تشهد القارة السمراء أفريقيا حراكا سياسيا مع الاحتفال بالذكري الخمسين لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليا)، وهو ما يفتح باب التساؤل حول مصير العلاقات المصرية- الأفريقية، خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت نظام الرئيس السابق حسني مبارك المتهم الأول في تردي العلاقات بين القاهرة ومختلف دول أفريقيا، ففي ظل أزمة اقتصادية خانقة تمر بها بلادنا تبدو العلاقات مع أبناء القارة الواعدة ضرورة علي المستويات السياسية والاستراتيجية فضلا عن الاقتصادية. ما يزيد العلاقة مع أفريقيا حيوية، في ظل احتفالية مصر بعام أفريقيا، التقارير الدولية المتواترة حول النشاط الإسرائيلي المكثف في عدة دول، فضلا عن النشاط الإسرائيلي المكثف في دول حوض النيل، فإسرائيل ترسل الكثير من الخبراء إلي تلك الدول في المجالات كافة، بما فيها القوات المسلحة التي تشارك تل أبيب في الكثير من عمليات التسليح لعدة دول من ضمنها كينيا وأريتريا وإثيوبيا، وهناك حديث حول دور إسرائيلي في بناء سد "النهضة" الإثيوبي، والذي يهدد مباشرة حقوق مصر في مياه النيل. لذلك تبدو زيارة الدكتور محمد مرسي، رئيس الجمهورية، للعاصمة الإثيوبية؛ أديس بابا، الجمعة الماضية لحضور فعاليات القمة الأفريقية وعقد لقاءات ثنائية مع رؤساء الدول الأفريقية وعلي رأسهم هيلي ماريام، رئيس الوزراء الإثيوبي، خطوة علي طريق استعادة المجد المصري في القارة السوداء، والذي عرفته يوما في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، عندما ناصر حركات التحرر الأفريقية في حقبة الستينيات، وجعلت من مصر زعيمة أفريقيا وقائدتها المتوجة، اليوم مصر في حاجة للأسواق الأفريقية إذا ما أرادت أن تتحول إلي نمر اقتصادي عالمي. احتياج مصر لأفريقيا ربما لا يقل عن احتياج أفريقيا لمصر في إطار علاقات تكاملية تكفل للجميع مكاسب متعاظمة بعيدا عن العلاقات الفوقية أو المصالح أحادية الجانب، وهو ما أكدته، الدكتورة عالية المهدي، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، قائلة: "لابد من التركيز علي الجوانب الاقتصادية في العلاقات مع أفريقيا، بما يخدم ويعزز التضامن المصري- الأفريقي في الفترة المقبلة، خاصة أن المجتمعات الأفريقية تضم أكثر من 350 مليون مواطن يمثلون فرصة ذهبية للاستثمار وتحقيق مصالح مصر الاقتصادية، وتصريف المنتجات الوطنية في هذه الأسواق فرصة لا تفوت". وتابعت المهدي: "العلاقات مع أفريقيا ضرورة علي أكثر من مستوي خاصة علي المستوي الأمني، في وقت تتغلغل إسرائيل في القارة السمراء وتضرب علاقات جذرية مع دول حوض النيل تحديدا، وهو ما يجبرنا علي تكثيف الجهود من أجل استعادة قوة العلاقات مع أفريقيا، لأنها مسألة أمن قومي لا يمكن التفريط فيه". وتري الدكتورة نادية عبدالفتاح، المتخصصة في العلاقات المصرية- الأفريقية بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، أن علاقات مصر مع الدول الأفريقية خاصة مع دول حوض النيل علي المحك حاليا، خاصة مع "الاتفاقية الإطارية للتعاون بين دول حوض النيل"، والتي رفضت مصر والسودان التوقيع عليها، لأنها تخالف المعاهدات السابقة والموقعة عليها مصر واعترفت بها دول حوض النيل في سنوات 1902، 1906، 1929 مع التأكيد علي أن الموقف المصري القانوني لن يتأثر بتوقيع دول المنبع علي إنشاء المفوضية الخاصة بهم باعتبار أن قواعد القانون الدولي تحمي حقوق مصر في ظل الاتفاقيات التي وقعتها مصر مع هذه الدول، خصوصا اتفاقيتي 1929 و1959 الموقعتين مع دولة السودان، واللتين تضمنان عدم المساس بحصة مصر المائية. وأضافت عبدالفتاح: "ليس أمام مصر فيما يتعلق بأزمة مياه النيل إلا الدخول في صراع مكشوف مع دول منابع النيل وفي مقدمتها إثيوبيا، وهو حل سيزيد الأمور اشتعالا، أو اللجوء إلي فتح صفحة من التعاون البناء مع دول الحوض وتأسيس علاقات مع دول الحوض قائمة علي مبدأ المصلحة، وهو الخيار الأكثر ملاءمة في ظل الظروف التي تمر بها مصر حاليا. من جانبه قال الباحث حسين السيد، الباحث بمركز تاريخ مصر المعاصر بدار الوثائق، ل"آخر ساعة": "الاهتمام بالعلاقات مع أفريقيا لابد أن يستمر ولا يقتصر علي المناسبات الطارئة، فمثلا نظمنا في دار الوثائق الأسبوع الماضي ندوة بعنوان "خمسون عاما علي تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية "كمحاولة للتذكير بأهمية مصر لأفريقيا وأهمية أفريقيا لمصر، فلابد من أن تحظي العلاقات الأفريقية بأولوية في الفترة المقبلة، بما لها من أهمية في الشأن الاقتصادي والسياسي". ويقول أحمد إبراهيم هلالي، الباحث بذات المركز والمتخصص في الشؤون الأفريقية: "شهدت العلاقات المصرية الأفريقية في العقود الأخيرة تراجعا، علي الرغم من إرث العلاقات التاريخية بين القاهرة ومختلف العواصم الأفريقية، فمن مصر الأفريقية انطلقت معظم حركات التحرر الأفريقية، ونجح الدور المصري في عهد عبد الناصر في تحويل العلاقات الأفريقية إلي رصيد سياسي وشعبوي، فاصطفت الدول الأفريقية خلف مصر، في أيّ قضية أو مؤتمر أو محفل دولي، يؤيدونها ويتبعون رأيها، وهو ما أضفي لمصر وأفريقيا معا، ثقلا سياسيا عالميا، وأضحت القاهرة لسان أفريقيا".