المحرر من الشبهات التي يخرج علينا بها أعداء الإسلام بين الفينة والأخري.. التشكيك في الوحي الذي نزل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم.. وأن بعض الصحابة رضوان الله تعالي عليه شككوا بل ورفضوه وحتي القرآن الكريم.. والأعجب أنهم استعانوا براوية جرت بين هؤلاء وابن عباس.. وذكروا اسم الكتاب والصفحة وحتي نقطع الشك باليقين توجهنا بهذه الشبهات لفضيلة الأستاذ الدكتور عبدالفتاح عاشور أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر. قال الوحي هو أن يعلم الله تعالي من اصطفاه من عباده كل ما أراد إطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم ولكن بطريقة سرية خفية غير معتادة للبشر وهذا الوحي أنواع منه ما يكون مكالمة بين العبد وربه كما قال تعالي "وكلم الله موسي تكليماً".. ومنه ما يكون إلهاما يقذفه الله في قلب من اصطفاه علي وجه لا يستطيع له دفعاً ولا يجد فيه شكا.. والثالث من ألوان الوحي ما يكون مناما عن طريق الرؤية الصادقة والرابع من الوحي.. ما يكون بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام.. وجميع مانزل من القرآن كان من هذا الطريق.. طريق جبريل عليه السلام بلاغاً عن الله عزوجل كما قال تعالي في سورة الشعراء "نزل به الروح الأمين علي قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين". أضاف والسؤال عن كيفية لقاء الملك بالرسول عليه السلام وقد كان جبريل أحيانا يأتي لرسول الله صلي الله عليه وسلم في صورته الحقيقية الملكية ولم يحدث هذا إلا مرة واحدة في الأرض ومرة واحدة في السماء ليلة الإسراء والمعراج كما قال تعالي: "ولقد رآه نزلة أخري عند سدرة المنتهي" وأحيانا يأتي في سورة رجل كما في الحديث الصحيح حين جاء جبريل في صورة رجل وجلس بين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم والصحابة من حوله فسأل عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان وعن الساعة وعلاماتها ثم انصرف.. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم. يضيف: وتبقي الصورة الثالثة وهي الصورة التي نزل بها القرآن الكريم وحياً علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وفيها كان ينزل جبريل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم خفية فلا يراه أحد ولكن يظهر أثر التغيير والانفعال علي صاحب الرسالة فيغيب عمن حوله.. وذلك لاستغراق الملك الروحاني بالروح البشرية.. وكان هذا الحال ثقيلاً شديداً يجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم يتصبب جبينه عرقاً في اليوم شديد البرد.. وما إن ينفصل الملك عن رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي يعود رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي حالته الطبيعية فيقرأ ما أوحاه إليه جبريل لا ينسي منه حرفاً واحداً.. وربما كان هذا القدر الذي أوحي كثيراً يصل إلي جزء أو جزء ونصف من القرآن الكريم هذا القدر قد نقش علي صفحة قلب رسول الله صلي الله عليه وسلم فلا يغيب عنه حرف واحد منه.. وكان هذا وعداً من الله عزوجل حين كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يلاحق جبريل فيما يذكره له من القرآن خوفاً من أن يتفلت منه شيء يقول تعالي: "ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه وقل ربي زدني علماً" ثم قال في سورة القيامة "لا تحرك به لسانك لتعجل به إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرآناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه" وأخيراً طمأنه بهذا الوعد حين قال "سنقرئك فلا تنسي إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفي فذكر إن نفعت الذكري" وقد شاء الله أن لا ينسي رسوله صلي الله عليه وسلم شيئاً مما أوحاه الله إليه لأنه لو نسي حرفاً واحداً لضاع هذا الحرف من القرآن إذ ليس هناك من سبيل لتبليغ هذا القرآن عن الله إلا عن طريق هذا الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم.. فكان أن اختصه الله بهذه النعمة حفظاً لكتابه لأن هذا الكتاب يختلف عن غيره من الكتب المنزلة فهو محفوظ في السطور كما محفوظ في الصدور وهو الكلمة الأخيرة من الله للناس فلا مجال لتحريفه أو تغييره أو نسيان شيء منه وعداً من الله القائل "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". وقال: فكل ما يدعيه الحاقدون والحاسدون لهذا النبي وبما جاء به من الوحي ولأمة الإسلام هؤلاء يقولون قولاً ظالماً.. وقد سبقهم في ذلك من كانوا في عصر النبوة من المشركين.. يقول تعالي: "وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلماً وزوراً وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملي عليهم بكرة وأصيلاً قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً" "سورة الفرقان 4 6". أما ما يدعيه هؤلاء الغافلون الحاقدون من أن بعض الصحابة عليهم رضوان الله لم يصدقوا بالوحي وتشككوا فيه فهذا قول ظاهر البطلان لأنه لو كان كذلك لكان معناه خروج من شك في هذا الوحي من حيزة هذا الدين ولما كان جديراً بصحبة رسول الله صلي الله عليه وسلم لأن معني الإيمان برسول الله صلي الله عليه وسلم التصديق بأنه مرسل من قبل الله.. وأن ما جاء به من وحي الله.. والصحابة عليهم الرضوان كانوا أشد الناس حباً وتعلقاً بكتاب الله وإذا مررت ببيوتهم في جوف الله سمعت لها دوياً بالقرآن كدوي النحل وهم الذين ضحواً بأنفسهم وأموالهم وما مالكت أيديهم حتي رفعوا راية القرآن خفاقة في العالمين ونشروا ألوية هذا القرآن في أرض الله حتي نطق به بل حفظه في الصدور العجم قبل العرب.. وأجلس إلي كثير من المسلمين في انحاء الأرض ممن لا ينطقون حرفاً واحداً باللغة العربية تستمع منهم ترتيلاً خاشعاً لهذا القرآن الكريم مما يدل علي حفظ الله لكتابه وما يبرهن علي جهد أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ومن بعدهم في هذا لتبليغ رسالة الله. وعن استشهاد أحد أعداء الإسلام بكتاب الطعن في القرآن الكريم والرد علي الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري للمطيري ص 18. 21 عن آخرين منهم نافع بن الأزرق وعطية يقول أتيا ابن عباس.. فقالا يا ابن عباس أخبرنا عن أمور في الوحي وذكروا اعتراضاتهم علي الوحي فقال لهم ابن عباس ويحك يا بن الأزرق.. فلماذا لم يرد ولا يجاوب. قال د. عبدالفتاح عاشور. أخرج عبد بن حميد من طريق علي بن زيد عن أبي الضحي أن نافع بن الأزرق وعطية أتيا ابن عباس رضي الله عنهما فقالا: يا ابن عباس أخبرنا عن قول الله تعالي: "هذا يوم لا ينطقون" المرسلات 35 وقوله: "ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون" الزمر 31 وقوله: "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" الأنعام 23 وقوله: ولا يكتمون الله حديثا" النساء 42" قال: ويحك يابن الازرق إنه يوم طويل وفيه مواقف.. تأتي عليهم ساعة ولا ينطقون ثم يؤذن لهم فيختصمون.. ثم يكون ما شاء الله يحلفون ويجحدون.. فإذا فعلوا ذلك ختم الله علي أفواههم.. وتؤمر جوارحهم.. فتشهد علي أعمالهم بما صنعوا ثم تنطق ألسنتهم فيشهدون علي أنفسهم بما صنعوا وذلك قوله: "ولا يكتمون الله حديثاً". أضاف: ورد ابن عباس رد مقنع ليس بعده رد.. فما ذكره البعض من الاستشهاد بهذا الحديث.. حديث نافع بن الأزرق وأسئلته لابن عباس وإحابة ابن عباس علي نافع.. وأنه أعماه الحق إذ فهم من ذلك وقوع التعارض في آيات القرآن الكريم.. ولو عقل وفهم لرأي أن ابن عباس قد أزال هذا التعارض في آيات القرآن الكريم ولم يدع مجالاً للشك.. وأثبت علي وجه اليقين أن القرآن لا تتعارض آياته فهو كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.. وأن هذا القرآن لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً وليس في كتاب الله اختلاف ولا تناقض ولا تعارض إلا عند من لا فهم لهم وعلي من أراد الحق والإنصاف أن يسألوا أهل الذكر ليثبتوا لهم ما اشتبه عليهم.