أجهزة الأممالمتحدة ذات الصلة للمساهمة في القضاء التدريجي علي الأسباب الكامنة وراء الإرهاب¢. نخلص من ذلك كله إلي أن محاولة التوصل إلي تعريف تندرج في إطاره كافة الأفعال المكونة للإرهاب وبحث أسبابه والوسائل الكفيلة بعلاجه من الامور العسيرة وليست محل توافق أو اتفاق بين الدول والهيئات والمنظات الدولية والخبراء والاكاديميين. والواقع يقول إن الإرهاب الكلمة غالبا ما تستعمل وفقا للميول الشخصية للأفراد أو الهيئات التي تستخدمها لوصف جماعات معية. إذ إن من يطلق عليه تسمية ¢إرهابي¢ لدي بعض يطلق عليه ¢المحارب من أجل الحرية¢ عند بعض آخر. وقد انعكس هذا الخلاف علي تعريف الارهاب ايضا في قوانين العقوبات الوطنية. حيث ظل هناك تباين شديد بين الدول في هذا الصدد. وفي الحالة المصرية اعتمدت مصر في التعامل مع قضايا الارهاب ومكافحته علي حالة الطوارئ المفروضة بالقانون رقم 168 لسنة 1958. وأحكامه شديدة التعسف. التي سمحت للأجهزة الأمنية بانتهاك حقوق الإنسان الأساسية مع ضمان الإفلات من العقاب علي هذه الانتهاكات. ولم تكتف الحكومة المصرية بقانون الطوارئ. فأصدرت القانون رقم 97 لعام 1992 المعروف بقانون مكافحة الإرهاب. والذي أدخل جملة من التعديلات علي قانون العقوبات. وقانون الإجراءات الجنائية. وغيرها من القوانين القائمة. وقد أدي هذا القانون إلي مزيد من التوسع في السلطات التي تتمتع بها الجهات الأمنية في تعطيل أي حماية دستورية للخصوصية. والحقوق القانونية للمحتجزين والحق في محاكمة عادلة وغيرها من حقوق الإنسان. كما تضمن القانون تعريفا فضفاضا وغامضاً لجريمة الإرهاب تم إدخاله إلي قانون العقوبات. فقد نصت المادة 86 علي انه¢ يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر. إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم وتعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو المباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة. أو احتلالها. أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة. أو دور العبادة ومعاهد العلم لأعمالها أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح ¢. وغير العبارات الغامضة وغير المحددة التي يتضمنها هذا التعريف. فانه مد بساط التجريم لبعض الأفعال التي تدخل في نطاق حرية التعبير والتجمع والتنظيم. كالدعوة إلي الإضراب السلمي عن العمل أو عن الدراسة. أو تنفيذ اعتصام سلمي في الطريق العام. وغير ذلك من الأفعال التي يفترض بالقانون أن يحميها لا أن يجرمها. ولم تكتف الحكومة المصرية بذلك بل حرصت علي اجراء تعديلات علي الدستور في شهر مارس 2007. اشملت التعديلات إضافة مادة جديدة تتعلق بمكافحة الإرهاب أدخلت إلي دستور البلاد أسوأ أحكام قانون الطوارئ. وبذلك أصبحت المادة 179 من الدستور تبيح لأجهزة الأمن بدعوي مكافحة الإرهاب تجاهل كافة تدابير الحماية الدستورية المتصلة بالاعتقال والاحتجاز. وتفتيش المنازل والأشخاص. وخصوصية الاتصالات والمراسلات. كما أجاز تعديل المادة لرئيس الجمهورية إحالة أي متهم يشتبه في ارتكابه أعمالا إرهابية إلي محاكم عسكرية أو استثنائية. وبذلك أصبحت هذه الانتهاكات التي طالما ارتكبها النظام المصري تتمتع بحماية الدستور! ويبقي القول إن النظام السياسي استغلال خطر الإرهاب طوال الفترة التي سبقت ثورة 25 يناير من أجل إصدار تشريعات تعسفية ومقيدة للحريات. وقام بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بدعوي مكافحة الإرهاب. شملت ممارسة التعذيب والاحتجاز السري وغير القانوني بشكل منهجي وعلي نطاق واسع. واستخدام المحاكم العسكرية والاستثنائية لإجراء محاكمات تنتهك معايير المحاكمة المنصفة. والانتهاك المتواصل للحق في حرية التعبير والتجمع والتنظيم.