الانسان يحيا علي هذه الأرض في أطوار الطفولة والشباب والرجولة والشيخوخة وهي في لفظها مصاحبة للعجز الصحي والتدهور الفكري والضعف والمرض الذي لا يملك الطب أمامه شيئا قال تعالي: "الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير" الروم: .54 وهذه الطبقة من الناس - أعني طبقة المسنين - في حاجة إلي المساعدة والرعاية. وقد سلكت بعض الدول طرقا شتي لرعاية هذه الفئة من الناس فبعضهم يحيلونهم إلي التقاعد في سن مبكرة - في سن الستين أو الخامسة والستين وبعضهم يحيلونهم إلي دار المسنين لرعايتهم لأنهم أصبحوا لا فائدة من ورانهم للآخرين. وإذا كانت هناك بعض الدول قد تقدمت في الصناعة وفي شتي الميادين فانها في عنايتها بالشيخوخة لم يحالفها الصواب ولم يحققوا سعادة للمسنين ورعايتهم لأنسانيتهم فمهما تكاملت الخدمات اللازمة فقد فقدت الجانب الانساني والنفسي الكامن في الوجدان مما أحدث قلقا نفسيا ودلت الاحصائيات ان تحديد سن الاتزال وراء أمراض القلب والبدانة وضعف الدم والكآبة النفسية بل والأمراض الخبيثة والحوادث المختلفة خصوصا وقد لوحظ ان الذين وصلوا إلي سن السبعين يستطيعون العطاء بتقوية الروابط الأسرية والمشاركة في ابداء الرأي والمشورة المبنية علي الحكمة والتجربة وهما أعلي شيء في تسيير الأمور والرقي بالمجتمع ولا بأس من أن تسند اليهم الاعمال التي تتناسب مع سنهم وان تكون تحت الاشراف الصحي وتزويدهم ببرامج مسلية مع التغذي والرياضة والترفيه كما سلكت بعض الدول النامية طريق الاعتزال بناء علي رغبة أفراده لا طبقا لسن محددة لأن استمرارية العمل يقلل الفقر ويقوي الانتاج خصوصا وان الكبار لهم تجارب واسعة في الحياة تزداد كلما تقدم الانسان في السن. وما أحوجنا إلي الحكمة والرأي النافع في جميع فنون الحياة لتهدأ النفس ويطمئن القلب والإسلام يقرر ان الأسرة المتماسكة هي خير بيئة لتقديم الخدمة للآباء وليس في دور الرعاية أو المستشفيات فلا يقطع المسلم علي المسن حنان الأسرة المتأصل في النفس والنابع من الفطرة التي فطر الله الناس عليها ذلك لأن احتياجات الانسان المسن تختلف عن الآخر ولا يجوز تعميم الخدمة وتوحيدها لان بعضهم يميل إلي العمل والبعض يميل إلي الجلوس مع أصدقائه والبعض يميل إلي الجلوس مع من هم في عمره وفي دور الرعاية تحطيم لهذه الرغبات والمسنون لا يرغبون أن يكونوا في عزلة عن الناس في دور معينة ولكنهم في مجتمع واحد متماسك لا ينفصلون عنه ورعاية الابن لأبيه والزوجة لزوجها والجار لجاره والصديق لصديقه من صميم سلوك الإسلام الذي دعا إليه ديننا الحنيف. قال تعالي: "وقضي ربك ألا تعبدوا إلا اياه وبالوالدين احسانا أما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" الاسراء: 23 و.24