هناك .. شمال خط عرض 22 الذي يفصل بين مصر والسودان .. يعيش مايقرب من 22 ألف مصري .. علي أرض الأجداد .. حلايب وشلاتين والتي تضم 5 قري " مرسي حميرة وأبرق وأبو رماد وحلايب ورأس حدربة" و حدودها الإدارية بعرض 135 كيلو متراً مع الحدود الإدارية لمحافظة أسوان وخط عرض 22 شمالا مع الحدود الدولية لدولة السودان عند "رأس حدربة". وسكانها من أبناء قبائل العبابدة والبشارية والرشايدة الذين يتمسكون بجنسيتهم المصرية. وقبيلة العبابدة .. يرجع نسبها إلي عبدالله بن الزبير بن العوام من السعودية والعراق والأردن والسودان ومصر .. ولها دور بطولي في صد حرب عصابات "البقارة" التي كانت تهجم علي الجنوب فأصبحوا حماة مصر علي بوابة الجنوب. ونشاطهم الأساسي الرعي وتربية الجمال وهم بارعون في إرشاد القوافل التجارية فهم لا يعتمدون علي البوصلات أو مواقع النجوم في الإرشاد بل يعتمدون علي اتجاه الرياح والشمس وهم في تنقل دائم من مكان لآخر بحثا عن الماء والمراعي. وللرجل العبادي زي خاص له هو عربان العبابدة البيضاء والعمامة البيضاء الكبيرة ويحمل في يده الكرباج. أما قبيلة البشارية فقد استوطنت منطقة حلايب والشلاتين في تاريخ محدد يرجع إلي عام 1906 بعد أن جفت الأمطار في شبه الجزيرة العربية فرحلوا معها إلي الجنوب أملاً في وصول الأمطار إليهم ويرتدي البشاري الجلباب الأبيض وعليه الصدرية وتعلو رأسه عمامة بيضاء طويلة كما يعشق البجاوي السيف والخنجر وهو يستخدمهما في الرقص فضلا عن الدفاع عن النفس. أما قبيلة الرشايدة فهي قبيلة أخري تعيش بعد مدينة الشلاتين ب 10 كيلومترات. يعتمد جميع أفراد الرشايدة علي تجارة الجمال ما بين مصر والسودان مما ميزهم مادياً عن باقي أبناء القبائل. وبعد سنوات طويلة توصل أهالي الجنوب إلي ما يميزهم عن غيرهم من مدن البحرالأحمر حيث مزجوا بين الحياة المدنية العصرية والحياة البدائية الفطرية البسيطة في الوديان وبين الجبال .. تجد الدش علي منزل حديث .. وبجواره كوخ من الخشب .. تناقض يعطي للحياة طعماً آخر مختلفاً .. وبالرغم من التطور الذي وصل إليهم إلا إنهم يحتفظون بعاداتهم وتقاليدهم خاصة في المناسبات الدينية .. فشهر رمضان .. هناك .. له مذاق وطعم وشكل مختلف تماما عن أي منطقة أو مدينة اخري .. فهم يستقبلونه بالفرحة والأغاني المتوارثة من الأجداد. ففي الشلاتين المدينة سيطرت لحد كبير الحياة الحديثة فبدأ التليفزيون والقنوات الفضائية .. تسحب من رصيد تراثهم و يقبعون في منازلهم لمشاهدة الأفلام ومسلسلات رمضان .. واتجهوا إلي تجهيز أطعمة مماثلة لأكلات المدن وأصبحت الأكلات المشهورين بها .. ضيفة علي موائدهم .. لكن في القري والوديان وفي حضن الجبل وفي قلب الصحراء .. مازال المواطن الشلاتيني .. متمسكاً بعاداته وتقاليده فبمجرد إعلان الرؤية أو تعرفهم عليها بأنفسهم تبعا لحسابات النجوم التي يجيدونها .. يقيمون جلسات الأفراح يجتمع شباب كل قبيلة ويقدم فنون الرقص الشهيرة بها وإنشاد الأغاني التراثية والدينية وذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم .. وأولياء الله الصالحين ..ومن أشهر أغانيهم .. فوق أبرق بنينا بيوتنا.. ولبن الإبل شرابنا وقوتنا.. والشاذلي الشريف ما يفوتنا.. والطنبور رقص بيوتنا "الجبنة .. اشهر مشروب" يقول محمد حسين سعيد .. من مشايخ قبيلة العبابدة .. إن أهالي الجنوب يحتفلون بشكل خاص بالشهر الكريم .. فبمجرد ظهور الرؤية يتبادلون التهاني و يجتمعون بديواوين القبائل لتقديم التهنئة لمشايخ وعقلاء كل قبيلة و خلال ذلك تدار جلسات الذكر وسهرات الأغاني ورقص الشباب .. ومن أشهر رقصاتهم التراثية "الروسيب" أو السيف والدرك حيث يمسك كل لاعب سيفا ودرعا مصنوعا من الجلد ويبدأ القتال والمبارزة بينهم كذلك رقصة البيبوب أو الطنبور