غير أنك لا يمكن أن تنسي مطلقاً، واقعة نجاح اللواء، سفير نور، مرشح حزب الوفد علي مقعد الفلاح، بانتخابات برلمان 2010 والذي صدر حكم القضاء الإداري ببطلان ترشيحه، لأنه كان يشغل منصب مساعد وزير الداخلية، وقام بتعديل وظيفته ببطاقة الرقم القومي لمزارع في شهر سبتمبر 2010 علاوة علي أن مقر إقامته المدون في البطاقة حي الدقي، وتقع الأرض الزراعية الخاصة به بمركز بسيون بمحافظة الغربية، وبالتالي تنحسر عنه صفة الفلاح، ورغم ذلك نجح سفير في الانتخابات وفاز بمقعد العمال عن دائرة الدقي. تلك الوقائع التاريخية المسجلة، وغيرها العشرات من الوقائع التي يطول ذكرها، كانت ظاهرة ابتدعها نواب الحزب الوطني المنحل، الحاكم حتي 2011 للهروب من منافسات صعبة علي مقاعد الفئات، ولضمان الاستمرار في البرلمان حتي إذا كان ذلك بالتزوير والتلاعب وتغيير الصفة الانتخابية من فئات إلي عامل أو فلاح. الكثيرون كانوا يتخوفون من أن يصبح تغيير الصفة الانتخابية، والحصول علي صفتي العامل والفلاح بدون وجه حق، أحد الأبواب الخلفية التي تهدد ببطلان الانتخابات التشريعية المقبلة، وتطعن في شرعية مجلس الشعب المقبل، بعد ثورة 30 يونيو، التي أزاحت جماعة الإخوان عن الحكم. وربما لهذا السبب قررت لجنة ال 01 التي تم اختيارها لتعديل دستور 2102 بعد ثورة 30 يونيو، بناء علي المقترحات التي وصلت إليها، إلغاء نسبة العمال والفلاحين من مشروع الدستور الجديد. ورغم أن الأمر مازال في انتظار رأي لجنة الخمسين التي سيتم تشكيلها من النقابات والقوي الوطنية المختلفة، إلا أن الأمر أثار الكثير من الجدل والغضب بين أعضاء النقابات العمالية والفلاحين، الذين أكدوا أنهم لن يتنازلوا عن نسبتهم بالبرلمان مهما كلفهم الأمر، باعتبار أن هذا حقهم. بينما اعتبر كثير من الخبراء والمحللين السياسيين، أن وجود نسبة للعمال والفلاحين داخل البرلمان، يعد نوعاً من التمييز يؤدي لمشكلات كثيرة في المستقبل، وأن زمن الاستثناءات قد ولي بغير رجعة، وأن الجميع يجب أن يتساوي في الحقوق والواجبات، وإذا كان وضع النسبة مبرراً بعد ثورة 1952 فهو الآن ومع تطور الأحداث غير مبرر، وانتفي الهدف منه. المطالبون بالإبقاء علي نسبة العمال والفلاحين، كان علي رأسهم بالضرورة، رئيس النقابة العامة للفلاحين المستقلة، محمد عبدالقادر، والذي اعتبر أن مقترح لجنة ال10 ظالم، ويهدر حقوق قوي لها وزنها في المجتمع المصري، قاصداً الفلاحين، مشيراً إلي أن 95٪ من المجتمع المصري يرفض قرار إلغاء نسبة العمال والفلاحين الذي يحرمهم من وصول أصواتهم إلي المسئولين ومناقشة مشكلاتهم. عبدالقادر، أكد أن الفلاحين لن يتنازلوا عن نسبة ال50٪ بالدستور الجديد، ولا يمكن أن يكون هذا رد الجميل للفلاحين فطوال العامين الماضيين يتظاهرون اعتراضاً علي الظروف القاسية التي يمرون بها واختاروا طريق العمل لزيادة الإنتاج، وعدم تعطل عجلة الإنتاج، كما أن الفلاحين يمثلون شريحة كبيرة في المجتمع لا يمكن الاستهانة بمطالبهم. وبالضرورة أيضاً، رفضت النقابة العامة للعاملين بالقطاع الخاص، علي لسان رئيسها، شعبان خليفة، توصية لجنة ال10 بإلغاء نسبة العمال والفلاحين، مؤكداً أن العمال ظلموا كثيراً في عهد جماعة الإخوان المسلمين، ومحمد مرسي، خاصة في ظل دستور 2012 المعطل، ومشيراً إلي أن أبرز المواد التي ظلمت العمال المادة الخاصة بتخصيص 50٪ من مقاعد المجالس المنتخبة للعمال والفلاحين مرة واحدة فقط. خليفة، أشار في بيان صحفي صادر عن النقابة، إلي أنه لا يحق لأي نظام إلغاء هذه النسبة فهي مكتسب للعمال منذ ثورة 23 يوليو، موضحاً أن الدستور المعطل ظلم العمال كذلك في ربط الأجر بالإنتاج، متسائلاً: "ما ذنب العمال في تعمد عدد من رجال الأعمال إيقاف العمل". ويتفق مع الآراء السابقة، كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان،، والذي يري أن إلغاء نسبة العمال والفلاحين من البرلمان يجب ربطه بشرط إصدار قانون للحريات النقابية يعطي العمال حرية تكوين نقابتهم، إضافة لإلغاء القيود الموجودة بقانون الأحزاب لتسمح للعمال بتأسيس أحزاب تتحدث باسمهم، وقال عباس، إن العبرة ليست بنسبة ال50٪ بل في إعطاء الفئتين حقهما في التنظيم والتواجد في المجتمع ليكون لديهما قوة بالمجتمع. ضوابط محكمة وشدد عباس علي أنه في حالة عدم أخذ لجنة الخمسين بتوصية لجنة العشرة، فلابد أن تضع ضوابط قوية لتعريف العمال والفلاحين، فمثلاً بالنسبة للعمال يكون كل عامل يعمل بأجر لكن ليس لديه سلطة إدارية عليا ليصبح صوتاً للعمال، وليس للمكان الذي يعمل له، لافتاً إلي أن دستور 2012 المعطل لم يضع تلك الضوابط لفئتي العمال والفلاحين. كما طالب عضو مجلس الشعب السابق، البدري فرغلي، بالإبقاء علي نسبة ال50٪ للعمال والفلاحين في التعديلات الدستورية، وقال إن العمال هم من فجروا ثورة 25 يناير، ووقفوا بقوة خلف ثورة 30 يونيو، ويجب أن تعظم التعديلات الدستورية المرتقبة مكاسبهم، وليس سلبها. وحذر فرغلي، من الاستجابة لبعض الأصوات التي تنادي بإلغاء نسبة العمال والفلاحين، ومطالباً بأن تكون نسبة العمال والفلاحين في المجالس النيابية دائمة، وليست لدورة برلمانية واحدة، كما ينص الدستور المجمد. في المقابل، يري الدكتور رأفت فودة، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة، أن بقاء نسبة العمال والفلاحين نوع من التمييز، وهذا مرفوض لصالح جميع الفئات, فنحن نتحدث عن دولة المساواة ويجب أن يكون الدستور الجديد مساوياً بين الجميع في الحقوق والواجبات ولا يعلي فئة علي حساب أخري أو ينتقص من فئة لصالح أخري, فأي تمييز سواء كان إيجابياً أو سلبياً يؤدي لمشاكل كثيرة في المستقبل. أضاف فودة، لا يوجد فلاح أو عامل حقيقي نجح في دخول مجلس الشعب علي مدي السنوات السابقة فكلهم كانوا مؤهلات عليا، ولايعلمون شيئاً عن مشاكل العمال والفلاحين, فهذه الصفة كانوا يكتسبونها بالتزوير والتحايل بالحصول علي صفة الفلاح بالحيازة الزراعية، والعامل من خلال شهادة من اتحاد العمال تفيد أنه عامل، واعتبر أن هذا القرار إذا تمت الموافقة عليه لا يعد استبعاداً لهم من الحياة السياسية، فمن حقهم المساواة مع أي فئة أخري. تمييز مرفوض واتفق معه في الرأي، محمد سامي، رئيس حزب الكرامة، مؤكداً أن حزبه يرفض نسبة ال50٪ عمال وفلاحين، ولافتاً إلي أن حل أزمة العمال والفلاحين تحتاج لتوصيف دقيق لمعني العامل والفلاح، مشيراً إلي أن الإبقاء علي نسبة ال50٪ عمال وفلاحين يعود بالبلاد للخلف ويساعد علي وجود نفس الممارسات السيئة السابقة. كما أعلنت حركة شباب 6 أبريل، علي لسان عضو الحركة، محمد الزناتي، رفضها لاستمرار نسبة ال50٪ للعمال والفلاحين، حيث تسبب هذه النسبة في إدخال عناصر ليست علي مستوي كاف من الدراية والثقافة. ورحب عبدالغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبي، بتوصية لجنة العشرة، باعتبار أنها لم تعد ملائمة للمرحلة المقبلة، وأنه تم تطبيقها في عهد عبدالناصر من أجل تمثيل الطبقات الكادحة التي لا سند لها أو تملك نفوذا ماليا أو طبقيا، مشيراً إلي أنه ثبت من التجارب أن هناك تحايلاً علي تعريف تلك الفئة، بعدما ترشح ضباط الشرطة علي مقاعدهم، لافتاً إلي أن المتابع لتاريخ الانتخابات البرلمانية في مصر يعلم جيداً أنه منذ انتخابات عام 76 لم يدخل البرلمان من العمال أو الفلاحين سوي أعداد قليلة. أضاف شكر، أن نسبة ال50٪ تعد بمثابة لغم قابل للانفجار، موضحاً أن الاتحاد العام للعمال المتحالف مع الحكومة هو الذي يرغب في الإبقاء عليها. وقال المتحدث باسم اتحاد شباب الثورة، تامر القاضي، أن البرلمانات السابقة لم يكن هناك تمثيل حقيقي بها للفلاحين أو العمال، بسبب أن كثيرا من اللواءات كانوا يترشحون كعمال وفلاحين بعد تغيير صفتهم ذلك لأن فرصة فوزهم بمقاعد عمال وفلاحين في البرلمان تكون أكثر من فرصة فوزهم بمقاعد الفئات، مشيراً إلي أن فكرة العمال والفلاحين انتفت الآن بسسب انتشار التعليم بين الفلاحين والعمال فمنهم المحامي، والدكتور، والضابط، وغيرهم.