يجمع المراقبون والمهتمون بالحالة المصرية علي أن تصاعد حدة الأزمات في مصر يتحمل مسئوليته جميع أطراف النخبة السياسية. التي وصل التناقض بينها لمرحلة تهدد كيان الدولة ذاته بفعل الممارسات غير المسئولة التي يغلب عليها العناد والانتهازية والكيد السياسي والخصومة والابتعاد عن أبجديات الممارسة السياسية الرشيدة التي تتبني الأجندة الوطنية فقط. ويؤكد صحة هذا التشخيص وجود حالة من التربص وافتعال الأزمات والتنكيل بالخصوم وإجهاض أي مبادرات إصلاحية لمجرد أنها صادرة من المنافس أو الخصم السياسي. تورط فيها الجميع ويدفع ثمنه المجتمع والوطن كله. حمل الدكتور رفعت السعيد. المفكر اليساري المعروف. مسئولية الفوضي والأزمات السياسية وتصاعد حدة الاحتقان والاستقطاب بين القوي السياسية للنظام السياسي بسبب فشله في إدارة ملفات الدولة. وقال: إن النظام السياسي الذي ينتمي لتيار الإسلام السياسي لا يملك رؤية واضحة للخروج من المشكلات التي يعاني منها المجتمع ويلجأ للعناد والكذب لهدر الوعود التي قطعها علي نفسه أمام الناس كما تفعل كل النظم الديكتاتورية. ويري السعيد أن المعارضة تقوم بدورها السياسي وتطرح تصوراتها لحماية الدولة من مخططات الاستحواذ والتمكين التي تبتلع الوطن لحساب فصيل سياسي وحيد. مؤكدا احترام التيار المدني لقيم الديمقراطية ورفض العنف والفوضي والتعبير عن الرأي والموقف والمقاومة بكافة الطرق السلمية. أشار إلي أن النظم السلطوية تدعي أنها تعمل لتحقيق مصالح شعوبها ولكنها في الحقيقة لا تستهدف سوي مصلحتها. مضيفا أن المعارضة سائمت الحوار الذي لا هدف منه غير إضاعة الوقت وإكساب النظام فرصة الظهور بمظهر الحريص علي التوافق وكسر عزلته السياسية. فلا يمكن التحاور بغير تعهدات واضحة وصريحة ووفق أجندة منضبطة وتعهدات للالتزام بها ولذلك دائما يفقد النظام مصداقيته وشدد علي أن المعارضة ورفض الممارسات السياسية بكافة الطرق السلمية حق مشروع يكفله الدستور والقانون.مبينا أن جميع القوي الوطنية غيورة علي مصلحة الوطن ومعارضتها للنظام والحكومة تستند إلي ضعف وفشل ظاهر ناتج عن ممارسات هدفها الحقيقي الاستئثار بالوطن والقضاء علي هويته. خطايا العمل السياسي أكد طارق الزمر. رئيس المكتب السياسي لحزب البناء والتنمية. أن العناد الذي يمارسه بعض النخبة السياسية من أهم خطايا العمل السياسي في مصر بعد الثورة. مبينا أن البعض يفهم خطأ أن صلابة الموقف حتي ولو علي حساب المصلحة العامة يعكس قوة ومقدرة كما يعتبر المرونة تساهلا وتفريطا حتي لو قادت إلي طريق مسدود وتزايد الاحتقان وإدخال المجتمع في مغامرات غير محسوبة. قال إن النخبة المخلصة هي التي تحمل أمانة العمل علي تقدم بلادها في كل المجالات. وتحرص علي ألا تكون شرا علي بلادها. مضيفا أن المتابع للمشهد السياسي يصطدم بحقيقة وجود بعض النخبة السياسية التي فقدت قدرا كبيرا من رشدها في أدائها وأهدافها بسبب تدهور وعيها وعنادها وإهدار فرص نقل مصر إلي مصاف الدول المتقدمة. أضاف أن بعض القوي السياسية ليس لها هدف سوي الالتفاف علي الإرادة الشعبية وتطرح مبادرات غير ديمقراطية تتجاهل مكانه ودور الشعب للخروج من الأزمة السياسية الحالية. مؤكدا وجود تدني في لغة الخطاب السياسي تصل إلي حد ارتكاب جرائم يعاقب عليها القانون.. كما يصر البعض علي استعمال أكثر الألفاظ والمصطلحات حدة في معالجة الشأن السياسي. وكأننا في ساحة حرب وليست ساحة معارضة سياسية. وهو ما يكشف مدي التحجر في إدارة الشأن السياسي الذي يستدعي نخبة ملهمة ومبدعة. تعلم كيف تختار الوسائل. وكيف تخطط لانقاذ بلادها. ولفت إلي أن البعض يمارس العناد علي أرضية الاختلاف والتقسيم السياسي الايديولوجي. مضيفا أن هناك تنافسا للتأثير في بناء النظام السياسي الجديد. ولكن يجب التحذير من خطورة أن يتم الاستناد إلي هذه الاختلافات