كانت وثيقة المدينة التي أقرها رسول الله صلي الله عليه وسلم في التعامل مع الآخر السبيل الأمثل لوأد الفتنة وتأمين الأقلية حينما أسس الدولة المدنية الحديثة في صدر الاسلام. ولقد كانت علاقة المسلمين من أهل المدينة مع غير المسلمين علاقة أمن وأمان وأن لهم ما للمسلمين وعليهم ما علي المسلمين من حقوق وواجبات.. وعليها عاش المسلمون مع اليهود والمشركين في أمن وأمان. تري.. ونحن نحتفل بالعام الهجري الجديد كيف نستفيد من بنود هذه الوثيقة في التعامل مع الآخر.. وكيف تكون هذه الوثيقة الجليلة نبراساً لوأد الفتن الطائفية التي تنشب بين الحين والآخر.. وتوحيداً لجبهتنا الداخلية في الوقت الحالي. عقيدتي التقت عدداً من العلماء ليقولوا رأيهم فماذا قالوا؟! في البداية يقول الدكتور عبدالله الصبان الأستاذ بجامعة الأزهر إن رسول الله صلي الله عليه وسلم آخي بين المهاجرين والأنصار.. ووضع وثيقة المدينة المشهورة أو الميثاق النبوي والذي جاء فيه أن يهود المدينة مثل المسلمين تماماً في الدفاع عن الوطن لهم ما للمسلمين وعليهم ما علي المسلمين.. وأخذ علي ذلك العهد والميثاق.. لكنهم هم الذين خادعوا الله لكن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم في الميثاق جعل المدينة ملكا للمسلمين واليهود والمشركين.. وأن المحافظة عليها واجب وأن الدين بين المسلمين وغيرهم هو المعاملة الطيبة.. وبالتالي حسن المعاملة والمؤاخاة.. وتجاه هذا قال صلي الله عليه وسلم "من آذي ذمياً أو معاهداً فقد آذاني" ولم يجعل بينهم عدواة لكن تجاه الايذاء جعل العدواة بين المسلمين وبين رسول الله صلي الله عليه وسلم. نية طيبة هذا ما قام به رسول الله صلي الله عليه وسلم في المدينةالمنورة مع غير المسلمين.. فعلينا أن نقتدي بما حدث في عصرنا الحالي.. فالأمر يحتاج إلي نية طيبة من الطرفين مسلمين وأقباطاً آخذين في الاعتبار أن الوطن ملكنا جميعاً ويجب المحافظة عليه وقد جاء في الحديث مثل القائم علي حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا علي سفينة فأصاب بعضهم اعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا علي مدقعهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا فرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن توهم وما أرادوا هلكوا جميعا أن أخذوا علي أيديهم نجوا ونجوا جميعاً. فالمطلوب أن نأخذ بيد بعضنا البعض حتي يتحقق فينا قول رسول الله صلي الله عليه وسلم انصر أخاك طالماً أو مظلوماً.. الحديث.. أي نأخذ علي يد الظالم في حق. وأشار د. الصبان أن وثيقة المدينة صالحة لكل زمان ومكان.. وكل له معتقده. فالمسلمون أخوة لنا وبيننا وبينهم مودة ورحمة وتشهد لهم بالأمانة وهم صادقون في وعدهم.. لكن يجب أن يتبين لمن يثيرون الفتن الخارجية لضرب الوحدة الوطنية أنهم غير قادرين علي تحقيق أهدافهم.. لأن وحدتنا قوية منذ آلاف السنين.. وأن أكثر من 99% من النصاري علي علاقة قوية بين المسلمين وأن ال 1% هم المنافقون من الطرفين مسلمين ومسيحيين ونزل فيهم قرآن يتلي.. وهناك طابور خامس يحاول احداث الوقيعة بين الطرفين فإن نتحد ونطبق وثيقة المدينة فسوف تغرق السفينة ولم يخرج منها أحد. عظمة الرسالة أما الشيخ أحمد عبدالمؤمن وكيل وزارة الأوقاف فيري أن ما حدث مع غير المسلمين أثناء الهجرة سيظل شاهداً أبد الدهر علي عظمة الاسلام مع غير المسلمين. فبعد أن تبين الدولة الاسلامية وتأسست أركانها وحدث ما حدث من المعاهدات والوثائق بين المسلمين وغيرهم ليدلل الاسلام علي الاعتراف بهذه الكيانات في حقهم في هذه البلاد بعقد هذه الاتفاقيات والتي تعد ضماناً لحقوق أهل الكتاب بأن لهم ما للمسلمين وعليهم ما علي المسلمين والمحافظة علي إقامة شعائر دينهم حتي أن النبي صلي الله عليه وسلم بين لنا أن نحترم كل ما لم يتعارض مع نفس من كتاب الله وسنة رسوله في شرائعهم وعلي المسلمين أن ينظروا في كل ما جاء من أهل الكتاب إن كان موافقاً لا يعارض ولا يزم فاعله. وإن لم يكن لايوجد عندنا ولا يتعارض معنا فلافقن من فاعله أي متوقف. وإن خالف ما عندنا لا نؤمن به ولا نكفر في عمله عملاً بقول