والهوسيب وهي رقصات فلكلورية صحراوية جماعية تعبر عن الشجاعة والاقدام فهي ترقص بالسيف والدرع المصنوع من جلود الحيوانات ويتبادل افراد الراقصين اللعب بالسيف والدرع في شبه مبارزة لاثبات من الاقوي ولاظهار المهارات الخاصة بلعب السيف وكثيرا ما تقدم هذه الرقصة ضمن ليالي السمر. وتقدم خلالها مشروب ¢ الجبنة ¢ وهوعبارة عن قهوة مخلوطة ب¢القرفة والزنجبيل¢ يتم إعدادها علي نار هادئة بعد الحصول علي ال¢بن¢ الخام وتحميصه داخل أحد الأواني المصنوعة من الصاج. وبعدها يتم طحنه داخل وعاء فخاري. ووضعه بعد ذلك في الماء الساخن لمدة 3 دقائق ثم يتم صبه في أكواب "فناجين" صغيرة ويتناولونه بشرط عدم ترك أي بواقي للقهوة داخل الفنجان. لأن ذلك يعتبرونه إهانة لهم. ومادام لم يقلب الفنجان علي وجهه فمعناه انه يريد المزيد. وأيضا عندما لا يرغب الأهالي في ضيف عندهم لا يقدمون له هذا المشروب تعبيرا عن اعتراضهم علي وجوده. "العصيدة والقبوريت" ويشير إلي إنه بعد هذه السهرة والاحتفالية يتم تناول السحور والذي يكون عادة من ¢العصيدة¢ ويتم إعدادها بغلي الدقيق مع الملح وعجنهما جيدا بخشبة تسمي ¢الكشن¢. ويضاف إليها بعد ذلك اللبن الرايب والسمن. ا وهناك أيضا ما يسمي ب¢الديفوت¢ وهي وجبة تتكون من القمح المغلي في الماء ثم يضاف اليه اللبن وهي تشبه البليلة. ويضيف محمد سدو من مشايخ قبيلة البشارية فيقول إن لشهر رمضان قيمة ومكانة لدي أهالي الشلاتين وفرصة للتقارب بعد أن بدأت تسيطر حياة المدنية عليهم .. فهو ليس شهر كسل ولكن يستيقظون مبكرا ويتوجهون لأعمالهم والتي عادة تكون في الرعي والصيد بالنسبة لسكان الوديان والتوجه للوظائف في المدن وتبدأ السيدات في إعداد وجبة الإفطار والتي تضم وجبات شلاتينية .. في مقدمتها إعداد خبز يطلق عليه ¢القبوريت ¢ حيث يعجن الدقيق وتحفر حفرة في الأرض يوقد بها الحطب أو الفحم النباتي من شجر السيال حتي تهدأ النيران ثم يزال الجمر من الحفرة وتوضع العجينة بها علي شكل قرص ثم يوضع الرمل الساخن فوق قرص العجينة ثم يوزع الفحم الساخن علي الرمل وتترك 15 دقيقة ثم تقلب علي الوجه الآخر ويتكرر وضع الرمل والجمر بعدها تأتي بقطعة قماش نظيفة لإزالة التراب من علي الخبز بعد نضجه ثم يؤكل باللبن أو السمن. وهناك نوع آخرمن القبوريت الحجرية التي تنضج علي الحجر بعد تسخينه بالحطب حيث توضع مجموعة أحجار من حجر الجرانيت في الحفرة ويتم تسخينها ليوضع عليها قرص العجين ونوع آخرمن الخبز يطلق عليه الكسرة وعجينته تشبه عجينة القطايف المصرية وتنضج علي الدوكة "الصاج". بالإضافة للحوم التي يتم شيها علي الأحجار الساخنة بعد وضع شحم الذبيحة أسفلها حيث يتم تشفية اللحم وتحفر له حفرة في الأرض يشعل بها الحطب ثم تغطي النار بالحجارة حتي يسخن الحجر ثم يوضع علي الحجر شحم الذبيحة ليوضع عليه اللحم المشفي ويتم تقليبه حتي ينضج ثم يقطع إلي شرائح وهناك لحوم محفوظة يتم تحميرها ويطلق عليها انغلت حيث يتم تحميرها بشحم الذبيحة وكذلك هناك ¢السلول¢ وهو عبارة عن لحم ناضج يتم تعليق شرائحه في إحدي الأشجار لمدة أكثر من 30 يوما ثم يتم طحنها بعد ذلك لتضاف الي الطعام عند طهيه وهو يعد مثل مرقة الدجاج في المدن. ويضيف أحمد محمود .. أحد أبناء الشلاتين .. إنه أهالي الجنوب الذين في الوديان يعتمدون علي النجوم والغروب والشروق في التأكد من قدوم شهر رمضان ومواعيد السحور والإفطار .. وهم علي دراية كافية بهذه التوقيتات .. وعند معد الإفطار يتم في جلسات علي الأرض أمام المنازل وتضم مشايخ القبائل وكبارها والشباب أما السيدات فتتناولن إفطارهن في المنازل .. وذلك في القري والوديان أما في شلاتين المدينة فهذا يحدث في اليوم الأول لكن باقي أيام الشهر الكريم تتناول كل أسرة طعام الإفطار في منزلها مثل أهالي المدن.