من الأهداف الرئيسية التي انتفض من أجلها شعب مصر وفجَّر ثورته في الخامس والعشرين من يناير 2011 "عيش. حرية . عدالة اجتماعية". سأختار من بينها قيمة العدالة الاجتماعية أو العدل لتكون موضوعي اليوم. ذلك لأنه لن تستقيم حياة الناس في كل شؤونهم إلا مع العدل ونبذ الجور والظلم. وقبل الدخول في صلب الموضوع والتصويب نحو الهدف أذكر بأن مادة العدل وردت بالقرآن الكريم سبعاً وعشرين مرة في معرض المدح والترغيب. منها علي سبيل المثال لا الحصر قوله تعالي : ¢ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ¢ الشوري آية 15. وقوله : ¢ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي ¢ المائدة آية 8. وقوله : ¢ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ¢ الأنعام آية 152. وقوله : ¢ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ¢ النحل آية 90. ولعلكم تلاحظون في هذه الآيات الكريمة أن الله تعالي استخدم فعل الأمر. أما الظلم وهو نقيض العدل وضده فقد وردت مادته في القرآن الكريم منهياً عنه في أكثر من مائة وثمانين مرة في معرض الذم وكررها الله لنا كثيراً هكذا لفداحة الظلم وقسوته علي النفس إلي حد أنه تعالي "الذي لا يُسأل عما يفعل" قد حرمه علي نفسه في الحديث القدسي : يا عبادي إني حرمت الظلم علي نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ¢ أو كما قال جل في علاه . أقول هذا الكلام بمناسبة ما يدور هذه الأيام من حوارات حول قانون السلطة القضائية. فأتمني ألا يغفل القانون طريقة ونظام التعيين في سلك النيابة ومن ثم القضاء وأن ينص القانون علي أن يكون التوظيف هنا علي أسس ومعايير الإنصاف والعدل بين خريجي كليات الشريعة والقانون والحقوق : أولا - الأعلي تقديراً أو معدلاً . ثانيا - الأقدم تخرجاً . ثالثا - الأكبر سناً. ويجب علي طلاب وأساتذة الشريعة والقانون أن يتمسكوا بهذه المعايير وألا يفرطوا فيها. وكفانا ظلما وتدليسا ونفاقا. لقد شبعنا منها وأتخمنا. بل وأن تكون هذه المعايير هي المعمول بها في شتي القطاعات لأن قطاع الإعلام هو الآخر أصبح كما لو كان وقفاً لصالح أسر بعينها . كما يجب تشديد الرقابة كذلك علي تعيين أبناء أساتذة الجامعات كمعيدين أو مدرسين مساعدين ومدرسين . من خلال التدقيق في الشروط المطلوبة للوظيفة لأنه في كثير من الأحيان يتم تفصيل شروط علي مقاس ابن أو بنت أو قريب رئيس الجامعة أو عميد الكلية أو حتي رئيس القسم . أيضا مما دفعني للحديث في هذا الموضوع ما صرح به وزير القوي العاملة السيد خالد الأزهري لقناة الجزيرة مباشر مصر يوم 1 مايو حول هيكلة الأجور. إذ يبدو من كلام الرجل ومن معه أنهم لا يضمرون خيرا من خلال تأكيده أكثر من مرة علي أنه سيكون هناك تفاوت واختلاف في الأجور بين جهة وأخري . العدل يا سادة ياكرام من القيم العظيمة التي جاءت بها الشرائع السماوية قاطبة. وحث الإسلام عليها ورغب فيها وجعلها من أهم الغايات. وإذا تحقق العدل تحقق معه العيش والحرية لكرامة الإنسانية التي غابت عن المصريين طويلا وإن لم يتحقق العدل فلن يتحقق شيء من هذا القبيل وسنكون كأولئك الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة . يا شعب مصر العظيم لا تتنازل عن العدل ولا ترض بالظلم . فالظلم حرمه الله علي نفسه ويا ليت كل منا يبدأ بنفسه ما استطاع في بيته وفي عمله . في أقواله وفي أفعاله . فلا يجوز أن نأمر الناس بالبر وننسي أنفسنا أو نقول ما لا نفعل حتي لا نكون ممن عناهم الله تعالي بقوله في الآيتين 2 و3 من سورة الصف: ¢ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ¢ . وأشهد الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور أني لا أقصد أحدا ولا مكانا بعينه. إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت والله من وراء القصد .