لقد كان من دعاء الحبيب المصطفي - صلي الله عليه وسلم - الذي طالما هتف به لسانه في جل أوقاته وأزماته قوله - عليه السلام - اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت. واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت". والخلق هو "عبارة عن هيئة في النفس راسخة عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة لي فكر وروية "فإن صدر عن هذه الهيئة أفعال جميلة محمودة سميت أخلاقا حسنة. وإن صدر عنها أفعال قبيحة مذمومة سميت أخلاقا سيئة. ودعوة الإسلام في أصلها وأس بنائها دعوة أخلاقية. وليس أدل علي ذلك من قول صاحب الرسالة سيدنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - محددا لغاية من بعثته الشريفة والهدف من رسالته النبيلة "إنما بعثت لأتمم مكام الأخلاق" وهذا يتوافق تمام التوافق مع ما مدحه به ربه وأثني عليه في أوائل ما نزل عليه من قرآن حيث قال الله - عزوجل - "وأنك لعلي خلق عظيم". وكما أن لكل شيء أصل يرد إليه وأساس يبني عليه. فإن من أصول الأخلاق الحسن "الحكمة" وهو أصل وأساس يقصد به "فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي" أو "فعل الشيء الصائب بالشكل الصحيح في الوقت المناسب" أو "النظر إلي نتائج ومئالات الأفعال والأقوال" وأن هذه التعريفات تدل فيما تدل علي خصائص المرء الحكيم ومميزاته والتي من أهمها التفكير قبل الحديث والتخطيط قبل التنفيذ والوعي قبل السعي. فالحكمة خلق كريم به يدرك المرء الحق من الباطل في الأمور الاعتقادية والصواب من الخطأ في الأمور العملية. والصدق من الكذب في الأمور القولية. لهذا اتفق علماء الأمة - سلفا وخلقا - علي ان الحكمة من أصول الاخلاق الحسنة إن لم تكن هي رأس محاسن الاخلاق علي الاطلاق ومن ثم أصبح دوام بحث المؤمن عنها من الضرورات العقلية والحتميات الاجتماعية فضلا عن كونه فريضة من الفرائض الشرعية قال سيد البشرية وإمام الإنسانية سيدنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق الناس بها". ومن كان له من الحكمة حظا ونصيبا ونال منها قدراً مقدورا فقد أوتي من صنوف الخير الكثير لأنها عطاء من رب الأرض والسماء يمن به علي من يشاء. قال - تعالي - "يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب". فمن حصل من الحكمة علي طرف كان من أهل الرأي والمشورة ومن أصحاب القيادة والريادة. ووضع في مصاف الأخيار الأبرار وعد من الزعماء والملوك وإن كان عبداً مملوكاً قال صلي الله عليه وسلم "إن الحكمة تزيد الشريف شرفا وترفع العبد المملوك حتي تضعه موضع الملوك" ولا يغيب عن أفهام أهل النهي أن الحكمة صفة من صفات الله الأعلي فكم من آية من آيات كتابه عز وجل زيلت بما يدل علي وصفه بها من مثل قوله "إن الله كان عليما حكيما" وكان الله عزيزاً حكيماً. وهي وصف لخير كتاب أنزل علي أفضل بني أرسل قال تعالي "تلك آيات الكتاب الحكيم" وقال "ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم" وقال "كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير". وهي وصف للأنبياء والمرسلين - صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين. قال تعالي "ولقد آتينا لقمان الحكمة" وقال في حق داود "وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب". ولا ينكر أحد أن الحكمة هي أبرز أركان الدعوة إلي الله.. لذا ذكرت سابقة علي غيرها حيث قال تعالي "أدع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين".