أثار قانون الجمعيات الأهلية الجديد الذي يناقشه مجلس الشوري الكثير من الجدل والمداولات فيما بين ثلاث جهات تتنازعه. ولكل منها وجهة نظر. وتتمثل في رؤية المجلس نفسه الذي تتقاسمه الآراء بسبب التنوع السسياسي والحزبي. ثم الحكومة الساعية لفرض سيطرتها علي كل تفاصيل العمل المدني. ثم الجمعيات الأهلية صاحبة المشكلة والتي تريد ¢الحرية¢ والبعد عن الروتين في عملها الإنساني البحت. وفي محاولة للتقريب بين تلك الجهات والوصول الي حل وسط والخروج بقانون يخدم المجتمع المصري. نعرض لجوانب ذلك القانون. في البداية تشير الإحصاءات الي أن عدد الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مصر حوالي 46000 " 46 ألف" جمعية. تعمل في المجتمع المصري الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 92 مليون نسمة. وبهذا فعدد الجمعيات والمنظمات الأهلية لا يتناسب مع هذا العدد. ويهدف المجتمع المدني المصري. انطلاقاً من مبادرات فردية أو جماعية. إلي خدمة الإنسان المصري دون التمييز بين اللون أو الجنس أو الدين. ويؤمن المجتمع المدني المصري خدماته في المجال الثقافي. والاقتصادي. والتعليمي الفني. تعمل الجمعيات الأهلية في مصر. في مناح إنسانية واجتماعية حيوية وخاصة لأفقر الفقراء. وعلي سبيل المثال تؤمن المؤسسات الإجتماعية حوالي 27% من الخدمات والاحتياجات الصحية للمجتمع المصري.ومن المهم أن يضمن القانون المطروح تفعيل المبادرات الفردية والجماعية. وتسهيل ودعم عمل الجمعيات. وحل مشكلاتها وتسهيل الإجراءات الإدارية والمالية. كما انه من المفضل أن يخلق القانون المنظم للجمعيات جواً من الثقة والأمان والتفاهم والحوار والتواصل. ودعم الشراكة. ومواجهة كل العقبات لتسهيل عمل المجتمع المدني. فهو شريك في بناء الوطن والعمل الإنساني. ومساند للدولة. فالمجتمع المدني يختلف عن الأحزاب بشكل كبير. فليس له مطمع في سلطة أو نفوذ أو في فرض أيديولوجية معينة. ولكن يهدف بالأساس للارتقاء الشامل بالإنسان والمجتمع المصري. وحماية حقوق المواطنين. من أجل القيام بهذا الدور. لابد من وجود قانون وإطار تشريعي واضح ومساند ومشجع. قائم علي الحرية وسيادة القانون. القانون الداعم هو نقطة انطلاق. لتفجير المبادرات وتفعيل التضامن والتعاون وروح التطوع والعطاء والإحساس باحتياجات المواطن. ومواجهة المشاكل في جميع مناحي الحياة. رأي المختصين في البداية يعرض مجدي جرس- المدير العام المساعد. لجمعية كاريتاس مصر- لوجهة نظر الجمعيات الأهلية التي اجتمعت للتباحث حول القانون المطروح علي مجلس الشوري ويختص بقانون الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني. فيقول: وجهة نظرنا تعتمد علي المسودة الثانية المطروحة بتاريخ 20/3/2013. وتم الحوار حولها بمجلس الشوري. يضيف ¢جرس¢: وتتمثل وجهة نظرنا حول المواد المطروحة كالتالي: المادة "1": بالنسبة للأهداف المذكورة. أنبه إلي أنه يجب الإشارة ايضاً إلي الأهداف. الثقافية والعلمية والتأهيلية والفنية. المادة "3": الرجاء إلغاء النص الذي يصرح بأن أموال الجمعيات في حكم الأموال العامة. حيث إن بعض الشركاء والداعمين يطالبون برد أموالهم في حالة عدم احترام الاتفاقات المبرمة. وتطبيق هذه المادة يحد من تنظيم الدعم الخارجي وكذلك الداخلي من خلال الشركات والمنظمات الدولية وأيضاً الأفراد. المادة "14" : لتسهيل عمل الجمعيات. يجب إلغاء منطق الحصول علي إذن من الوزير المختص. للأموال الواردة من الشركاء "أشخاص أو شركاء أو أفراد" من الخارج. فالجمعية تُخطر مسبقاً الجهات الإدارية بمحتوي المشروع