لعل العلاقة الطبيعية بين فهم اللغة العربية وبين علم التفسير جعلت عبدالله بن عباس رضي الله عنهما يلجأ في تفسيره للقرآن الكريم إلي الأصول اللغوية عند العرب وكلما سئل عن معني آية قرآنية فإنه يستشهد بالشعر الجاهلي في اثبات معني ما أو يستعجم عليه المعني حتي يجد ضالته في الشعر الجاهلي إذ يتطلب التفسير رصيداً لغوياً كبيراً وقدرة علي استحضار المعني من ابيات الشعر الجاهلي. وهو في هذا يتسق مع قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أيها الناس عليكم بديوانكم لا يضل. قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية". ويستشهد عمر نفسه بقول الشاعر أبي كبير الهزلي: تخوف الرجل منها تامكناً قردا كما تخوف عود التبعة السفن وذلك لتفسير قوله تعالي: "أو يأخذهم علي تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم" النحل: ..47 أي يهلككم الله حال كونكم خائفين مترقبين. وقد فسر عمر بن الخطاب التخوف بالتنقص وذلك استرشاداً بالبيت السابق. وابن عباس رضي الله عنهما من أكثر الصحابة اهتداء بالشعر الجاهلي في تفسير القرآن الكريم. كما نجده يحتكم إلي الاعراب في البادية ليستقي منهم أمراً دلالياً معيناً ومن ذلك ما رواه سفيان الثوري عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض حتي أتاني اعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما لصاحبه: "أنا فطرتها أي بدأتها.. وذلك في تفسير قوله تعالي: "الحمد لله فاطر السموات والأرض" فاطر: .1 كما يقول عن نفسه: ما كنت أدري ما معني قوله تعالي "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق" الاعراف: .5 حتي سمعت قول بنت ذي يزن: تعال أفاتحك.. تقول: تعال أخاصمك. فقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما كثيراً من الآيات مستعيناً بكلام العرب وأشعارهم وقد ذكر السيوطي في الاتقان اسئلة نافع ابن الأزرق له فقال: "بينما عبدالله بن عباس جالس بفناء الكعبة قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن؟ فقال نافع لنجده بن عويمر: قم بنا إلي هذا يجترئ علي تفسير القرآن بما لا علم له به فقاما إليه فقالا: إنا نريد ان نسألك عن أشياء من كتاب الله فتفسرها لنا وتأتينا بمصادقة من كلام العرب فإن الله إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين فقال ابن عباس: سلاني عما بدا لكما فقال نافع: أخبرني عن قوله تعالي "عن اليمين وعن الشمال عزين" المعارج: ..37 قال: العزون الحلق الرقاق قال: وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت عبيد بن الابرص وهو يقول: فجاءوا يهرعون إليه حتي يكونوا حول منبره عزينا قال أخبرني عن قوله تعالي: "وابتغوا إليه الوسيلة" المائدة: ..35 قال الوسيلة الحاجة. قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم ما سمعت قول عنترة وهو يقول: إن الرجال لهم إليك وسيلة إن يأخذوك تكحلي وتخصبي إلي غير ذلك من الاسئلة والاجوبة التي أوردها السيوطي والتي يفهم منها ان الشعر ديوان العرب فإذا خفي عليهم المعني الذي أنزل الله بلغة العرب رجعوا إلي ديوانها. وابن عباس وهو حبر هذه الأمة وعالمها لا يخجل من أن يقول "كنت لا أدري.. " وهذا منهج محمود في إقدار قيمة الكلمة والتورع عن الخطأ ولذا نجد محمد بن زياد يسأل عن أكثر من سأله في مجلس واحد فيقول: لا أدري. ويسأله رجل: ما معني "الرحمن علي العرش استوي" طه: ..5 فيقول ابن زياد: هو علي عرشه كما أخبر "قال الرجل ليس كذلك هو يا أبا عبدالله إنما معني قوله تعالي استوي استولي فقال ابن الاعرابي: اسكت ما يدريك ما هذا.. العرب لا تقول للرجل استولي علي الشئ حتي يكون له فيه مضاد فأيهما غلب قيل: استولي عليه والله لا مضاد له وهو علي عرشه كما أخبر والاستيلاء بعد المغالبة قال النابغة: ألا لمثلك أو من أنت سابقه سبق الجواد إذا استولي علي الأسد