رغم ان الاسلام دين أكد علي حرية العقائد إنطلاقا من قوله تعالي "لا إكراه في الدين" وقوله "لكم دينكم ولي دين" الا أن الواقع يؤكد ان هناك تجاوزات من بعض الرموز المسيحية والاسلامية في تحويل الحوار من المشترك وما فيه مصالح الوطن الي العقائد مما ينذر باشتعال الفتنة الطائفية من جديد ويمزق صفوف المصريين الي مجموعات يكفر بعضها بعضا ليقدم المتصارعون حول العقائد وطنهم علي طبق من ذهب للمفترسين في الخارج والداخل الذين يتربصون بنا الدوائر ويحاولون ليل نهار وضع البنزين علي النار ليحترق الوطن بمن فيه وليذهب الجميع الي الجحيم.. ومن هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي نؤكد فيه أهمية البعد عن الحوار في العقائد أو ينصب علي المصالح المشتركة لأبناء الوطن وما أحوجنا في هذه المرحلة الحرجة من رفع الشعار الذي رفعه المصريون في ثورة 1919 "الدين لله والوطن للجميع". في البداية يقول الدكتور علي السمان.. رئيس لجنة حوار الأديان في المجلس الأعلي للشئون الإَسلامية رغم ان فكرة حوار الأديان رغم انها بدأت منذ فجر الاسلام حيث لم ينكر الرسول صلي الله عليه وسلم وجود أهل الكتاب بالمدينة بل انه وقع معهم وثيقة المدينة للتعايش السلمي في إقرار فريد لما نطلق عليه الآن "المواطنة". وكان في نفس الوقت يمارس الدعوة بالأفعال قبل الأقوال وهذا ما فتح قلوب غير المسلمين للاسلام وجعلهم ويدخلون في دين الله أفواجا في عهد الرسول وفي عصر الخلافة الاسلامية الرشيدة وكذلك في مختلف عصور الحضارة الاسلامية التي كان المسلمون فيها أقوياء ولم يجبروا أحدا علي الدخول في دينهم وانما دخلت الملايين في الإسلام في آسيا وافريقيا من شدة اعجابهم بصدق وأمانة التجار المسلمين. وقال الدكتور السمان: للأسف الشديد تراجعت في عصرنا قيم التسامح الديني خاصة عندما تم خلط الدين بالسياسة وانتشر جهل أتباع كل دين بقيم التسامح والرحمة في دينه. وضعف الشعور بأن الجميع عباد الله وحسابهم عليه وحده ولا يجوز لأحد الوصاية علي بقية البشر لأن الجميع أمرهم الي الله.. وأن المتاح لنا كمسلمين إظهار ما نعتقد ونؤمن انه الحق دون إجبار الناس عليه تفعيلا لقوله تعالي: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي". أشار الدكتور السمان الي انه لابد من تدريس حوار الثقافات والأديان بشكل مباشر أو غير مباشر ابتداء من الأسرة مرورا بالمدارس والجامعات من خلال إعادة صياغة التعليم خاصة في مرحلة التعليم الأساسي بحيث يكون داعما لفكرة التفاهم والتعايش والحوار في مشتركات من الآمال والآلام وما أكثرها ومن المؤسف أن هذا الأمر غير متوفر الآن حيث لا توجد ثقافة حقيقية للحوار والتعاون مع الآخر وان وجدت بعضها فانها تقدم بطريقة غير مشوقة. وأنهي الدكتور السمان كلامه بالتأكيد أن الأمر يحتاج الي نظرة قومية شاملة تتصف بالتسامح وعدم اقتصار الأمر علي المؤسسات الدينية انما يجب أن يكون هناك دور للأسرة ولوزارتي التعليم والتعليم العالي والثقافة والإعلام وغيرها من الجهات المعنية. لا حوار في العقائد يوصح الشيخ جمال قطب الرئيس الأسبق للجنة الفتوي بالأزهر قيام بعض المتعصبين من الاسلاميين والمسيحيين بالدخول في حوار عقائدي عبر وسائل الاعلام يعد في حد ذاته فتنة تضر بالجميع لأننا لا نتصور أن احدهما سيترك دينه ويدخل في الدين الآخر لأن كل انسان دينه عزيز ومن ثم فان الدخول في حوار العقائد عبر الاعلام وأمام عامة الناس وتكفير كل من المتحاورين للآخر أمر يتنافي مع ما بدعو اليه الاسلام والمسيحية من التسامح والتعايش السلمي والتسليم بأن اختلاف العقائد سنة كونية فقال تعالي "ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة". وأكد نفس المعني في قوله تعالي "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين". البحث عن القيم المشتركة وقال الدكتور عبدالمعطي بيومي.. عضو مجمع البحوث الاسلامية: لا يوجد مصري مخلص لدينه ووطنه يريد الصدام بين أبناء الوطن وبالتالي فان المستقبل الأفضل للوطن يكون بأن يكون هناك دور أكبر للحوار حول هموم الوطن من محاربة الفقر والجهل والمرض والعمل الجاد لنشر قيم التسامح والمحبة والمساواة. أما كفر كل منهما بعقيدة الآخر أو عدم اعترافه بها ليس