قدر لي الله ان ألبي دعوة الجمعية الإسلامية بسنغافورة للمشاركة في المؤتمر الثامن للجمعيات الإسلامية بجنوب شرق آسيا.. ذلك الاجتماع الذي تعقده الجمعية ومنظمة الايسيسكو سنويا وكان الموضوع الرئيسي لهذا المؤتمر هو "المؤتمر الدولي للجمعيات الإسلامية غير الحكومية.. قضايا وتحديات" بدأ الحفل بحضور يعقوب ابراهيم وزير الإعلام في سنغافورة وعدد كبير من الدبلوماسيين والشخصيات العامة وأعضاء المجلس الأعلي للتربية والثقافة في الغرب وعدد لا بأس به من مسئولي الجمعيات والمؤسسات الإسلامية في المنطقة لأكثر من عشرين دولة. وكان قدري أن أجلس بجوار الوزيرة "فاسبورن سانجا وسوبانا" من سفارة تايلاند تلك المملكة التي تغلب عليها لديانة البوذية. ثم بدأ المقدم في استعراض البرنامج وكانت الوزيرة تضع قدما علي الأخري طيلة الوقت وعندما تم تقديم أحد القراء لقراءة بعض آيات الذكر الحكيم وجدت هذه الوزيرة تنزل قدمها وتجلس بوقار شديد إلي أن انتهي القارئ من قراءة آيات القرآن الكريم تحركت لتضع مرة أخري قدمها علي الأخري طيلة حفل الافتتاح. في البداية لم أتصور أنها تقصد الاحترام والوقار للقرآن الكريم وظننت أنها حركة عفوية.. لكنني ظللت أتابعها حيث لم تحرك ساكنا خلال فترة القراءة. فشدني هذا التصرف الحضاري وازداد حبي لهذا البلد الذي قمت بزيارته عدة مرات. وعندما تذكر أمامي كلمة تايلاند يجول بخاطري هذه الصورة الحضارية الرائعة. فرغم أن البعض يحاول النيل من هذا الدين العظيم عبر الإساءة لرموزه كالأفلام والصور المسيئة توجد كواكب مضيئة مثل تلك الوزيرة التي تحرك القلوب لمزيد من الاحترام والتعايش والتعاون من أجل مستقبل أفضل لهذه البشرية التي أنهكت بالصراع والحروب وزرع بذور الحقد والخلاف والشقاق رغم وجود الحديد من العوامل الداعمة للحوار والتعايش والتعاون. فشكراً لك أيتها الوزيرة الرائعة.. فكم كان تأثيرك بالغاً في قلبي وقلب كل إنسان تحدثت معه وذكرت تلك اللفتة الرائعة كما سيكون بالغاً في قلوب قراء هذه الخاطرة ولو أنني استمعت إلي محاضرات تدعو إلي الاحترام المتبادل والتعامل الحضاري سيكون التأثير أقل بكثير من تأثير هذه اللفتة الحضارية الرائعة وكما يقال "عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل لرجل". وهنا أنقلكم نقلة أخري إلي أوروبا حيث عشت بها أكثر من ثلاثة عقود وذكر لي الأستاذ عبدالله بورك رئيس إحدي الجميعات الإسلامية الألمانية. إحدي الصور الحضارية بإحدي المدن الألمانية الصغيرة التي كان يوجد بها إحدي فروع جمعيته وسط أربع كنائس لأربع طوائف مسيحية مختلفة وكما هو معروف لا يسمح برفع الأذان عبر مكبرات الصوت في ألمانيا فالإسلام غير مترف به هناك. ولكن هذه الجمعية كانت ترفع الأذان عبر مكبرات الصوت دون ان يتعرض لها أحد حيث تعايشت وتعاونت مع الجيران والكنائس والمؤسسات إلي أن أرسل أحمد المواطنين إلي بلدية المدينة يطلب عدم الأذان في مكبر الصوت حيث يسبب له بعض الإزعاج. فأرسلت البلدية رسالة إلي المسجد لوقف ا لآذان عبر مكبر الصوت. وانصاعت إدارة المسجد للطلب إلي أن فوجئت إدارة المسجد بحضور ممثلي الكنائس الأربع إلي المسجد لتسأل عما حدث حيث لا يستمعون إلي الأذان لعل مكبر الصوت لم يعد صالحا فيقومون بشراء آخر كهدية للمسجد حيث انهم يعرفون ان المسجد محدود الإمكانيات ويقوم علي التبرعات القليلة من المسلمين الذين كانوا محدودي العدد وأن ميزانية المسجد لاتقوي علي مزيد من المصاريف.. وعندما علموا بحقيقة الأمر.. وفي لفتة حضارية رائعة أقلعت أجراس الكنائس الأربع عن القرع إلي أن تراجعت البلدية عن قرارها. فعادت أجراس الكنائس تقرع بعد ان استمعوا إلي عودة الأذان. فأشكرك مرة أخري أيتها الإنسانة الرائعة لقد أثرت في نفسي مزيداً من المشاعر تجاه الشعب التايلاندي الهادئ الرقيق وتجاه لفتة حضارية تزيد من إثراء جو الحوار والتعايش والتعاون فحياتنا قصيرة علي هذه الأرض التي أنهكتها الحروب والصراعات. فمزيداً من تلك الروح الجميلة حتي نورث حياة أفضل لأجيال تتطوق شوقاً إلي العيش علي أرض تخلو من الصراع والتنافر والتناحر.