أظهرت احصائية حديثة أن الولاياتالمتحدة تعتبر من أكثر دول العالم التي يتبرع الأغنياء فيها بأموالهم حيث أشارت الدراسة السنوية التي تعدها مؤسسة عطاء أمريكا ¢جيفينج يو إي إيه¢ بالتعاون مع مركز الإحسان في جامعة إنديانا إلي ارتفاع عام في التبرعات المقدمة من رجال الأعمال فقد قفزت التبرعات الأمريكية للعام الثالث علي التوالي ليصل إجمالي ما تبرع به الأمريكيون خلال العام الماضي إلي 306.8 دولار بزيادة تقدر ب 9.3% عن العام الماضي وبالرغم من أن المؤسسات الخيرية التي تلقت هذه التبرعات استقبلت من الشركات والكيانات الربحية مبالغ كبيرة فإن الأفراد داخل هذه الشركات كانوا بمثابة القاطرة التي دفعت إجمالي التبرعات إلي هذه الأرقام الضخمة. نتيجة لتبرع المليارديرات الأمريكان بما صار يطلق عليه ميجا جيفت. علي الجانب الآخر فقد بلغ إجمالي الثروات الشخصية للأثرياء العرب نحو 800 مليار دولار. يملكها نحو 200 ألف شخص وفي نفس الوقت يندر أن تزف وسائل الإعلام خبرا عن تبرع أحد أثرياء العرب لأي من مجالات الخير. أو قيامه بالرعاية المالية لأي مشروع تنموي.. "عقيدتي" فتحت ملف العمل الخيري لرجال الأعمال العرب وسبب الإحجام وكيفية حث الموسرين العرب علي تفعيل مشاركاتهم المجتمعية بعيدا عن السفه الإنفاقي والتفاصيل في السطور التالية: يقول الدكتور حمدي عبدالعظيم الخبير الاقتصادي المعروف والعميد الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية: علي مستوي العالم تقوم الشركات العالمية الكبري قبل الدخول إلي أسواق أية دولة بإجراء أبحاث مركزة ومكثفة علي طبيعة الأسواق وقدرة شعوب تلك الدولة علي الشراء والقوة الشرائية. والصحة العامة. والحالة الاجتماعية. والاقتصادية. وأيضاً المزاج العام للأفراد. وهل هنالك أمراض مزمنة لدي تلك الشعوب. وما أهم الأمراض المستوطنة في المدن والقري المختلفة. وقرار الاستثمار في النهاية يتخذ بناءً علي تلك الأبحاث والنتائج جميعاً. ولكن المشكلة التي تعاني منها الاقتصادات العربية كلها دون استثناء هو أن هذا البعد الاجتماعي غير موجود بالصورة الكافيه في ذهن رجال الأعمال العرب وهكذا لا نري الكثير منا للشركات المملوكة للعرب والمسلمين تخصص جزءاً ولو يسيرا من ميزانياتها لتطوير المجمتع الذي تعمل فيه. ويستطرد د.عبدالعظيم قائلا: والحقيقة التي لا جدال فيها أن المجتمع ينتظر الكثير من رجال الأعمال. خاصةً أن الفقراء يتزايدون بنسبة كبيرة. والمشاكل والمعاناة التي يعانونها ضخمة. وفشلت الحكومات في حل الكثير منها. بل وأصبح أمل الفقراء في رقاب هؤلاء الأغنياء وأصحاب القلوب الرحيمة. طور النمو أما الدكتور عبدالحميد الغزالي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة فيقول: للأسف الشديد أن الدول العربية تعاني بشكل عام من غياب ثقافة المسئولية الاجتماعية أو الوعي بمفهومها والخلط بين المسئولية الاجتماعية والعمل الخيري بينما في دولة كالمملكة المتحدة استحدثت وزارة للمسئولية الاجتماعية لرأس المال لتشجيع وتنمية هذه البرامج أما لدينا هنا في المجتمعات العربية فهناك خلط بين مفهومي المسئولية الاجتماعية والعمل الخيري حتي لدي الشركات نفسها فالمسئولية لها معني واسع يرتبط بالالتزام بالأنظمة والقوانين المتبعة والنواحي الصحية والبيئية ومراعاة حقوق الإنسان خاصة حقوق العاملين وتطوير المجتمع المحلي والالتزام بالمنافسة العادلة والبعد عن الاحتكار وإرضاء المستهلك فمازالت المسئولية الاجتماعية في طور النمو ولم تصل إلي المعدل العالمي وأغلبها جهود مبعثرة أقرب إلي الإحسان من التنمية تنحصر في إطعام فقراء أو توفير ملابس أو خدمات دون التطرق إلي مشروعات تنموية تغير المستوي المعيشي للفقراء بشكل جذري ومستدام رغم نشاط الجمعيات الأهلية المرتبطة بمنظمات الأعمال التي تهمل المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ويضيف د.