المقدم. الهدف. والإستراتيجية. ونطاق العمل الجغرافي. وفريق العمل. والنتائج المتوقعة. والميزانية المقترحة. وعلي الجهات الإدارية. أن تتابع كيف تم تنفيذ الإستراتيجية والخطة المطروحة. للأسف هناك تأخير يرجع للجهات الأمنية. التي ليس لها أي اتصال مباشر بميدان العمل والواقع الاجتماعي المطروح له خطة زمنية منظمة. مرتبطة بأسلوب الاتفاق المحددة خطواته. التأخير يؤثر في كيان المشروع والنتائج السلبية للمستفيدين. والتزام العاملين. الجهات المعنية نخطرها مسبقاً وتتابع مصداقية العمل تباعاً.والجهات المعنية تطالب المجتمع المدني بتقديم الخدمات للمواطنين. وفي نفس الوقت تضع ضوابط وشروطاً متشددة وصارمة. تكبل العمل الأهلي. هذا ما تشير له المادة "14". المجتمع المدني ليس ضد المتابعة والتعاون مع الجهات المعنية. ونأمل في تفعيل أجواء الحرية والانتماء. لدعم مصداقية العمل. ودفع الجهود والمبادرات لخدمة المواطن المصري. المادة "33": مجلس الإدارة بالجمعية يحدد هيكلية العمل للجمعية. ويحدد الفترة الزمنية للمدير التنفيذي متطوعاً أو بمرتب شهري. المادة "35": اعتبار أموال الجمعيات أموال عامة. يحد من دعم الممولين في حالة تقاعس الجمعية عن شروط تنفيذ المشروع. ويتطلب الأمر برد أموال الممولين. وهذا يعلن رسمياً في الاتفاقيات المتفق عليها بين الشركاء. المادة "39": يجب تحديد المدة في موضوع طلب الترخيص الخاص بدور الإيواء. وللأسف يستغرق الروتين والبيروقراطية وقتاً. تعكس نتائجه إلي إهمال الطلب. والإقلاع عن الاستمرار في تحقيق المشروع من قبل الجمعية أو المؤسسة المتقدمة به. المادة "63": من المهم مد مدة التصريح للمنظمات الأجنبية إلي "5" سنوات وليس "3" سنوات. نظراً للإجراءات الإدارية والفنية والمادية التي تحتاجها المنظمة لمتابعة تأسيسها في مصر. ينطبق علي المنظمات الأجنبية ما أوردته في المادة "14" من حرية الحصول علي الأموال مع الإخطار المسبق للجهات المعنية بخطة واستراتيجية المشروع المنفذ. وعلي الجهات المعنية متابعة العمل تباعاً انطلاقاً من المستندات الرسمية المقدمة. مالياً وفنياً. المادة "70" : لا تستقيم الأمور بتدخل الجهات الإدارية والاعتراض علي أي قرار تطرحه الجمعية العمومية أو مجلس الإدارة للجمعية أو المنظمة. حيث إن المجتمع المدني يخطر الجهات الإدارية بالقرارات والتقارير واللوائح اللازمة حسب رؤيته. لتوجيه الأمور. وتصحيح مسار عمل الجمعية. وهي المنوط لها إدارة الأمور والتعايش الواقعي في ميادين العمل الإنساني والاجتماعي. وكما يقول المثل الشعبي ¢اللي ايده في الميه غير اللي ايده في النار¢. وهذا يعني أن للجمعية أو المنظمة الأهلية لديها الخبرة والمسئولين لتقديم الأمور السلبية والإيجابية. ومن خلال المتابعة والتواصل مع الجهات الإدارية يتم توضيح ثغرات الفساد والتوجهات غير السليمة. ويتم علاج هذه الأوضاع من خلال القانون. يستطرد ¢جرس¢ قائلاً: نأمل من القانون المطروح أن يؤمن جواً أكثر عدلاً. يمنح الحرية للمجتمع المدني. لممارسة عمله والتزاماته بقوة وفعالية. كما نود أن تصبح مواد القانون غير مطاطة. ولا تحمل أكثر من تأويل أو تفسير. وقد تنتج بعض هذه البنود المزيد من التدخل والتعقيد للعمل الأهلي في مصر. وفيما يتعلق بالمادة "71" : يجب أن تقتصر العقوبة في القانون الجديد علي الغرامة فقط وعدم الحبس أو مصادرة الأموال الخاصة بالجمعية. هذا النوع من العقوبات التي تتضمنه المدة "71" لا تتناسب مع طبيعة عمل المجتمع المدني. والعقوبات المفروضة لا تتماشي مع ما تم سرده من مخالفات هي بالأساس لا تخرج عن إطار