د. حازم الببلاوى ثلاث حكومات تعاقبت علي إدارة شئون مصر الثورة، منذ يوم 28 يناير 2011 وحتي يوم 9 يوليو الماضي، الذي شهد إعلان المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية المؤقت، إسناد تشكيل رابع حكومات ما بعد ثورة 25 يناير، للدكتور حازم الببلاوي. تولي الفريق أحمد شفيق، رئاسة مجلس الوزراء بتكليف من الرئيس الأسبق، حسني مبارك، يوم 29 يناير 2011، واستمر حتي تنحي مبارك عقب أحداث موقعة الجمل في 11 فبراير 2011، ليعود المجلس الأعلي للقوات المسلحة لتكليف الفريق شفيق برئاسة حكومة تسيير أعمال حتي إعلان حكومة جديدة، واستمر في منصبه حتي يوم 3 مارس 2011، والذي شهد الإعلان عن تكليف الدكتور عصام شرف، بتشكيل حكومة مؤقتة حتي نهاية الفترة الانتقالية، واستمر في منصبه حتي يوم 25 نوفمبر 2011. وكانت ثالث الحكومات برئاسة الدكتور كمال الجنزوري، حكومة إنقاذ وطني، استمرت حتي 24 يوليو 2012، لتسلم إدارة البلاد لحكومة الدكتور هشام قنديل، أول حكومة في عهد الرئيس المنتخب لمصر بعد الثورة، محمد مرسي، واستمرت حتي يوم 3 يوليو 2013، والذي شهد إعلان القوات المسلحة عزل الرئيس مرسي، عقب اندلاع ثورة 30 يونيو، ثم الإعلان في 9 يوليو عن تكليف الدكتور حازم الببلاوي، بتشكيل الحكومة الجديدة. وتعد تلك هي المرة الثانية علي التوالي بعد ثورة 25 يناير، التي يتم الاستعانة فيها بالدكتور حازم الببلاوي، لرئاسة الحكومة الانتقالية لمصر بعد ثورة 30 يونيه، فقد تم الاستعانة بالببلاوي قبل ذلك كنائب لرئيس مجلس الوزراء، ووزير للمالية في حكومة رئيس الوزراء الأسبق، الدكتور عصام شرف. اختلفت الظروف، وتغيرت الأحوال، وتبدلت الحكومات، وبقيت الأزمات كما هي، الأمن والاقتصاد والسياحة والبطالة ورغيف العيش وغيرها..، نفس الأزمات واجهت الثلاث حكومات، وستواجه حكومة الدكتور الببلاوي أيضاً. تحديات سياسية واعترضت مهمة الخبير الاقتصادي، حازم الببلاوي، في تشكيل حكومة مصرية جديدة تحديات سياسية جمة في ظل انقسام حاد تشهده البلاد بين معارضي ومؤيدي الإخوان المسلمين إثر عزل الرئيس السابق، محمد مرسي، فالببلاوي يضع علي رأس أولوياته جمع كافة الأطراف والتيارات السياسية في الحكومة لاحتواء الانقسام السياسي، والانفلات الأمني، ولتنفيذ جدول زمني للمرحلة الانتقالية بناء علي الإعلان الدستوري الجديد. وبعد ساعات قليلة علي تعيين الرئيس المؤقت، عدلي منصور، للببلاوي رئيساً للحكومة الجديدة سارع الأخير إلي مد يد التعاون والحوار إلي جماعة الإخوان، والحزب المنبثق عنها الحرية والعدالة عبر إعلانه نيته اشراكهم بالحكم، إلا أن الجماعة تصر علي عدم الاشتراك بالعملية السياسية في البلاد قبل عودة مرسي إلي سدة الرئاسة، وتعتبر أن عزله عن الحكم غير شرعي، ما دفعها إلي الإعلان عن رفضها القاطع المشاركة في الحكومة الجديدة. وينسجم هذا الموقف مع رفض الجماعة للإعلان الدستوري الذي أصدره منصور قبل ساعات علي تعيين الببلاوي، وهذا ما عبر عنه بوضوح المتحدث الرسمي لحزب الحرية والعدالة، أحمد أبوبركة، بقوله أنهم لا يعترفون بالإعلان الدستوري، ولا بأي من توابعه، فهو إجراء غير مشروع وباطل. وعلي جبهة حزب النور السلفي، تبدو مهمة الببلاوي أسهل إذ سارع رئيس الحزب، يونس مخيون، إلي إعلان ترحيبه بهذا التكليف معتبراً أن رئيس الحكومة يستوفي شروط الحيادية من خلال عدم انتمائه لأي تيار سياسي في البلاد، فضلاً عن امتلاكه للخبرة المطلوبة. غير أن هذا الترحيب رافقه اعتراض علي بعض مواد الإعلان الدستوري وتحفظ علي تعيين رئيس حزب الدستور، والقيادي في جبهة الإنقاذ الوطني، الدكتور محمد البرادعي، نائباً لرئيس الجمهورية للشئون الخارجية، ما ينذر بصدام وشيك