جاءت كلمة "الإيمان" من أصل مادة "الأمن" التي وردت في آيات كثيرة مثل قوله تعالي: "وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ". وقوله تعالي: "وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا". وقوله تعالي: "إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنّى بِالْإِيمَانِ". وقوله: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ". وورد قوله تعالي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" عشرات المرات في القرآن المجيد.. إلخ. وفي القاموس أن الإيمان هو الثقة وإظهار الخضوع وقبول الشريعة. وحدد الزجاج الإيمان بقوله: الإيمان إظهار الخضوع والقبول للشريعة. ولما أتي به النبي صلي الله عليه وسلم. واعتقاده وتصديقه بالقلب. فمن كان علي هذه الصفة فهو مؤمن مسلم غير مرتاب ولا شاك. وهو الذي يري أن أداء الفرائض واجب عليه لا يدخله في ذلك ريب. وقال الأزهري: اتفق العلماء علي أن الإيمان هو التصديق. قال تعالي: "وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِني لَنَا". أي ما أنت بمصدق لنا. وتقول العرب:""ما أمنت أن أجد صحابة" أي ما وثقت. فالإيمان هو الثقة والتصديق. وقال الله تعالي: "الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا" أي صدقوا بها ووثقوا فيها. ومن الواضح أن التصديق اطمئنان واستقرار. وأن الثقة اطمئنان واستقرار. فارتباط الإيمان بالأمن واضح ظاهر. ويقول الطبرسي عن الإيمان: "أما في الشريعة فالإيمان هو التصديق بكل ما يلزم التصديق به من الله تعالي وأنبيائه وملائكته وكتبه والبعث والنشور والجنة والنار". ويعبر ابن قتيبة عن إيمان العبد بالله بأنه تصديقه قولا وعملا وعقدا. فالعبد مؤمن أي مصدق. والله سبحانه وتعالي مؤمن أي مصدق ما وعده. أي محققه. أو هو قابل لإيمانه. وقد ذكر بعض الأئمة أن الإيمان أنواع فمن الإيمان تصديق باللسان دون القلب. كإيمان المنافقين. يقول الله تعالي: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا" أي آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم. كما كان من الإسلام انقياد باللسان دون القلب. ومن الإيمان تصديق باللسان والقلب. يقول الله تعالي: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ" كما كان من الإسلام انقياد باللسان والقلب. ومن الإيمان تصديق ببعض وتكذيب ببعض. قال الله تعالي: "وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ" يعني مشركي العرب. إن سألتهم من خلقهم قالوا: الله. وهم مع ذلك يجعلون له شركاء. وأهل الكتاب يؤمنون ببعض الرسل والكتب ويكفرون ببعض. قال الله تعالي: "فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا" يعني إيمانهم ببعض الرسل والكتب. إذ لم يؤمنوا بهم كلهم. وللإيمان استعمالات يشير إليها الراغب. فيُستعمل تارة اسما للشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام. ويوصف به كل من دخل في شريعته مقرا بالله وبنبوة محمد وتارة يستعمل علي سبيل المدح. ويراد به إذعان النفس للحق علي سبيل التصديق. وذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق بالقلب وإقرار باللسان. وعلم بحسب ذلك بالجوارح. ويقال لكل من الاعتقاد والقول: الصدق. والعمل الصالح إيمان. ويزداد اهتمامنا هنا بقول الراغب في حديثه عن الإيمان: "إلا أن الإيمان هو التصديق الذي معه أمن لأن هذا يؤكد ارتباط معني الإيمان بمعني الأمن. وللحديث بقية في العدد القادم إن شاء الله