الأمور الإدارية. الواقع والمأمول يقول مصطفي علي- مدير الإعلام بالإغاثة الإسلامية عبر العالم-: بداية ينبغي أن نفرق بين شيئين. الأول وهو ما كنا نتمناه كجمعيات أهلية تعمل في المجال المدني والإغاثي. والثاني: هو ما حدث بالفعل.. خاصة بعد ان اتفقت الجمعيات الأهلية فيما بينها علي مسودة لمشروع القانون. لكن اهم ما أضيف إليها هو: 1- مسألة الإشهار وهذا مهم جدا لأن وكلاء أي جمعية من حقهم العمل رسميا عقب مرور 60 يوما علي إبلاغ الجهات المسئولة وعدم تلقيهم أي رد. وإن كانت هناك ملاحظات علي هذا من قبل البعض وقد صرح به أحد مسئولي العمل الأهلي الأوروبي من أنه يُسهّل العمل لجمعيات غير جادة في مساعيها للعمل المدني والاجتماعي. 2- تشكيل مجلس أو لجنة رقابية أو استشارية للجمعيات الأهلية علي ان يكون بها مندوب أمني للإشراف. واقترحنا تمثيل 10 جمعيات و4 من الجهات الأمنية والمسئولة المختلفة. ويعرض د. محمد الألفي- رئيس مجلس أمناء الإغاثة الإسلامية عبر العالم- لرؤية الجمعية في الآتي -: 1 ألا تقع الجمعيات الأهلية تحت الرقابة الحكومية بل الرقابة الشعبية ممثلة في مجالسه المنتخبة مثل الشعب أو الشوري حتي تكون للجمعيات كفاءة وقدرة علي التواجد في الشارع. والمجالس المنتخبة تشعر بهذا أكثر من الحكومة. ثم إن أموال تلك الجمعيات هي اموال من الشعب ومن له حق المراقبة هو الشعب نفسه ومن يمثله وليس الحكومة. ومن الأمور التي تدعو للعجب والحيرة ما قدمه حزب الحرية والعدالة من مقترح يطالب بالرقابة الحكومية بعد أن ضمن الحكومة له. في حين أن العمل الأهلي يجب إبعاده عن أي توجه أو رقابة حكومية حتي لا يتلون بلون سياسي معين خاصة وأن الحكومات متغيرة اما العمل الإنساني فهو ثابت وليس له لون أو جنس أو سياسة بل هو عمل إنساني بحت وينبغي أن يظل هكذا. فكيف نربطه بالحكومات المتغيرة؟ 2- يجب ألا تُعامل أموال الجمعيات الأهلية معاملة المال العام. فليس من المعقول ان إنسانا بادر لعمل الخير ثم أخطأ فيُتهم بإهدار المال العام وبالتالي يقع تحت طائلة القانون والعقاب. 3- فيما يتعلق بالتمويل الخارجي. وقد عانينا فترة طويلة تحت ظل النظام السابق ومازلنا بسبب هذا الموضوع. فالمشكلة ان الرقابة الحكومية لا يُقصد بها التمويل المادي فقط بل أيضاً العمليات التنسيقية والإدارية والإشراف. فكيف يُسمح للحكومة بالرقابة علي جمعيات أهلية هي بالأساس تقوم بسد ما عجزت عنه الحكومة؟! لذلك نري أن تكون هناك جهة رقابية مستقلة وليست الحكومة التي هي طرف في القضية. إشادة ¢إنجيلية¢ من جانبه أشاد الدكتور القس أندريه زكي- مدير عام الهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية- بمسودة القانون الجديد للجمعيات الاهلية. والتي قدمها حزب الحرية والعدالة. وتم طرحها للحوار داخل لجنة الاستماع التي عقدها مجلس الشوري مع عدد من ممثلي المجتمع المدني. وذلك باعتباره أول قانون للجمعيات يصدر بعد الثورة. والذي قضي علي بعض المعوقات التي كانت تقف في وجه قيام مؤسسات المجتمع المدني بأداء دورها في خدمة الوطن في هذه المرحلة الفارقة من تاريخ مصر. وفي نفس الوقت تحفظ ¢د. أندريه¢ علي عدد من المواد التي جاءت بمسودة القانون. ومن بينها وجود أكثر من جهة تتولي منح الموافقة علي الهبات والتبرعات التي ترد للجمعيات من الداخل و الخارج. مؤكدا ضرورة توحيد جهات الاختصاص. مع إحكام الرقابة علي التصرف في هذه المنح ومطابقتها للقانون. كما شدد علي ضرورة توضيح وتحديد بعض معاني الكلمات التي جاءت في سياق بعض مواد القانون. دون الانتظار لصدور اللائحة التنفيذية له.