بين حزب النور الذي وافق علي عزل مرسي، والسلطة التنفيذية الجديدة. ولا تقف التحديات التي تواجه مهمة الببلاوي عند حدود التيارات الإسلامية، بل تتعداها لبعض التيارات العلمانية والليبرالية والقومية التي أعربت عن رفضها للإعلان الدستوري، رغم أنها كانت وراء التظاهرات الحاشدة التي أفضت لعزل مرسي، فبعد أن أعلنت حركة تمرد التي قادت مظاهرات 30 يونيو رفضها الأسلوب "الاستئثاري" الذي انتهجه منصور في إصدار الإعلان الدستوري، أعلنت شريكتها جبهة الإنقاذ الوطني رفضها لطريقة صدور الإعلان وبعض بنوده، كما طالبت بإجراء بعض التعديلات عليه. وخلال كتابة هذه السطور، كان الخبير الاقتصادي، حازم الببلاوي، يواصل استقبال الشخصيات المرشحة لتولي مناصب وزارية في حكومته، معرباً عن أمله في أن ينتهي من التشكيل الوزاري أواخر هذا الأسبوع. ومن المتوقع أن تضم الحكومة الجديدة نحو 30 وزيراً، إضافة لنائبين أحدهما للشئون الاقتصادية، والثاني لشئون الأمن، وستعود للوزارة الجديدة وزارة التضامن الاجتماعي، وسيبقي الببلاوي علي عدد من الوزراء في الحكومة السابقة، ومازالت المشاورات تتوالي في ظل حالة من الغموض بشأن أعضاء الحكومة وانتماءاتهم، والتي يبدو أنها ستخلو من ممثلين للتيار الإسلامي رغم تصريحات الببلاوي بمشاركتهم. كان اختيار رئيس الوزراء نفسه قد جاء بعد أخذ ورد، حيث اعترض حزب النور ذو التوجه السلفي علي تكليف رئيس حزب الدستور محمد البرادعي، وهو ما جعل بعض القوي الليبرالية واليسارية تنقلب علي حزب النور رغم أنه كان شريكا أساسيا في خارطة الطريق الجديدة، التي أعلن عنها وزير الدفاع، عبدالفتاح السيسي بعد عزله للرئيس محمد مرسي بدعوي الاستجابة للمظاهرات الحاشدة التي خرجت تطالب برحيله في 30 يونيو. ليست تكنوقراط وبعد توقعات بإعلان تشكيل الحكومة الجديدة خلال يومين، عاد الببلاوي ليوضح أنه ما زال يجري مشاورات قد تستغرق وقتاً، وأنه لم يبدأ مرحلة الاتصالات بالمرشحين، متعهداً بأن تعتمد اختياراته علي معيارين هما الكفاءة والمصداقية، ومؤكداً أن الحكومة ستكون حكومة كفاءات بعيداً عن التوازنات السياسية. ورغم أن الجميع يطالب بتشكيل حكومة تكنوقراط، إلا أن الأمر يبدو في غاية الصعوبة، إذ أن أغلب الشخصيات التكنوقراط التي راهن عليها الببلاوي لتولي مناصب وزارية اكتشف أنها تنتمي لأحزاب سياسية، وهو ما يصعب معه التوصل لحكومة تكنوقراط مستقلة وغير مسيسة. وعلمت "آخر ساعة"، أن الببلاوي استقر علي استمرار وزراء الوزارات السيادية، وفي مقدمتهم الدفاع، والداخلية، والخارجية، غير أن الأخيرة اعتذر وزيرها في أخر اللحظات مما دفع الببلاوي للاستعانة، بسفير مصر السابق لدي واشنطن، نبيل فهمي لتولي حقيبتها، وتم الاتفاق بصفة شبه نهائية علي أن يتولي الدكتور زياد بهاء الدين، منصب نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية، ووزير التعاون الدولي. ومن بين الأسماء التي شهدت شبه استقرار من الدكتور الببلاوي، علي توليها مناصب وزارية، هاني قدري، وزيراً للمالية، وجودة عبدالخالق للتموين، وأحمد مجاهد للثقافة، والدكتور عمار علي حسن للشباب، وعصام حجي وزيراً للبحث العلمي، ودرية شرف الدين للإعلام، وعادل لبيب للإدارة المحلية، وحسين كمال للطيران المدني، علاوة علي الدكتور حسام عيسي، للتعليم العالي، والدكتور سالم عبدالجليل لوزارة الأوقاف. من جانبه، أكد الدكتور جودة عبدالخالق، وزير التموين السابق أنه لا مانع لديه من المشاركة في الحكومة، مشيراً إلي أنه دائم التواصل مع شباب الثورة، ويتابع الأحداث علي الساحة، وقال أنه يؤيد عودة الإخوان المسلمين إلي المشهد السياسي، بشرط أن يلعبوا بقواعد اللعبة المتعارف عليها من جميع