الله سبحانه وتعالي "لكم دينكم ولي دين".. وقوله لا اكراه في الدين". ولم يثبت علي مر التاريخ أن أخبر قوم علي ان قول في الاسلام وكان يأمرهم بالاسلام فإن استجابوا فبها وأنضم.. وإلاتركهم وما يدينون. سند ومرجع ويري الدكتور حمدي العايد الأستاذ بكلية الدراسات الاسلامية والعربية بأسوان.. أن حكمة الله سبحانه وتعالي اقتدت أن يكون هناك فريقان في الاختلاف ولو شاء ربك جعل الناس أمة واحدة".. وأمام هذا الخلاف نزلت التشريعات التي تدعو للوحدة وعدم الفرقة بين المخلفين فيما يتفقا عليه ويعذر أحدهما الأخر فيما اختلفا فيه. ورسالة الاسلام جاءت واضحة في دعوة المخالفين إليه بالحسني.. فإن قبلوا فنعم.. وإن كان غير ذلك فلهم ما لنا وعليهم مما علينا ما داموا في أرض الاسلام وهذا ما فعله الرسول صلي الله عليه وسلم مع اليهود والمشركين فأمنهم وأمن تجارتهم ومنازلهم وبيوعهم وأعطاعم الحرية الدينية الكاملة فيما يعتقدون شريعة ألا يسئ أحد للآخر.. وهذا ما نصت عليه وثيقة المدينة التي أقرها رسول الله صلي الله عليه وسلم. فعلينا أن نأخذ من هذه الوثيقة العبرة والعظة وأن تكون لنا السند والمرجع في علاقة المسلمين بغير المسلمين وأن ننتبه لما يحاك بهذه العلاقة من دسائس ومؤامرات هدفها الوثيقة بين المسلمين وغيرهم وأن تكون هذه الوثيقة نبراساً لنا علي مر الأزمان. ويوضح الدكتور سالم عبدالجليل وكيل أول وزارة الأوقاف أنه منذ جاء الاسلام وهو يؤكد علي حرية العقيدة وأكدها قوله تعالي "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي والله سميع عليم". وقد اقتضت حكمة الله أن يكون هناك فريق مسلم وآخر غير مسلم لأن الاختلاف العقدي والفكري سنته كونية تجري علي العباد منذ بدء الخليقة فقال سبحانه "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين".. وقد تم تطبيق ذلك في دولة الاسلام منذ الهجرة النبوية الشريفة ومع وجود الحرية الدينية لغير المسلمين فإن دعوتهم إلي الاسلام كانت بالحسني وبدون إكراه فقال سبحانه "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".. ويضيف: إن الإكراه علي اختيار دين بعينه يصنع منافقين لأن الايمان مسألة بين العبد وربه ولا دخل لأحد فيها ولهذا عاش المسلمون وغيرهم من أهل الكتاب في سلام داخل الدولة الاسلامية منذ عهد الرسول صلي الله عليه وسلم حتي الآن.. ومن الخطأ الاعتقاد بأن جهاد المسلمين ضد غيرهم كان لفرض الاسلام عليهم وإنما شرع الله القتال لمقاتلة من تصدي للدعوة واعتدي علي أهلها وصدهم عن ممارسة شعائرهم ومنعهم من حريتهم الدينية أي انه شرع للدفاع عن الدين وعقيدة التوحيد.. وقد شرع بعد أن هاجر المسلمون إلي المدينة ولم يشرع في مكة علي الرغم من الأذي الذي تعرضوا له وانما شرع بعد أن أصبح للمسلمين كيان ودولة بالمدينة وبالتالي استهدف الجهاد المحافظة علي هذه الدولة الوليدة. وأوضح أن لأهل الكتاب خصوصية في الشريعة الاسلامية حيث تسمح بتعايش مختلف الأديان داخل ديار الإسلام مع ضمان الحرية لأصحاب الأديان في المحافظة علي معتقداتهم وممارسة شعائرهم التعبدية وتصرفاتهم المدنية وكل ذلك تحت قاعدة "لهم مالنا وعليهم ما علينا" وقد طبق الرسول صلي الله عليه وسلم ذلك عملياً منذ بداية تأسيسه للدولة الاسلامية بالمدينة حيث أقر دستورها بالحرية الدينية لليهود ويعترف بأنهم يشكلون مع المسلمين أمة واحدة وكذلك حين فتحت القدس في عهد عمر بن الخطاب ضمن للمسيحيين من سكان القدس الأمان علي حياتهم وكنائسهم.. ولم يكتف الاسلام بالاعتراف بحرية الأديان ومعايشتها والتسامح معها بل إنه جعل من موجبات الايمان الإقرار بأن مصدر نبوة سائر الانبياء هو الله ويستلزم الايمان بما جاء به فقال تعالي " قولوا أمنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسي وعيسي وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون" وأنهي الدكتور سالم كلامه بضرورة الاستفادة من تلك السماحة الاسلامية في التعامل مع أهل الكتاب في العالم الاسلامي كله وليس في مصر فقط وذلك لوأد أي فتنة طائفية يحاول الأعداء إشعالها للوقيعة بين المسلمين والمسيحيين في مصر.