الايديولوجية في مرحلة يجب أن تكون أهم معالمها تتمحور حول الاتفاق علي أولويات الثورة. والبرنامج العملي لاستكمال أهدافها بحيث لا نجعل هذا الخلاف أساسا للتقسيم أو تزايد حدة الاحتقان والاستقطاب بين الأطراف السياسية مما يعرقل أي إمكانية لحوار جاد يستوعب مشكلات المرحلة ويضع تصورا مشتركا لاستكمال الثورة. المصالح الحزبية حذر المستشار توفيق وهبة. رئيس المركز العربي لدراسات وبحوث التراث. من إعلاء المصالح الحزبية والشخصية علي مصالح الوطن. مبينا أن التعصب للأفكار والمصالح الذاتية قد يدفع الإنسان إلي التشبث بما لديه ومناصبة العداء لآراء وأفكار غيره حتي لو كانت علي حساب المصلحة العامة بدافع الرغبة في إثبات صحة موقفه أو لمجرد العناد أو لتسجيل المواقف والاستئثار بمقومات الوطن. قال إن المجتمع أصبح يعاني من الأنانيات المقيتة والجدل العنيف الذي لا يحقق أي تقدم ولا يساهم في حل الأزمات. مشيرا إلي أن ضرورة تحمل السياسيين في مصر مسئوليتهم الوطنية ورفض التعصب والأنانية التي جلبت التشاجر والتناحر والتنافس غير المحمود وتغليب منطق القوة والعنف. ويؤكد أن واجب المنخرطين في العمل العام هو البحث عن صيغ الحوار والتعاون والعمل المشترك مع جميع القوي السياسية والفكرية. وتجنيب المجتمع مخاطر الانقسام والاستقطاب والمواجهة والاحتراب. مشددا علي أن الالتزام به القيم خاصة مبدأ التوافق والتمسك بالقواسم مشتركة لا يعني رفض التنافس السياسي والسعي للفوز بثقة الناس من خلال العمل الجاد والاجتهاد والمثابرة لخدمتهم. يقول إن البعض يرفض المكاشفة والمصارحة مع الأمة ويتعمد ممارسة اساليب التضليل والدجل وخلط الأوراق والتعتيم علي الحقيقة والتظاهر بغير ما هو الواقع. مؤكدا أن هذه الأفعال تتسبب في الانفصال بين النخب والأمة وينزع الثقة منها. ويؤدي إلي تقاعس الجماهير عن التفاعل مع أفكارها وتحركاتها. طالب بتكريس الشفافية وثقافة حق المعرفة في العمل السياسي. معتبرا أن التفاعل البناء والمصداقية ومطابقة القول للفعل والمصارحة تجلب العديد من الثمار والفوائد خاصة علي مستوي زيادة الترابط بين الناس والنخب وزيادة الوعي السياسي والمشاركة وتحمل المسئولية والعذر في حالة القصور عن تحقيق كل التطلعات. الغاية تبرر الوسيلة رفض الدكتور مرعي سليم. استاذ الإعلام بجامعة الأزهر. المنهج البرجماتي الذي يعتمد عليه بعض السياسيين في تنفيذ أهدافهم الشخصية والحزبية. مبينا أن تغليب مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" في العمل العام مرفوض لانه يعبر عن انتهازية ممجوجة ولا يمكن المجادلة بأن الهدف نبيل ويحقق غايات سامية. يضيف أن الأمة عانت لسنوات طويلة من الديكتاتورية والزعيم الملهم والفكر الواحد والمنافقين وحملة المباخر. مشيرا إلي أن التقدم مرهون بأن يتحمل الجميع مسئوليته بأمانة وإخلاص وأن يلتزم المنخرطون في العمل السياسي بآداب وقيم الممارسة السياسية القائمة علي الحوار والتعاون ورفض المغالبة والاستقواء والاستعلاء والاقصاء. قال يجب الا يغيب عن بال جميع الشركاء المهتمين بالشأن العام والمنخرطين في مجالاته أن هناك أولويات في العمل السياسي تبدأ من الداخل وتنطلق للخارج كما يجب أن يعوا جميعا أهمية أن تكون وسيلة الوصول إلي الهدف السياسي سليمة وتتفق مع ما استقر في وعي الأمة وضميرها من القيم الإنسانية الرفيعة. فلا يجوز تحقيق مكاسب سياسية بوسائل لا إنسانية تعتمد علي الكذب والتدليس والتضليل. مؤكدا أن الإصلاح السياسي والعبور من المرحلة الانتقالية يحتاج إلي قرارات جريئة وتنازلات والعناد فيه لا يوفر أبدا أرضية مناسبة للإصلاح. بل يساهم في تراكم المزيد من المشكلات وتعميق أزمة الثقة وينسف جسور التفاهم والتعاون ويجعل الجميع في حالة احتراب تستهلك الطاقة والجهد ولا تحقق أهداف البناء والتقدم الذي تنتظره الجماهير.