تتجلي مكانة السلام الاجتماعي وأهمية دوره في المواقف العطرة من السيرة النبوية الشريفة لأعظم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وآله وسلم أوضح تجل. وفي تطبيقه للوحي الكريم الذي أنزله الله تعالي عليه. كيف لا وقد أرسله الله تعالي رحمة للعالمين. فقال في حقه عليه الصلاة والسلام: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" الانبياء .107 والمتأمل في السيرة النبوية المطهرة يري تطبيق ذلك واضحاً في تصرفات المصطفي صلي الله عليه وسلم وآله وسلم من مثل امتناعه عليه الصلاة والسلام من قتال المشركين بمكة. ولما قال له العباس بن عبادة بن نضلة الانصاري رضي الله عنه في بيعة العقبة الثانية: "والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن علي أهل مني غداً بأسيافنا" قال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: "لم أومر بذلك". وكذلك تأسيسه لمعني المواطنة وحرصه علي السلام الاجتماعي من خلال معاهدته مع اليهود بالمدينة. ومؤاخاته بين المهاجرين والأنصار. وذلك كله تشييداً للدولة الإسلامية الوليدة علي أسس ثابتة من الاستقرار والامن واستتباب النظام. وتتجلي النفسية النبوية المبادرة إلي الوفاق والمحبة للسلام وترك الخلاف والحريصة علي تأليف القلوب في المدينةالمنورة في حبه صلي الله عليه وآله وسلم موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء. كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين. وانه صبر علي كل ما صدر منهم من الجحود والتكذيب والمكائد ممتثلاً في ذلك قوله تعالي: "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتي يأتي الله بأمره إن الله علي كل شيء قدير" البقرة 109. حتي وقعوا في جريمة الخيانة العظمي للدولة الإسلامية. واصبحوا حينئذ يمثلون خطراً يهدد السلام الاجتماعي والأمن القومي. فكان إجلاؤهم وعقابهم أمراً ضرورياً لا مناص منه للحفاظ علي أمن الدولة وسلامتها. ونراه عليه الصلاة والسلام يوقع في صلح الحديبية المعاهدة مع المشركين ويقدم ذلك علي القتال مصداقاً لقوله تعالي: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل علي الله إنه هو السميع العليم" الانفال .61 وعندما يمتن سبحانه بتصديق رؤيا حبيبه سيدنا محمد صلي الله عليه وآله وسلم بفتح الله تعالي علي عباده بدخول حرمه وأداء نسكه. قدم الامتنان بالأمان علي العبادة. ولم يكتف بذلك حتي أعقبها بالامتنان بعدم خوفهم حينئذ حيث يقول تعالي: "لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون" الفتح .27 وهذا يبين موقع الأمن والسلام من الشريعة الإسلامية. ويأمر الله تعالي عباده المؤمنين بأن لا يتعرضوا لمن يحج البيت حتي ولو كانوا من المشركين عندما قال: "يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا" المائدة .2 ومن جوانب السلام في حياته ودعوته صلي الله عليه وآله وسلم ايضا السلام الوقائي للمجتمع وللدولة أما الأول فيتمثل في شريعة القصاص والحدود. وفي ذلك يقول عز وجل: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" البقرة 179. والتي لم يكن النبي صلي الله عليه وآله وسلم يحابي فيها أحدا. وأما السلام الوقائي للدولة فيظهر في قوة الردع التي هي العامل الاساسي في تحصيل السلام العادل بين الدول. والتي أمر الله تعالي بتوفيرها وتحصيلها في قوله سبحانه: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم" الانفال .60 وجوانب السلام الاجتماعي في حياة النبي ودعوته الشريفة صلي الله عليه وآله وسلم بحر لا ساحل له. وهو يحتاج إلي دراسة علمية رصينة متكاملة واسعة لتجلية هذا الجانب العظيم من أخلاقه الكريمة العطرة صلي الله عليه وآله وسلم.