هل انتهي فكر القاعدة بموت بن لادن سؤال شائك ربما تعجز أكبر أجهزة المخابرات في العالم عن الوصول إلي اجابة دقيقة له. بل ان كثير من الدراسات الصادرة عن العديد من المراكز البحثية المحترمة ترجح استمراره. لكن السؤال الأكثر إلحاحاً وما يعنينا طرحه هو هل وصل فكر القاعدة لمصر؟ صحيح انه يكاد يجمع الباحثون وعدد من الجهاديين السابقين ومسئولون أمنيون علي نفي أي وجود تنظيمي للقاعدة في مصر. إلا أن هناك شواهد كثيرة تنذر بوجود الفكر الجهادي العنيف الذي تؤمن به عناصر وخلايا تتواجد داخل المجتمع المصري وتربطها صلات بالقاعدة وقادتها. ولعل الضجة التي أحدثتها تصريحات المهندس محمد الظواهري. زعيم السلفية الجهادية بمصر والشقيق الأصغر للدكتور أيمن الظواهري قائد تنظيم القاعدة. والتي نشرتها الزميلة جريدة "الجمهورية" الأسبوع الماضي وأكد فيها أن فكر القاعدة أصبح موجوداً الآن في مصر وأن هذا الفكر سينتشر في المرحلة المقبلة بشكل واسع. تكشف عن أبعاد الخطر الذي يمكن أن تواجهه مصر إذا تحققت تلك النبوءة. وتعطينا الأحداث الجارية في سيناء والإعلان عن تنظيمات تنتمي للفكر المتطرف التكفيري بها مؤشراً عن حجم الأزمة التي تطل برأسها من جديد علينا. ويزيد الموقف وضوحاً المحاكمة التي ستجري يوم 14 نوفمبر القادم والخاصة بأكبر تنظيم والمنتمي لتنظيم القاعدة ويعتنق أفكار جهادية متطرفة قائمة علي تكفير مؤسسات الدولة وشرعية الخروج عليها ومنعها من أداء عملها. وربما يكون من المفيد هنا الإشارة إلي الانتقادات الحادة التي يوجهها تنظيم القاعدة إلي جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتحميلها مسئولية إهدار تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل كامل وفوري. وتعطيل قيام الخلافة الإسلامية. واتهام الجماعة بمهادنة الصهاينة والقبول باستمرار اتفاقية كامب ديفيد التي تنتهك السيادة المصرية. الإخوان والقاعدة ونظراً لخطورة الاتهامات بما تحمله من أبعاد شائكة فقد اضطرت الجماعة إلي الرد علي ما يروجه قادة تنظيم القاعدة ضدها. حيث أكد الدكتور محمود غزلان. الناطق الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمون. ان الانتقادات التي توجهها القاعدة أخيراً للجماعة تكشف وسطية الجماعة واعتدالها بمواجهة المتطرفين الذين يعتمدون العنف لتحقيق أهدافهم. وشدد علي أن الجماعة تنتهج وسطية معتدلة وتؤمن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن طريق الموعظة الحسنة. ومبيناً انها تعتمد علي العمل السياسي الديمقراطي وتحترم إرادة الناس التي تظهر في صناديق الاقتراع. واعترف بوجود فجوة عميقة بين الجماعة وتنظيم القاعدة. مشيراً إلي هدف تنظيم القاعدة من توجيه هذه الانتقادات التأثير في الشارع العربي وسحبه بعيدا عن منهج الوسطية. القوة هي الحل ويري الدكتور كمال حبيب. الخبير في شئون الجماعات الإسلامية. ان تنظيم القاعدة يعتمد علي فكرة أن القوة هي السبيل الوحيد لمواجهة الغرب. وان تلك القوة هي ذاتها الوسيلة الوحيدة لمقاومة الاستبداد في العالم العربي. مضيفاً: أن القاعدة تمكنت من تنفيذ أكبر عملية ضد الولاياتالمتحدة داخل أراضيها. ولهذا عبرت عن آمال الشباب العربي في مقاومة أمريكا بعد أحداث عام 2001 وما قبلها. ويؤكد أن الشعور تعمق لدي الشباب العربي بأن القاعدة هي المظلة التي يمكن تحتها أن يقاوموا الهجمة الصليبية الجديدة علي العالم الإسلامي بعد غزو الولاياتالمتحدةالأمريكيةأفغانستان والعراق. موضحا ان عدم تركيز القاعدة في المواجهة مع العدو البعيد وامتداد أعمالها القتالية داخل بلدان العالم العربي من ناحية. وسقوطها في الانغلاق العقدي وإراقة الدماء علي نطاق واسع تجاه المخالفين معها حتي لو كان خلافاً في الوسائل بالإضافة إلي تسرعها في إعلان دولة لها في العراق دون امتلاك أسباب التمكين جعلها تفقد شرعيتها بين التيارات السلفية والجهادية التي كانت تدعمها. وقال ان الجيل الأول من القاعدة فقد التواصل مع الأجيال الجديدة التي دخلت القاعدة. موضحاً ان هناك تنظيمات عديدة تتبني مظلة القاعدة ولكنها أكثر تعميقاً في الغلو العقدي والضيق الفكري بالمخالفين. ويضيف: ان موجة الانتشار الاستراتيجي لفكر القاعدة قد بلغت أقصي مداها مع عام 2001 وبدأت تلك الموجة في التراجع شيئاً فشيئاً في ظل المواجهة العاتية مع أمريكا حتي ضعفت. واعتبر أن الجهاديين الجدد في مصر فوضويون. ليس لديهم مشروع واضح المعالم لخدمة وإصلاح المجتمع المسلم وتغييره نحو الأفضل. كما انهم قليلو الخبرة ويتميزون بالسطحية في الفكر والتفكير. وقلل من خطورتهمرغم تأييدهم تنظيم القاعدة. مشيراً إلي أنهم الأقرب للسلفية الجهادية فكريا التي تسعي لإعادة إحياء الخلافة الإسلامية. وإقامة المجتمع المسلم. وتكفر الديمقراطية والانتخابات والمجتمع. وكشف انهم جيوب متفرقة في القاهرة الكبري وبعض المناطق داخل البلاد. خاصة في الصعيد حيث يقدر عددهم بالمئات. ولا يوجد بينهم أي أسماء معروفة أو ذات وزن وبعضهم من الخارجين من السجون حديثاً الذين ظلوا متمسكين بأفكارهم ومعتقداتهم الفقهية والفكرية التكفيرية القديمة. بالإضافة لبعض الشباب المتحمس الذي يفتقد الخبرة والعلم الشرعي. فكر فاشل يقول الباحث علي بكر. المتخصص في شئون الحركات الإسلامية. ان الكثيرين اعتقدوا أن الثورات العربية قد كتبت بداية النهاية للقاعدة. وأن القاعدة في طريقها إلي الزوال والاختفاء. موضحا ان الثورات السلمية العربية أثبتت فشل الفكر الجهادي والقاعدي. حيث استطاعت أن تحقق في وقت وجيز ما فشلت فيه التيارات الجهادية والقاعدة علي مدي ثلاثين عاماً. من تغيير لبعض الأنظمة العربية. والتي استعصت علي كل التيارات الجهادية في المنطقة العربية. وأضاف: ان المراجعات الفكرية التي قام بها العديد من التيارات الجهادية مثلت ضربات قوية وجهت إلي تنظيم القاعدة. مبيناً انه في أعقاب الثورات العربية تزايد نشاط تتظيم القاعدة في شمال افريقيا. خاصة في بلاد المغرب الإسلامي. ثم تبعه ظهور جديد للقاعدة في سيناء. تحت مسمي أنصار الجهاد في سيناء. حيث أثار ظهور هذا التنظيم المخاوف من عودة العنف الديني المسلح والعمليات الإرهابية التي عانتها مصر فترة طويلة. وبين أن تنظيم أنصار الجهاد ينهج نهج القاعدة ويعد أسامة بن لادن زعيماً روحياً لها. وذكر أن أنصار الجهاد في سيناء قام بالعديد من العمليات الإرهابية منها التفجيرات المتتالية لخط الغاز المؤدي إلي إسرائيل عبر محافظة شمال سيناء. وكذلك تفجير إيلات الأخير في الأراضي الفلسطينية المحتلة. والتي قُتل فيها 8 جنود إسرائيليين في أغسطس الماضي. كما حاول التنظيم تدمير وحرق قسم شرطة ثان العريش. وغيرها من الأعمال العنيفة. وأشار إلي أن التنظيم يسعي إلي إقامة إمارة إسلامية. والغاء الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل. والتدخل لفك الحصار علي غزة. وقال: ان أنصار الإسلام يمتلك علاقة وثيقة بتنظيم "جيش الإسلام الفلسطيني" الموجود في غزة. حيث لعب جيش الإسلام دوراً مهماً وأساسيا في تجنيد وتدريب عناصر أنصار الجهاد في سيناء. وشدد علي خطورة وجود تنظيم القاعدة في سيناء. مبيناً أن القاعدة تكمن للإسلام الوسطي عداء شديد والأوضاع تنذر بمواجهة بين الإخوان المسلمين. القوة السياسية الكبري في البلاد وأصحاب الأغلبية في البرلمان. وممثل الإسلام الوسطي. وبين تنظيم القاعدة. ممثل الإسلام الجهادي. فضلاً عن استهدافه الإضرار بالاقتصاد القومي من خلال عملياته التي ربما يوجهها لقطاع السياحة. وأضاف: ان موقف تنظيم أنصار الجهاد من الأقباط والتيارات الليبرالية والعلمانية يمثل خطورة شديدة علي كيان الدولة المصرية لأنهم في رؤيته كفار يجب التعامل معهم بعنف وقوة. الخطر القادم من جانب آخر. حذر مختار نوح. المحامي والقيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين. من انتشار فكر القاعدة باعتباره هو الخطر القادم ليس فقط علي المجتمع المصري. وإنما علي المجتمع العربي كله. ويقول ان مصر عرفت الإخوان والسلفية والسلفية الجهادية. وفي الفترة القادمة سيكون تنظيم القاعدة بفكره العنيف التكفيري موجود. ولفت إلي أن المشكلة ليست في كثرة أو قلة أعداد التنظيم. ولكن في الفكر الجهادي الذي يرفض كل ما هو قائم بما في ذلك التيار الإسلامي نفسه ويتخطي الحدود ومستعد لتنفيذ أمور في غاية الخطورة ربما من خلال التحكم عن بعد.