الغزالي: نحن في حاجة ماسة لمبادرة شاملة للمسئولية الاجتماعية يقودها الإعلام تشمل برامج وندوات تثقيفية موجهة إلي كافة رجال الأعمال لتوضيح أهمية المسئولية الإجتماعية للموسرين حتي نتخلص من رجل الأعمال الذي يكتفي بالبحث عن الربح دون التفكير في حق المجتمع الذي يعيش فيه عليه. ويستطرد: في نفس الوقت علينا التوقف عن إصدار حكم عام علي جميع رجال الأعمال فبعضهم يساهم في مشروعات خيرية ويدرك حجم وأهمية مسئوليته أمام أبناء مجتمعه ويقوم بتنفيذ مشروعات مهمة مثل توصيل مياه الشرب والصرف الصحي أو بناء المدارس ولكن هؤلاء الجادين والمخلصين من رجال الأعمال عددهم قليل جدا ذلك مقارنة بالعدد الفعلي لرجال الأعمال حاليا أو مقارنة بالمزايا التي يحصلون عليها. المسئولية المجتمعية أما الدكتورة عزة كريم خبير علم الإجتماع بالمركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية فتقول: لابد أن يعلم رجال الأعمال العرب مدي ما وصلت إليه المشاركة المجتمعية للقطاع الخاص في الغرب حيث وصل الحال بالقطاع الخاص في الدول الكبري إلي تجاوز المشاركة الاجتماعية بشكل عشوائي لأخذ شكل منظم بأهداف واضحة واستراتيجيات تنفيذ معلنة ومع اتساع نطاق وسمعة مفهوم المسئولية الاجتماعية. أصبح للشركات الكبيرة دور تنموي أساسي وأصبح العطاء للتنمية جزءا لا يتجزأ من نشاطات هذه الشركات لدرجة أن الشركات التي لا تحمل في خططها أي نشاطات اجتماعية تعتبر من الشركات الناقصة في عين الجميع سواء من المجتمع أو من الوسط الاقتصادي والحكومي ومع الاعتراف بالدور الخجول لبعض رجال الأعمال العرب في دعم التنمية المستدامة. إلا أننا في ظل هذا النمو الكبير الذي يشهده القطاع الخاص بما في ذلك الانفتاح الكامل للاستثمار الأجنبي فإننا أصبحنا في حاجة ملحة إلي جعل مفهوم المسئولية الاجتماعية واسع الانتشار في أوساط المال والأعمال وقد نقول بهذا الجهد لدرجة أن تأخذ شكلا تنظيميا ومؤسسيا له خطة وأهداف محددة. وقد يكون هذا الشكل التنظيمي علي شكل هيئة أهلية تحت رؤية حكومية تسهم في جعل هذا المفهوم جزءا من التركيبة الاقتصادية العربية وتوسيعا لمبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص. أمور هامشية وعن رأي الدين يقول الدكتور محمد نبيل غنايم أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة: دعنا نكون منصفين ومتفائلين أيضا فليس كل رجال الأعمال بخلاء أو يوجهون أموالهم الفائضة عنهم نحو أمور هامشية أو تافهة فهناك الكثير من الرجال الأوفياء الذين يحرصون علي توجيه أموالهم أو بالأحري زكاة أموالهم نحو مشروعات تخدم مجتمعاتهم ولكن المشكلة الاكبر التي تكمن في مجتمعاتنا هي ان تلك الأموال لا تنظم التنظيم الجيد بمعني أنها تذهب أدراج الرياح بسبب عدم توجيهها التوجيه الصحيح فلا الجمعيات الخيرية تعمل في إطار منظم ولا الدولة أيضا. ويضيف د.غنايم: لابد أن نتذكر أيضا أن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قال :¢ الخير في وفي أمتي إلي أن تقوم الساعة ¢ فالناس تدفع الزكاة وهذا أمر لا جدال فيه ولكن بسبب غياب التنظيم فقد تراجع تأثير الزكاة في رفع المعاناة عن كاهل الفقراء فقديما كانت الدولة الإسلامية تقوم بدور رائع في جمع وتصريف أموال الزكاة في مصارفها الشرعية عن طريق جهاز محترم كان يسمي بيت مال المسلمين وكان يقوم علي شئون هذا الجهاز علماء موثوق في علمهم ونزاهتهم ولكن للأسف الشديد فإن الدولة عندما أهملت القيام بهذا الدور وتركته في أيدي المؤسسات غير الرسمية ما جعل الناس يفقدون الثقة في تلك المؤسسات بفعل وجود قلة لا يحسنون القيام باستغلال أموال زكاة المسلمين ولهذا لم يعد رجال الأعمال يدفعون زكاة أموالهم لتلك الهيئات ومن هنا تراجع دور وتأثير الزكاة وإذا كنا نريد تفعيل هذا الدور فيجب علي الحكومات الإسلامية أن تعود لتقوم بدور المنظم الرئيسي لجمع وتصريف أموال الزكاة من خلال إقامة هيئة يكون في عضويتها علماء دين موثوق فيهم ولديهم تأثير واضح في الشارع المسلم بالإضافة إلي خبراء في الاقتصاد الإسلامي يكونون قادرين علي ابتكار مشروعات تنموية وإنتاجية متميزة تساهم في حل المشكلات التنموية التي تواجه العالم الإسلامي بحيث يطمئن الناس إلي أن زكاتهم تصل للمستحقين لها.