فطرة النفس مجبولة علي الحزن عند المصائب. فالقلب يحزن والعين تدمع والنفس يملأها الألم. تلك هي الطبيعة التي جميعا نستشعرها عن إلمام الحوادث. ومنا من يصيبه الجزع ويتسخط ومنا من يرضي ويستسلم. لكن حالة المؤمن في مصابه تكون خالية من الجزع والسخط. فإن الإيمان يملأ قلبه حتي عند اختلاط الأسي بنفسه. والحقيقة أن التشكي والتسخط واليأس من روح الله لا يقدم ولا يؤخر إلا أنه يذهب بالثواب الذي ينتج عن الرضا بقضاء الله وقدره. أما البكاء والحزن فما هما إلا قناة للتعبير عما ألم القلب من ألم. وإذا كان دمع العين وحزن القلب وفاء لمن فقدنا ورقة عليه وارتباطا به فلا شيء فيه. فكما روي ابن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلي الله عليه وسلم - كان في جنازة مع عمر فرأي امرأة تبكي فصاح عليها عمر. فقال النبي: "دعها ياعمر. فإن العين دامعة. والنفس مصابة. والعهد قريب". وكذلك فعل النبي - صلي الله عليه وسلم - عندما مات ابنه فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دخلنا مع رسول الله - صلي الله عليه وسلم - علي أبي سيف القين وكان ظئرا - أي مرضعا - لإبراهيم فأخذ رسول الله - صلي الله عليه وسلم ابراهيم فقبله وضمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وابراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - تذرفان فقال له عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه وأنت يارسول الله فقال يا بان عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخري فقال صلي الله عليه وسلم إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون". هكذا يعلمنا النبي ان نحزن إذا ما أصبنا في عزيز علينا. ولكن حزن في إطار التسليم بحكم الله والاستسلام لقدره والرضا بمشيئته الذي يعقبه جزاء الصابرين الذي لم يفصح ربنا سبحانه وتعالي عن حقيقته فقال سبحانه: "إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب". وتحضرني قصة ذكرها ابن بطال في شرحه للبخاري عن الحسن قال لما مات ابنه سعيد بكي عليه حولا. فقيل له: يا أبا سعيد. تأمر بالصبر وتبكي؟ قال: الحمدلله الذي جعل هذه الرحمة في قلوب المؤمنين يرحم بها بعضهم بعضا. تدمع العين. ويحزن القلب. وليس ذلك من الجزع. إنما الجزع ما كان من اللسان واليد. فاللهم ارضنا بقضائك وقدرك وأخلفنا في مصيبتنا وأبدلنا خيراً مما فقدنا.