أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس الأمن من أهم القضايا التي شغلت دول العالم بأسره وقامت من أجله هيئات ومنظمات متعددة وكلها تنشد تحقيق الأمن في المجتمع الدولي. وفي كل دولة متحضرة أجهزة أمنية غاية في التطور والتقدم ولقد جاء العلم الحديث بصنوف شتي من الأجهزة الحديثة لكن نظرة واحدة إلي نسبة الجريمة في دول العالم تجد ان النسبة عالية وفي تزايد. فشلت الأسلحة في تحقيق الأمن فالأمن الحقيقي لا يفرض بسلطة وانما ينبع من أفراد المجتمع من دخائلهم من ضمائرهم من أسلوب معاملاتهم. وتأمل معي مثالاً بسيطاً: لو رأيت رجلاً يحرسه جنود كثيرون من أمامه ومن خلفه وعند بيته وفي عمله أتري هذا الإنسان آمناً؟! إنه لا يستطيع ان يتحرك دون أن يخبر حراسه.. وماذا لو ناموا أو غفلوا؟! وماذا لو خانوا؟.. وماذا لو ضعفوا؟! وما شعوره حين يسقط شيء في غرفة مجاورة له.. أو ينفجر إطار سيارة أمام مكتبه..؟! رجفة من الخوف تزلزل قلبه. بيد أن الإسلام له نظرته المتميزة لقضية الأمن فالإسلام لا يعرف هذه الصورة السطحية لمعني الأمن لكنه يغرس الأمن في ضمائر الناس ويعمق الأمن في قلوبهم ولا ينال أحد من الخلق الأمن إلا بسببين هما: الإيمان بالله تعالي والعمل الصالح ويقول الله تعالي: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" الانعام: .82 وقال تعالي "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون" النور: .55 وجاء في السنة من وصايا النبي صلي الله عليه وسلم قوله: "احفظ الله يحفظك" ولفظ الحفظ في الحديث يشمل الأمن والعناية من الله تعالي ودل علي هذا العموم حذف المتعلق في يحفظك فلم يحدد: هل يحفظك في مالك؟ هل يحفظك في أهلك؟ هل يحفظك في دينك؟ .. الخ حتي ينصرف الحفظ إلي كل ما يمكن ان يحفظ فأفاد العموم. ودلالة الأمن في الإسلام لا تقتصر علي دفع المخاطر والمخاوف عن الإنسان فحسب بل تتعداها لتشمل الحياة الطيبة وهذا ما وعد الله به أهل الايمان والعمل الصالح قال الله تعالي: "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" النحل: .97 وحديث الثلاثة الذين انحدرت عليهم الصخرة من أعلي الجبل يظهر ثمرة العمل الصالح بعد الإيمان بالله تعالي في تحقيق الأمن. تري في موقف كهذا عز عليهم الاتصال بأي بشر.. وغابت كل قوي البشر عنهم وهم عزل من كل محاولة يستطيعون بها الفور بالأمن والنجاة من هذا الخطر الذي فاجأهم وكان التوسل بالعمل الصالح إلي من آمنوا به رباً قادراً خالقاً.. لا يغلبه شئ وهو قادر علي كل شئ هو السبيل لنجاتهم. وهذا لون من الأمن أو قل من التأمين علي الحياة لا تعرفه الحياة المادية والأمن كثمرة للإيمان والعمل الصالح يمتد إلي ما بعد حياة الإنسان إلي ذريته من بعده قال الله تعالي: "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً" النساء: .9 وهكذا جعل الله الإيمان والتقوي سبيلاً يحقق للذرية الأمن من حوادث الأيام وتقلبات الزمن. يؤكد هذا المعني ما جاء في القرآن الكريم من قصة اليتيمين ذوي المال الذي تركه لهما أبوهما تحت الجدار القديم الذي أوشك أن يتهدم فيضيع المال علي اليتيمين ولا ينتفعان به فأرسل الله عبداً تقياً ملهما فأصلح الجدار بأمر من الله تعالي "فانطلقا حتي إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتخذت عليه أجراً" الكهف: .77 وقد وضح العبد الصالح "الخضر" لنبي الله موسي عليه السلام سبب اصلاح الجدار الذي تحته الكنز يقول الله تعالي الكهف .82 وإنها للفتة كريمة عظيمة تلك التي ينبه عليها الإسلام وهي أن جانباً من تحقيق الأمن للأموال خشية الضياع والهلاك إنما يكون بطاعة الله بأداء ما افترض الله فيها من زكاة يقول النبي صلي الله عليه وسلم: "داووا مرضاكم بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة" السنن الكبري للبيهقي 382:.3 وقوله عليه الصلاة والسلام: "الزكاة قنطرة الإسلام وما هلك مال في بر أو بحر إلا بسبب حبس الزكاة".