يروي المؤرخون أن محمدا صلي الله عليه وسلم وهو في الخامسة والثلاثين شارك قومه بناء الكعبة فلقد أرادت قريش أن تهدم الكعبة وتعيد بناءها من جديد وقسمت العمل بين جميع قبائلها فكان شق الباب لبني مناف وزهرة وظهر الكعبة لبني جمح وبني سهم وشق الحجر لبني عبدالدار وبني أسد وبني عدي وما بين الركن الأسود واليماني لبني مخزوم وقبائل من قريش انضموا إليهم. وترددت قريش في هدم الكعبة لأنها خشيت أن يصيبهم أذي من الله فأقدم الوليد بن المغيرة وهدم بعضا منها وانتظر القوم حتي الصباح لينظروا ما الله فاعل بالوليد فلما أصبح علي خير قدموا يهدمون الكعبة ثم قامت القبائل بنقل الحجارة من جبال مكة وشارك عليه السلام في حمل هذه الحجارة ثم بدأت كل جماعة في بناء ما اسند إليها فلما ارتفع البناء مقدار قامة رجل وجاء وقت وضع الحجر الأسود في مكانه تنازعت القبائل جميعها شرف وضعه واشتد الخلاف بينهم وتحالفت بني الدار وبني عدي أن يحولوا بين أي قبيلة وهذا الشرف العظيم وجاءوا بحفنة مملوءة دما ووضعوا أيديهم فيها توكيدا لإيمانهم ومن ثم سموا بلعقة الدم وباتت قريش علي أهلية وتوقف البناء خمسة أيام. ويري المؤرخون أن أبا أمية بن المغيرة وكان من قريش لما رأي ما وصلت إليه حال القبائل خشي أن ينفرط عقدها فأشار عليهم بأن يحكموا بينهم أول من يدخل عليهم فكان محمداً عليه السلام فقالوا رضينا بالأمين حكما وأخبروه الخبر ففرد ثوبا وأخذ الحجر ووضعه وطلب من رؤساء القبائل أن يأخذ كل منهم بطرف من أطراف الثواب فرفعوه جميعا حتي إذا بلغ موضعه وضعه بيده ثم بني عليه وكأني لا أميل إلي تصديق الرواية فالأمر قد استعر بين القبائل وأصبح شبح الحرب الأهلية قائمة فهل يعقل أن يجعل عقلاء مكة مصيرها في يد أول داخل عليهم وقد يكون هذا الداخل سفيها أو معتوها فيقع مالا تحمد عقباه فضلا عن أن الرورية تظهر محمدا وكأنه لا يعرف شيئاً عن هذا النزاع وأخبروه الخبر وهو الذي حمل معهم حجارتها وشاركهم بناءها ولكني أصدق أن قريشا لما اشتدت الأزمة ووصلت الأمور إلي ما وصلت إليه من خلاف كان لابد من البحث عن شخص يعبر بها الأزمة ويجتاز بها الخلاف أحلي ما يميزه العقل والحكمة لا السن والمال فهما لا ينفعان في مثل هذا النوع من الأزمات فلم يجدوا بين أظهرهم أعقل ولا أحكم من محمد صلي الله عليه وسلم فاحتكما إليه وكان الحكم السابق وعلي أية حال فإن هذا الحل كان مثاليا وعلي الرغم من سهولته ويسره فقد كان فذا عبقريا أرضي جميع الأطراف المتصارعة وجعل القبائل علي قدم المساواة في نيل شرف وضع الحجر وانتهي الصراع إلي السلام والتفاهم وانحلت مشكلة خطيرة كادت تودي بأهل مكة. ذهب وهو طفل صغير يرعي الغنم لسماع الغناء في حفل عرس فضرب الله علي أذنه فغلب عليه النوم فنام حتي الصباح ولما أراد أن يعاود الكرة عاوده النوم أيضا فلم يعد إلي مثلها أبدا ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم: لقد رأيتني في غلمان قريش ننقل حجارة كبعض ما يلعب به الغلمان كلنا قد تعري وأخذ إزاره فجعله علي رقبته يحمل عليه الحجارة فأنا لا أقبل معهم وأدبر إذ لكمني لاكم ما أراه لكمة وجيعة ثم قال شد عليك إزارك فأخذته وشددته ثم جعلت أحمل الحجارة علي رقبتي وإزاري علي من بين أصحابي كذلك شملته عناية الله ورعايته ونأت به بعيدا عن كل ما يعيب شخصه اشترك وهو كبير مع قومه في حمل الأحجار لبناء الكعبة وكان القوم يجعلون آزارهم علي عواتقهم لتقيهم الحجارة وكان عليه السلام يحملها وهو لابس إزاره فأشار عليه العباس أن يجعل ازاره علي عاتقه ليحميه فلما هم أن يفعل وقع مغشيا عليه فما رؤي بعد ذلك عريانا. وكان عليه السلام يذهب إلي الكعبة ويطوف بها ولكنه لم يسجد أبدا لصنم وكان يعيب علي قريش عبادتها لحجارة لا تنفع ولا تضر ويقيمون لها الاحتفالات ويذبحون لها القرابين وكان لقريش صنما يسمي "بوانه" له احتفالات كل عام وكان أعمام الرسول وعماته يشتركون في الاحتفال وطلب أبوطالب من محمد أن يشاركهم حفلهم فرفض فغضب منه وغضبت منه عماته وأخذن يزين له ضرورة المشاركة ومازالوا به حتي ذهب معهم وغاب محمد عنهم برهة ثم عاد مفزوعا كأن به مساً فسألته عماته عما به فقال إني كلما دنوت من صنم منها تخيل لي رجل أبيض الثياب يصيح بي ابتعد يا محمد لا تمسنه ولم يعد بعدها لعيد لهم. والدراسات العلمية الحديثة تثبت أن 2% فقط من البشر هم الذين يولدون بموهبة القيادة وأن أكثر من 95% يمكنهم أن يتعلموا السلوك القيادي وأن 3% من البشر لا يمكنهم أبدا أن يكونوا قادة فالرسول لو لم يكن رسولا كان صلي الله عليه وسلم سيكون قائدا عظيما أيضا.