مبررا للصراع لأن كل من الاسلام والمسيحية دين سماوي ولا يجوز تسفيه أحدهما لعقيدة الآخر وخاصة ان الاسلام يحترم كل الأنبياء ومنهم السيد المسيح عليه السلام الذي جعله من أولي العزم من الرسول فضلا عن بشارته برسولنا صلي الله عليه وسلم وبنص القرآن. ودعا الدكتور عبدالمعطي المتعصبين الاسلاميين الذين يحرمون أي علاقة بغير المسلمين باعتبارهم كفارا حتي ولو كان مجرد القاء السلام أو التهنئة في مناسبة دينية أو اجتماعية الي تأمل قوله تعالي "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين". وانهي الدكتور عبدالمعطي كلامه بالتأكيد علي انه لا حوار في العقائد وانما علي الأمور المعيشية الدنيوية المشتركة أما العقائد فأمرها الي الله الذي حدد مهمة رسوله صلي الله عليه وسلم بقوله "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ہ وداعيا الي الله بإذنه وسراجا منيرا". وقوله تعالي أيضا "انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين" واذا كانت هناك ضرورة لحوار في العقائد فليكن بين الخاصة وفي غرف مغلقة وليس بين العامة وعبر وسائل الاعلام مما يثير البلبلة والفتنة الطائفية. روح الثورة لا الجدل وأكد الشيخ هاشم إسلام عضو لجنة الفتوي بالأزهر ان الاسلام أوصانا بأهل الكتاب َخاصة أقباط مصر خيرا. ونحن أحوج ما نكون لروح ثورة 25 يناير التي تجمع فيها المسلمون والمسيحيون في صورة تمثل قمة التحضر والتسامح حتي ان المسيحي كان يساعد المسلم في الوضوء ويحميه أثناء الصلاة ونفس الشيء كان يفعله المسلمون مع المسيحيين ولكن ما نراه الآن يتنافي مع ما يدعو اليه الاسلام والمسيحية علي حد سواء ويخدم أهداف دعاة الثورة المضادة مع أن المسلمين في حاجة ماسة الي التطبيق العملي لقوله تعالي "ومن أحسن قولا ممن دعا الي الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين". ونفس الوضع من المسيحيين ان يحترموا عقيدة المسلمين. التعصب الأعمي ودعا الشيخ هاشم إسلام الدعاة والقساوسة الي البعد عن التعصب الأعمي واستبداله بالاحترام المتبادل بينهم لصالح هذا الانسان الذي سمي عبدا لله قولا وفعلا ونشر روح التسامح والمحبة وعدم المساس بعقيدة الآخر لأن الخالق لو شاء لآمن الخلق جميعا وانما جعل الله الاختلاف سنة الله في خلقه. وحث الشيخ هاشم علي سن قانون رادع لكل من يزدري الأديان أو يعمل علي نشر الفتنة بين أتباعها لأن المساس بالعقائد خط أحمر ومن يدخل فيه كأنما يلعب بالنار التي ستحرق الوطن كله ولهذا لابد من حمايته من العابثين والتأكيد باستمرار أن المسلمين ليسوا غزاة كما يزعم المتعصبين من المسيحيين وفي نفس الوقت نؤكد ان المسيحيين ليسوا مهاجرين أو أقلية وانما الجميع مواطنون لهم حقوق وفقا للدستور. ومن المؤسف ان يتفرق أبناء الوطن بعد سقوط الحكم الظالم تزيد حالة الاحتقان بعد أن نالوا حريتهم. ووجه الشيخ هاشم إسلام النصيحة لأبناء الوطن بأن يحذروا أذناب النظام السابق الذين يوظفون البلطجية لتحقيق أهدافهم لضرب الثورة والصيد في الماء العكر بإحداث وقيعة بين أبناء الوطن الواحد بادخالهم في فخ الحوار العقائدي الذي يؤدي للفتنة نتيجة الجهل بمفهومه الشامل الذي اعتبره الأب الروحي للفتنة الطائفية في مصر ولن يتم القضاء عليها الا بإحياء مفهوم المواطنة والتعايش والتعاون وان نطبق قوله تعالي "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". ويطبق أبناء الوطن علي أرض الواقع مقولة البابا شنودة "مصر وطن يعيش فينا مهما حدث وأينما ذهبنا". وهذا يتطلب البعد عن المناظرات العقائدية. وقال الشيخ هاشم: اذا أراد المسلمون ان يبلغوا دينهم الي غير المسلمين في الداخل أو الخارج فليكن ذلك بالمعاملة بالحسني والرفق والأخلاق الفاضلة وليس بالتعصب والإقصاء حيث قال تعالي "ادع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". وقال تعالي كذلك "ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن". ولن يؤتي هذا ثماره الا اذا كنا كما وصفنا الله عز وجل "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله". وليعلم المسلمون أن دورهم ابلاغ رسالة الاسلام. فقال تعالي "ما علي الرسول الا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون".