* يسأل محمد أبو جاب الله: ما حكم الدين في البلطجة؟ ** البلطجة كلمة تعني استخدام العنف والقوة لترويع الناس أو أخذ ممتلكاتهم. وهي بهذا كبيرة من كبائر الذنوب. وانتشارها يقضي علي الأمن والاستقرار الذي حرصت الشريعة الإسلامية علي إرسائه في الأرض. وجعلته من مقتضيات مقاصدها. والتي من ضمنها الحفاظ علي النفس والعرض والمال. فنهت الشريعة الإسلامية عن مجرد ترويع الآمنين. حتي ولو كان علي سبيل المزاح. أو باستخدام أداة تافهة. أو بأخذ ما قلت قيمته. فقد أخرج الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه عن النبي - صلي الله عليه وآله وسلم - قال: "لا يشير أحدكم علي أخيه بالسلاح. فإنه لا يدري. لعل الشيطان ينزع في يده. فيقع في حفرة من النار" وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم - صلي الله عليه وآله وسلم: "من أشار إلي أخيه بحديدة. فإن الملائكة تلعنه. حتي يدعه وإن أخاه لأبيه وأمه" وأخرج البزار والطبراني عن عامر بن ربيعة - رضي الله عنه: أن النبي - صلي الله عليه وآله وسلم - قال: "لا تروعوا المسلم. فإن روعة المسلم ظلم عظيم". فإذا زاد الترويع إلي حد الاستيلاء علي الممتلكات بالقوة أو حتي بإيهام القوة - فضلا عن الخطف أو الاعتداء علي النفس أو العرض - دخل ذلك في باب "الحرابة" "وقطع الطريق" وهو كبيرة من كبائر الذنوب. شدد القرآن الكريم الحد فيها وغلظ عقوبتها أشد التغليظ. وسمي مرتكبها "محاربين لله ورسوله. وساعين في الأرض بالفساد كما أوضح ذلك في سورة المائدة: 33 بل نفي النبي - صلي الله عليه وآله وسلم - انتسابهم إلي الإسلام فقال في الحديث المتفق عليه: "من حمل علينا السلاح فليس منا" رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر وأبي موسي - رضي الله عنهم. ومن فداحة هذه الجناية أن الحد فيها لا يقبل الإسقاط ولا العفو باتفاق الفقهاء. لأنها انتهاك لحق المجتمع بأسره. فلا يملك المجني عليه العفو فيها. وقد جعل الشرع للمعتدي عليه الحق في دفع المعتدي ولو بالقتل إذا لم يجد سبيلا غيره. ولا تبعة عليه في ذلك من قصاص ولا دية ولا كفارة. والإسلام يوجب مساعدة الإنسان لأخيه وإنقاذه من الاعتداء عليه. ومن مات في ذلك فهو شهيد. وعد الشرع الإحجام والنكوص عن النصرة والنجدة لمن يستطيع ذلك - ولو بالإبلاغ عن البلطجية المفسدين - تقاعساً يلحق الوزر بصاحبه. بل وإعانة علي الظلم. حيث جعل النبي - صلي الله عليه وآله وسلم - المتقاعس عن نصرة المظلوم مع قدرته علي ذلك مشاركاً للظالم في بغيه وظلمه. فعن ابن عباس - رضي الله عنهما أن النبي - صلي الله عليه وآله وسلم - قال: "لا يقفن أحدكم موقفا يقتل فيه رجل ظلماً. فإن اللعنة تنزل علي كل من حضر حين لم يدفعوا عنه. ولا يقفن أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما. فإن اللعنة تنزل علي من حضره حين لم يدفعوا عنه" رواه الطبراني والبيهقي بإسناد حسن كما قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب. كما أوجب الشرع علي الأفراد والمجتمعات أن يقفوا بحزم وحسم أمام هذه الممارسات الغاشمة وأن يواجهوها بكل ما أوتوا من قوة حتي لا تتحول إلي ظاهرة تستوجب العقوبة العامة. وتمنع استجابة الدعاء. فقال النبي - صلي الله عليه وآله وسلم - : "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا علي يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده" أخرجه أبوداود والترمذي وصححه وابن ماجه والنسائي من حديث ابي بكر الصديق - رضي الله عنه. وروي الترمذي وحسنه من حديث حذيفة - رضي الله عنه أن النبي - صلي الله عليه وآله وسلم - قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله ان يبعث عليكم عذاباً منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم". وعدّ النبي - صلي الله عليه وآله وسلم - في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما - القرية التي لم تأخذ علي يد القاتل وتمنعه من جرائمه "قرية خبيثة" وفي رواية مسلم "أرض سوء" يهاجر منها من أراد التوبة. وقد حمل الشرع المجتمع مسئولية حماية أفراده. وظهر ذلك جليا في التشريعات الإسلامية. فشرعت القسامة عند وجود قتيل لم يعرف قاتله في حي من الأحياء. بان يحلف خمسون من أهل الحي أنهم لم يقتلوه ولا يعرفون قاتله. ثم يغرمون ديته عند جماعة من الفقهاء مع أن الأصل براءة ذمتهم من القتل. إلا أن القتيل لما دخل مكانهم كان كالملتجئ إليهم والمحتمي بهم. فصار تفريطهم في حمايته مظنة اللوث. وكما أن البلطجة كبيرة من الكبائر وإفساد في الأرض في نظر الشرع. فإنها جريمة نكراء في نظر القانون. حيث أفردت لها مواد عقابية أضيفت إلي قانون العقوبات. وشددت فيها العقوبة عن غيرها. وذلك بموجب القانون رقم "6" لسنة 1998م. الذي حل محله المرسوم بقانون رقم "10" لسنة 2011م تصديا لانتشار هذه الجرائم في الآونة الأخيرة. عملا بمبدأ "يحدث للناس من الأقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور". والبلطجة التي جرمها القانون لها صور مختلفة منها: استعراض القوي. التلويح للمجني عليه بالعنف المادي أو المعنوي. التهديد باستخدام العنف بالتعرض لحرمة الحياة الخاصة. إلحاق الضرر بممتلكات الغير. إلحاق الضرر بمصلحة خاصة بالمجني عليه. تعريض المجني عليه للخطر. المساس بالشرف والكرامة. المساس بسلامة الإرادة. حمل السلاح أو أداة كهربائية أو مواد ضارة. اصطحاب حيوان يثير الرعب.