لا يتصور أن يتم في الإسلام اختيار إمام أو لا يكون حفيظا علي حرمات الأمة بينما حرم الإسلام انتهاك الدم والمال والعرض علي الكافة. فكيف بمن يناط به تطبيق الشريعة علي الناس؟! إن النبي - صلي الله عليه وسلم - في خطبة الوداع الجامعة بلغ الأمة العامة فريضة الإسلام القاطعة: "كل المسلم علي المسلم حرام: دمه وماله وعرضه". وفي الحديث الصحيح: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. والمؤمن من أمنه الناس علي دمائهم وأموالهم. والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه" أي أن أهم مافي الإسلام ليس أركانه الخمسة المعروفة. وإنما أهم ما في الإسلام وهو فرض واقع. وأمر لازم أن تكف أذاك عن المسلمين. ثم كان أهم ما في الإيمان ليس أركانه. وإنما أهم ما في الإيمان وأبلغه ان تبذل جهدا وسعيا لكي يأمن الناس جميعا ليس المسلمون وحدهم في جوارك وتحت حمايتك. كأنهم في ذمتك ورعياتك. وكأنه تدرج من الكف إلي العطاء. ومن المسالمة إلي الحماية والحفظ..! فكيف يكون من ينتخب لقيادة الأمة علي غير هذه الفرائض والمسلمات الأولية. وهو يعلم أن النبي - صلي الله عليه وسلم - عند الهجرة نظر إلي الكعبة ثم قال: "ما أطيبك وأطيب ريحك. ما أعظمك وأعظم حرمتك. والذي نفسي بيده للمؤمن أعظم حرمة عند الله منك. ماله ودمه"..! والذي يتيقن منه المسلم يقينا جازماً أن الإنسان يحظي بتكريم ربه وتعظيم حرمته. وذلك من قوله تعالي: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا" "70 - الاسراء" ومن قوله تعالي: "من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل في الكتاب أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم ان كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون" "32 - المائدة" فانظر كيف ان نفسا واحدة وزنت عند الله جميعاً. لأنها في ذمة الله - عزوجل - خلقها وكرمها وفضلناهم علي كثير من خلفه. فالعدوان عليها عدوان علي بنيان الله. ولذلك ورد في الحديث الصحيح: "لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا علي قتل مسلم لكبهم الله جميعا علي وجوههم في النار" رواه الترمذي والطبراني والحديث الآخر: "لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل رجل مسلم" "رواه الترمذي والنسائي عن ابن عمرو..! ومن أجل ذلك الهول العظيم والخطر الداهم. حذر الإسلام من مجرد المقدمات. واتخاذ الخطوات التي قد تؤدي بطبيعتها لو استكملت مسيرتها إلي تحقيقها والبوء بإثمها وجريرتها عند الله. تحذير الإسلام من مجرد الإخافة والترويع. كقول النبي - صلي الله عليه وسلم - "من أخاف مؤمنا كان حقا علي الله ان لا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة" رواه الطبراني. وقوله: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلما" رواه أحمد وأبو داود. وحديث ان رجلا أخذ نعل رجل فغيبها وهو يمزح. فذكر ذلك لرسول الله - صلي الله عليه وسلم - فقال النبي - صلي الله عليه وسلم - "لا تروعوا المسلم. فإن روعة المسلم شيء عظيم" رواه الطبراني..! مرورا باستخدام اللسان في إيذاء الغير. كقول النبي - صلي الله عليه وسلم "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" رواه مسلم. وهذا يدلنا علي ضخامة الحدث في الإسلام والتنفير منه واعتباره طامة الطامات. ومعضلة لا تسامح فيها. وأسوق إليك حديث النبي - صلي الله عليه وسلم - "كل ذنب عسي الله ان يغفره إلا رجل يموت مشركا أو يقتل مؤمناً متعمداً" رواه ابو داود وابن حبان في صحيحه. وهكذا نجد الإمام المسلم لن يكون سوي حفيظ علي حرمات الأمة. أمينا علي كرامتها فرداً فرداً. دون تمييز أو اقصاء بما يفرضه عليه دينه وعقيدته. مادامت الأمة قد وفقها الله لاختياره ليتبوأ هذا المقام وامتثالا لروح الإيمان ولقول النبي - صلي الله عليه وسلم - "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" متفق عليه والترمذي وأبو داود فلن يشعر مواطن بغربة وسط مجتمعه أو اهتزاز كرامة انه سيكون آمنا في سربه يأتيه رزقه المقدور بلا من أو عنت أو استهانة أو حرمان مادامت روح الإيمان هي السائدة. والله يقول الحق وهي يهدي السبيل.