يري الدكتور ناصر الجابري عميد كلية الشريعة ببيروت أن صعود التيارات الدينية في المجتمعات العربية في أعقاب ثورات الربيع العربي ظاهرة صحية لا يجب أن تخيف أحد فقط علي كل فصيل ديني انخرط في العمل السياسي أن يكون حريصا علي التثقف فقهيا بصورة جيدة قبل ان يدلو برأي سياسي له شق ديني فمثلا لا يجب أن يقول أحد المنتمين للتيارات الدينية ان عمل المرأة لا يجوز لأنه بذلك يرسل إشارات مقلقة لشقائق الرجال وهو أيضا أخطأ فقهيا في هذا الرأي الديني .. وأشار الجابري في حواره مع عقيدتي علي هامش زيارته الاخيرة للقاهرة إلي أن الأمة مطالبة بترويض نفسها اليوم علي الجهاد والكفاح لان المعركة المصيرية بين المسلمين وأعداءهم قادمة لا ريب في ذلك مؤكدا علي أن ثورات الربيع العربي تصب في صالح الإسلام والمسلمين وهي فرصة تاريخية لإستعادة الحضارة الإسلامية لدورها المفقود في الركب الحضاري الإنساني ... تفاصيل الحوار في السطور التالية : * تعاني الأمة حاليا حالة من حالات الفوضي والتوهان في رأي فضيلتكم ما الحلول المطلوبة من اجل الخروج من هذه المحنة ؟ * * مطلوب بشدة أن يزداد التقارب بين المسلمين في مختلف الميادين وخاصة فيما له علاقة بأصول ديننا وهذه خطوات مباركة ومستحبة وينبغي أن نعمل جميعاً حتي نجتث بذور الخلاف .لأن هناك أناسا متطرفون وهناك أناس يتحينون الفرص من أجل تفجير الفتن لإيقاع الحروب بين المسلمين وبعضهم البعض ويجب أن ينتبه الجميع لمثل هذه الفتن حتي نحول دون حدوثها بإذن الله تعالي ولابد أن يعي الجميع أن أعداء الامة يغيرون من جلودهم ويبثون كل حين شكل جديد من أشكال الخلاف حتي يستمر الصراع في منطقتنا فقديما كان الخلاف مذهبيا ثم تحول إلي طائفيا واليوم الخلاف سياسيا يتلفح بعباءة الدين وهكذا فإن أسس الخلاف والاختلاف تغيرت وتبدلت منذ أكثر من ثلاثين عاماً في لبنان. ولا تزال تتغير وتتبدل كالحية التي تخلع جلدها كل عام لتستبدله بجلد آخر. وإنه يبدو أن حية الفتن عندنا تبدل جلدها باستمرار تأميناً وتوفيراً لاستمرارية الفتن. وحرصاً علي عدم الانتهاء منها أو القضاء عليها.ولذلك يجب أن يبادر الجميع بالاجتماع والتعاون من أجل أن نجتث كل ماله علاقة بالأمور التي من شأنها أن تهدد وحدة الأمة ووحدة المسلمين بل ووحدة الوطن.وإنني أحذر الجميع في عالمنا العربي من أن يحتضن كل فريق خلف أسواره وأن يرفض الحوار واللقاء والتباسط .أو أن يستقوي أيُّ طرف بمدد خارجي أو يظن أنه أكبر من الوطن.فالوطن أكبر من الجميع وإن الأمور لا تقبل الفراغ ولا الجمود وإلا ستحل فوضي الشارع محل التفاهم وسيستنفر أبناء الوطن الواحد علي بعضهم ويوجهوا سهامهم لا قدر الله إلي صدور بعضهم البعض بدل توجيهها إلي عدو الأمة إسرائيل . ونحن نقول دائماً إن الصراع في لبنان لم يكن يوماً علي خلفية دينيةي أو مذهبية رغم العزف علي أوتارها في كثير من الأحيان للنتائج ولكن طبيعية الصراع تبقي دائماً سياسية وعلي النفوذ والمكاسب وهذا يحدونا أكثر فأكثر إلي التقليل من شأن تلك الموروثات التي تصب في قالب الثأرية رغم أنه معروف للجميع أن التقاتل حرام حرام بل وكفر والرسول صلي الله عليه وسلم قال في حجة الوداع لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وهو القائل عليه الصلاة والسلام سبابُ المسلم فسوق وقتاله كفر. * هل تدعو صراحة المسلمين إلي الإسراع نحو الوحدة الشاملة بينهم ؟ * * بشكل طبيعي كلنا نعرف جيدا أنّ أعداءنا يتربصون بنا. ليس فقط بين السنة والشيعة. بل كذلك يتربصون بنا من أجل بث الفرقة السياسية والطائفية والعرقية والجغرافية هم يعملون ضمن رؤية فرّق تسد. فنحن أمامنا حرب كونية حقيقة كأمّة لكي تبقي متخلّفة وتبقي هذه الأمّة أمّة مستهلكة وليست أمّة منتجة أمّا عندما نتحوّل إلي أمّة متعاونة متكاتفة نتحوّل إلي أمّة إنتاجية وهناك دلائل عديدة علي أنّ الأمّة عندها القدرة علي التقدّم والدليل علي ذلك نجاح الشعوب العربية في كسر قيد الأنظمة الديكتاتورية وانطلاقها لتحلق في أفاق الديموقراطية الرحبة ولكن للأسف فنحن في وقعة جغرافية كبيرة وواسعة. والله تبارك وتعالي جعلنا ورثة أوأخلفنا علي هذه الثروة كانت نفطية أو كانت غازية أو غير من هذه الثروات الكبيرة. ممكن أن نكون خير أمّة كما وصفنا الله بأننا أخرجت الناس. ولكن بتمزقنا ضعف حالنا وضعفت قوتنا. * ما هي الرسالة المطلوب توجيهها اليوم للأمة في ظل الظروف التي تمر بها خلال الفترة الحالية؟ الأمة مدعوة اليوم لأن تروض نفسها علي التحمل والجهاد والمقاومة. وأن تدرك أن بداية الطريق أن تهجر ما نهي الله عنه. وأن الصراع بين الخير والشر وبين الحق والباطل أمر بديهي كما أن النتيجة الحتمية لن تكون إلا لصاحب الحق.ويجب البعد عن كل إثارة أو فتنة تسعي إلي التفريق بينهم. وعلي الحركات الإسلامية أن يهجروا حال التفرد والتشرذم والانقسام. وعلي وسائل إعلامنا أن تتخلي عما يشجع علي الميوعة والانحلال والتغريب والسقوط الأخلاقي. وعلي الأمة العربية والإسلامية بشكل عام أن تهجر نهائيا حال التشتت والصراع الخفي لتتوحد في وجه عدو الأمة والدين والإنسانية إسرائيل وتكون قادرة علي الصمود في المعركة الحضارية الحالية. * بمناسبة الحديث عن العدو الصهيوني كيف تنظر إلي ما يجري في القدس والمسجد الأقصي وما الواجب علي الجميع في هذا الإطار؟ ** قبل أي شيء يجب أن أحيي الشباب الفلسطيني الذين يذودون بأجسادهم عن كرامة العرب والمسلمين ويدافعون عن بيت المقدس والمسجد الأقصي ويتصدون لآلة الحرب الصهيونية فإنهم يستحقون الإكبار والتقدير والدعاء.وإن ما يجري في جوار المسجد الأقصي أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من عملية بناء ما يسمي كنيس الخراب وتوسعته تمهيدا لتفويض المسجد الأقصي. إنما هو إحدي المؤامرات الصهيونية الكبري التي تطاول مقدساتنا الإسلامية لهدمها من اجل بناء الهيكل المزعوم. وتتكامل فصول محو الهوية العربية والإسلامية عن القدس الشريف بتشييد مئات الوحدات السكنية حولها لتهويد هذه المدينة العربية والإسلامية. وجعلها عاصمة للكيان الإسرائيلي. كما يستمر الاعتداء علي أراضي الضفة العربية مع مشروع بناء ألاف الوحدات السكنية دون أي رادع من المجتمع الدولي الذي أدان هذه المشاريع الاستيطانية. ولذلك فلا بد من وقفة عز عربية وإسلامية تردع الصهاينة عن غيهم. وتنذرهم بمتابعة الجهاد وبذل الغالي النفيس حتي تتوقف هذه الممارسات العدوانية في فلسطينوالقدس والأقصي. وإننا في دار الفتوي في طرابلس والشمال. نكرر أمام الأخوة العرب وفي العالم الإسلامي نداء القدس الذي أطلقناه منذ فترة. ونحث القادة والزعماء علي اتخاذ مواقف حازمة. ومن السلطة الفلسطينية وسائر الحركات والتنظيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة مزيدا من الالتحام. خاصة في هذه الظروف المصيرية التي تستدعي الجميع التطلع إلي وحدة الصف في وجه العدو الإسرائيلي الذي لا يفرق بين احد من أبناء الشعب الفلسطيني . * كيف تنظر إلي قضية الحوار مع الآخر وهل نحن في حاجة إليه في الوقت الحالي لتحقيق السلام الإنساني في العالم؟ نحن في حاجة ماسة إلي حوار داخلي ذاتي بين أبناء الأمة الإسلامية وإلي حوار حضاري مع الآخر. خاصة أن الحوار مع الآخر بات ضرورة ملحة تتطلبها ظروف عالمنا المتغير والمتجدد. من جراء تحديات الحداثة والعولمة وكثرة التبادلات الثقافية والتقنية. فقد أضحي الحوار الإطار العام لجميع اللقاءات بين البشر خاصة بين المؤمنين. فالحوار هو وجه من وجوه التعاون الإنساني الضروري تجاه التقدم والازدهار في المجتمع البشري. ويجب البحث عن مواطن التلاقي الممكن في ما يعيشه أتباع الأديان السماوية وما يعانونه. وما يبينونه. ويجب بناء مستقبل الحوار علي أساس اعتبار الحوار بين الحضارات والثقافات حاجة إنسانية تقتضيها سجية الإنسان العاقلة وطبيعته المحاورة وتستلزمها المتغيرات والتحولات الدولية المتسارعة التي يشهدها العالم في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه. وهو ما يعني تربية النشء علي ثقافة الحوار وقبول الآخر والبحث عن قواسم مشتركة تجمع البشرية علي ضروريات ينبغي المحافظة عليها . * تهاجم بعض التيارات العلمانية الإسلام اليوم بوصفه يقصي المرأة فكيف نرد علي هؤلاء ؟ * * الإسلام لم يقص المرأة بحال من الأحوال بل إن الرسول صلي الله عليه وسلم وصي عليهن والإسلام أعطي الإسلام للمرأة عددا من الحقوق. وكان بعضها لا تتمتع به المرأة الغربية حتي القرن ال19. ففي 1882 أعطيت ملكية للنساء في إنجلترا لأزواجهن عندما يقررن الزواج. ولكن النساء المسلمات يحتفظن دائما بالأصول الخاصة بهن وهذه تعاليم دينية سماوية واجبة ومفروضة يتوجب علي المسلمين جميعا طاعتها واحترامها وأيضا تنفيذها ويمكن للنساء المسلمات تحديد شروط عقود زواجهن. مثل الحق في الطلاق من زوجها متساوية في ذلك مع الرجل الذي يحق له الزواج من أخري. كما أن للمرأة المسلمة في كثير من البلدان الحق الكامل في الاحتفاظ باسمها بعد الزواج دون إجراء أي تغيير عليه بعكس البلدان الأوروبية والأخري التي تسود فيها الديانة المسيحية والتي تتبع فيها الزوجة زوجها من حيث الاسم فإذن الأمر برمته لا يقع علي عاتق الدين فالدين يوصي بتعاليمه والأشخاص هم الذين يتبعونها كل قدر استطاعته أو يحرفونها وهو كثيرا ما يحدث في أرجاء كثيرة من العالم بغض النظر عن الربط بين التقاليد والتعاليم الدينية. فالاثنان مختلفان تماما من حيث الشكل والمضمون وكذلك طريقة التنفيذ والقرآن الكريم ينص صراحة علي أن الرجال والنساء متساوون عند الله . * وماذا عن تولي المناصب القيادية حيث يقول الغربيون إن الإسلاميين يمنعون المرأة المسلمة من تولي المناصب القيادية ؟ * * هذا خطأ آخر يقع فيه الغرب وبسبب صمت العلماء وجهل التيارات الدينية السياسية تخيل الغرب ان تلك المعلومة صحيحة ولكن الحقيقة ان الإسلام لم يمنع المرأة من تولي اي منصب والقارئ للقرآن وللسنة سيجد منظومة من القيم والقوانين الأخلاقية التي تنظم علاقة المرأة بالرجل وعلاقة المرأة بالمجتمع المسلم ككل ولن تجد منظومة منحت المرأة حقوقها مثل المنظومة الإسلامية. فالمرأة المسلمة. علي سبيل المثال. لها حق الميراث عن والديها وعن زوجها وهو ما لا يتاح للمرأة في العديد من الثقافات الأخري كما أن الإسلام أعطي المرأة حرية التجارة والتصرف بأموالها إلي جانب إعفائها من النفقة حتي ولو كانت غنية بل إن الإسلام جعل نفقة المرأة علي الرجل والقارئ للتاريخ الإسلامي سيجد أن المرأة المسلمة لعبت أدوارا سياسية في وضع الأسس التي تكفل لها المساواة والحقوق وما يصون كرامتها ويمنع استغلالها. * ولكنهم يستشهدون بحديث النبي صلي الله عليه وسلم : ¢لم يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة¢؟ * * هذا الحديث ضعيف للغاية ومن وجهة نظري فالشريعة الإسلامية تكفل للمرأة تولي مختلف المناصب السياسية والعامة في الدولة بما فيها رئاسة الدولة دون فرق بينها وبين الرجل. وهذا الحديث في حالة صحته يقتصر علي حالة واحدة فقط وهي ابنة ملك الفرس ولم يقصد بهذا الحديث التعميم. بدليل إشادة القرآن الكريم بالملكة بلقيس ملكة سبأ. وهو ما لا يتعارض بالطبع مع حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وأحكام الشريعة الإسلامية لم تمنع المرأة من تولي أي منصب قيادي في الدولة أيا كان هذا المنصب وحتي إن كان هذا الحديث صحيحا فإن المقصود به في هذه الحالة هو إمامة المرأة للرجال في الصلاة وهذا غير جائز شرعا ولابد ان يعي الجميع أن هناك محاولات من أعداء الإسلام لتشويه الإسلام والنيل منه عبر بث الشائعات التي تستهدف تخويف الناس منه . * كلامك يجرنا إلي الحديث عن الإساءات التي يتعرض لها الرسول عليه الصلاة والسلام ... فكيف تري تلك الإساءات ؟ * * أولاً لابد أن نعرف أن الإساءات موجودة منذ ظهور الإسلام حيث اتهم الكفار النبي بأنه شاعر ومجنون وكاهن وكذاب وكان أكثر من يسيء للنبي عمه أبو لهب فالمقصود أن الإساءات موجودة منذ بعث الله النبي ولكن الجديد في الإساءات هو شيوع وسائل الإعلام وبهذا أصبحت الإساءات تبلغنا بل وتحرص العديد من وسائل الإعلام علي تتبعها لدرجة أنها وصلت إلي حيز المناقشات في البرلمانات الاوروبية وحتي الكونجرس الامريكي وباختصار فنحن لابد ألا نتخيل أبدا أن تلك الإساءات ستتوقف مادام هناك صراع بين الحق والباطل والذي نتمناه فقط هو أن نمارس الواجب المنوط بنا ممارسته والدعوة إلي الإسلام والتعريف بالنبي فلابد أن نثق جيدا أن الذين أساءوا للنبي ما أساءوا إليه صلي الله عليه وسلم إلا لجهلهم به وبسيرته العطرة ولو عرفوه حق المعرفة لما امتلكوا إلا أن يحبوه وأن يعظموه بل إن من عرفه حتي لو لم يسلم أقر بعظمة هذه الشخصية وجلالتها وبأنها شخصية لابد أن تحتل أول مكان في قائمة عظماء الإنسانية . * وكيف نرد علي الإساءات المتكررة ؟ * * ينبغي علينا أن نسعي في اتجاهات عديدة فلماذا لا نحاول أن نعلن غضبنا سياسيا وأن يكون هناك دور للدبلوماسية العربية والإسلامية من أجل إقرار قانون يجرم الإساءة لمقدسات الشعوب الإسلامية ونحن كمسلمين لا نهين حتي مقدسات أصحاب الديانات الموضوعة فقد نهانا الله تعالي عن ذلك حيث قال في كتابه الكريم : ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ¢ وهكذا نهينا حتي عن سب الأصنام حتي لا يتطاول الناس علي مقدساتنا فاستصدار هذا القانون أصبح واجبا شرعيا يحثنا عليه القرآن ثم إننا نجد أن اليهود مثلا في قوتهم السياسية والاقتصادية مكثوا سنين طويلة يدافعون عن سياساتهم حتي استطاعوا أن يستصدروا قوانين في مختلف دول العالم وأصبح من يشكك في مذبحة الهولوكوست يتعرض للسجن فلماذا لا نسعي نحن من اليوم بالفعل ونؤكد للغرب خطورة تعرض رموزنا المقدسة وعلي رأسها النبي صلي الله عليه وسلم للإساءة ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدو بغير علم ¢وهكذا نهينا عن سب الأصنام حتي لا يتطاول الناس علي مقدساتنا فاستصدار هذا القانون أصبح واجبا شرعيا حثنا عليه القرآن خاصة ونحن نجد أن اليهود مثلا مع قوتهم السياسية والاقتصادية مكثوا سنين طويلة يدافعون عن ساميتهم حتي استطاعوا أن يستصدروا قوانين تجرم التشكيك في الهولوكوست فلماذا لا نسعي نحن من اليوم ونؤكد للغرب خطورة تعرض رموزنا وعلي رأسها النبي صلي الله عليه وسلم للإساءة ونقول لهم إذا أردتم أن تستقر أوضاعكم وأن تتوقف العمليات الإرهابية التي تهدد أمنكم وإذا أردتم انتهاء صراع الحضارات فعليكم أن تتوقف الإساءات إلي مقدساتنا .