الأطراف في الساحة السياسية، وأهمها عدم إقحام الدين في السياسة. أموال التأمينات ويطالب البدري فرغلي، رئيس الاتحاد العام لأصحاب المعاشات بضرورة فتح ملفات أموال التأمينات التي تجاوزت 600 مليار جنيه بالفائدة، والتي مازالت لدي وزارة المالية، لافتاً إلي أنه رغم إنشاء وزارة تحت مسمي "التأمينات" وتولي الدكتورة نجوي خليل حقيبتها منذ أكثر من 20 شهراً، إلا أن الوزارة فشلت في استرداد أموال التأمينات من وزارة المالية، مطالباً بضرورة استبعادها من التشكيل الوزاري المرتقب مع محاسبة جميع المسئولين في الوزارة بسبب تقاعسهم عن استثمار أموال التأمينات لتحسين دخول أصحاب المعاشات. بينما يري السفير محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق، ونائب رئيس حزب المؤتمر، أن حكومة الدكتور حازم الببلاوي، ستواجه عدة مشاكل، سواء كانت هذه المشاكل داخلية أو كانت خارجية، ولكن المشاكل الخارجية من الممكن أن تحل، وذلك نظراً لوجود علاقات خارجية من الممكن أن تساعد في حل هذه المشاكل، مشيراً إلي أن التحديات والانقسامات الصعبة تكمن في المجتمع من الداخل، وذلك لأنه يوجد نوع من التحدي الكبير بين كل الفصائل السياسية، حيث يبدو أن الأمور كلها أصبحت في طريق مسدود والوصول لنتائج ترضي جميع الأطراف شبه مستحيل. وشدد العرابي، علي أنه يتوجب علي الحكومة الجديدة، وبشكل سريع أن تدعو كل القوي السياسية للاشتراك في الحياة السياسية، وأن تبعث برسالة اطمئنان لكل التيارات السياسية بأنه لا يوجد إقصاء لأي طرف من الأطراف السياسية حتي لو كان أعضاء حزب الحرية والعدالة، فهم مواطنون مصريون ولهم كل الحقوق السياسية. تدن اقتصادي أكد السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية السابق، والأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، أن المشكلة الحقيقية التي تقف عائقاً أمام حكومة الدكتور حازم الببلاوي تتمثل في التدني الاقتصادي لمصر في الفترة الحالية، وعلي الحكومة الجديدة العمل علي حلها في أقرب وقت ممكن، حيث تتمثل المشكلة الاقتصادية في أن الإيرادات المصرية أصبحت في تراجع مستمر في مقابل زيادة في المصروفات، وهذه مشكلة كبيرة في حال تفاقمها من الممكن أن تؤدي لانهيار الاقتصاد المصري كله. وأوضح بيومي، أن التبرعات التي حصلت عليها مصر من الدول العربية مؤخرًا بعد ثورة 30 يونيه، والتي وصلت لما يقرب من 12 ملياراً هي جيدة للغاية، لكنها نوع من المسكنات فقط تساعد في حلول مؤقتة لبعض المشاكل الاقتصادية. وتري الدكتورة عالية المهدي، عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة سابقاً، إن أهم التحديات التي تواجه حكومة الدكتور حازم الببلاوي هي مشكلة البطالة والتي ازدادت معدلاتها في الفترة الأخيرة، والتي لابد أن توضع علي رأس أولويات الحكومة الجديدة مع العمل علي القضاء علي هذه المشكلة. وأشارت إلي أنه من التحديات الاقتصادية الأخري التي ستواجه الحكومة مشكلة القطاعات الاقتصادية التي تعمل بأقل من طاقاتها، ولابد أن نعيد لها النشاط مرة أخري، وأن تعمل بكل طاقتها من جديد، وأن عجز الموازنة العامة ونقص رصيد مصر من العملات الحرة والأجنبية أيضاً من التحديات الأساسية التي ستواجه حكومة الدكتور الببلاوي. بينما قال نبيل زكي، المتحدث الرسمي باسم حزب التجمع، إن إعادة الأمن وإحياء النشاط الاقتصادي، والعمل علي دفع الزراعة، والصناعة، والعمل علي إجراءات عادلة لرفع مستوي المعيشة، وكيفية التعامل مع الأعضاء الذين ينتمون لحزب الحرية والعدالة والموجودين داخل كل وزارات الدولة المصرية، كل هذه الملفات يجب أن تتعامل معها حكومة الدكتور الببلاوي بكل قوة، حتي لا نرجع إلي المربع صفر مرة أخري.