يكون غيظك عظيما، عندما تراهن علي فنان ما، ثم يخذلك، وبعد أن كنت تعتقد أنه سوف يقدم شيئا مختلفا عن سابقه، تجده يتقهقر متعمداً ليقدم أعمالا فنية، كنت تعتقد أنه يستهجنها من منطلق كونه أكثر ثقافة وطموحا! عندما قدم أحمد مكي نفسه مخرجا في فيلم الحاسة السابعة، لم يصادف الفيلم نجاحا تجاريا، ولكنه كان يعزف لحنا مختلفا ويمتلك طموحا لتقديم نوعية من الكوميديا غير تلك التي كانت سائدة مع نهاية التسعينيات، وكان أهم نجومها محمد هنيدي وأحمد آدم، وأحمد رزق ومحمد سعد! حكم أن أحمد مكي خريج معهد سينما. ومن عشاق السينما الأمريكية، كنت أتصور أنه سوف يقدم الكوميديا التي تعتمد علي الصورة السينمائية، ورسم الشخصيات بعناية، ولكنه فضل تقديم الكراكتر، واشتهر الفتي الأشعث هيثم دبور، الواد الكووول المهيس، الذي يطلق تعبيرات غريبة يرددها بعده جمهور المراهقين، وكان هو الأقرب بين زملائه لهذا الجمهور الذي يشكل النسبة الأكبر من رواد سينما المولات، ونجح أحمد مكي في أفلامه طير إنت، ثم لاتراجع ولا استسلام، رغم أنه لم يقدم سينما مختلفة أو مبتكرة، ولكنها كانت أفضل حالا بالطبع مما يقدمه محمد سعد، وأعتقد الآن أن نجاح هذين الفيلمين كان نتيجه مشاركة ماجد الكدواني صاحب الموهبة المتدفقة، ودنيا سمير غانم، الأكثر عذوبة وموهبة بين بنات هذا الجيل، ولكن يبدو أن أحمد مكي مثل كثيرين غيره، قرر استبعاد أسباب نجاحه في أفلامه الأولي ليكون هو النجم الأوحد في فيلمه "سينما علي بابا" وكانت النتيجة فشل الفيلم، رغم أنه والحق يقال كان به بعض ملامح طموح لتقديم أفكار مختلفة، ولكن بدلا من أن يحاول مكي أن ينهض من عثرته، ويقدم عملا أكثر رقيا، وجدناه يقرر بمحض إرادته أن يلف ويرجع لنقطة ماقبل البداية، وكأنه عقد العزم علي استنساخ شخصية اللمبي، أو تلك النوعية من الشخصيات التي يقدمها محمد سعد بلا كلل أو ملل، وهي شخصيات هزلية، شديدة السخف تعاني من قصور ذهني، وسماجة إنسانية! وربما يكون قد تصور أن استعانته بسيناريو لأيمن بهجت قمر هو طوق النجاة، ولكنه كان مثل الحجر الذي تربطه في جثة كي تهبط إلي القاع ولاتعود للظهور ثانية! الفيلم يحمل اسم الشخصية التي يقدمها أحمد مكي في فيلمه، وهو النهج الذي سار عليه محمد سعد وأوصله للهاوية، سمير أبوالنيل شخص شديد التفاهة والأنانية، والبخل، وليس لديه أي صفة تشجع للاقتراب منه، ومع ذلك تحبه فتاة تهاتفه من حين لآخر هي ميرفت، التي نكتشف في النهاية إنها منة شلبي! ولك أن تتساءل والدهشة تعلو وجهك، طيب بتحبه علي إيه، هذا شخص فاشل، وتافه، وبغيض الخلق فوق البيعة، ثم إن فكرة نجم الشرف في أحد الأفلام، لايعني أن يظهر النجم ليقول كلاما لاقيمه له، أو أن يكون تواجده مثل غيابه، ومع ذلك فقد قبلت منة شلبي أن يكون ظهورها بلامعني، في فيلم سمير أبوالنيل فلاهي خدمت الفيلم ولا الفيلم خدمها، وسحقا للمجاملات التي تسيء إلي فاعلها! المهم أن سمير أبو النيل هذا، يفاجئه ابن عمه الثري"حسين الإمام"، برغبته في إخفاء مبلغ من المال في حوزته، مدعيا أنه سوف يقوم بإجراء جراحة خطرة، ويخشي سيطرة البعض علي أموال أبنائه، ورغم أنها فكرة غريبة، إلا أن سمير أبو النيل قد قبلها، ليكتشف أن المبلغ المراد إخفاؤه هو خمسمائة مليون جنيه وشوية فكة، يضعها سمير في أحد دواليب المنزل!! ثم يحاول استثمار هذا المبلغ، فيقرر إنشاء قناة فضائية! وهنا يأخذ الفيلم منحني آخر، أو يدخل في لب القضية التي يريد أن يطرحها، ولكن كان علي كاتب السيناريو والمخرج أن يدرسا القضية جيدا، لأن الكوميديا لاتبرر "الاستسهال" والاستهبال! قد تابعنا في السنوات الأخيرة، ظهور قنوات فضائية تقدم لغة منحطة وشديدة الهزل، أثرت سلبا في عقول المصريين وروجت للخرافة، والأكاذيب والشائعات وشغلت الناس بقضايا مفتعلة عن قضاياهم المصيرية، وكانت بعض هذه القنوات تشير إلي رغبة أصحابها في غسل أموالهم بأسرع الطرق! ولكن الفيلم نتيجة لفقر الخيال وانعدام الرؤية، يعتقد أن إخفاء الأموال الضخمة في منزل أبو النيل، بعد أن قام بإنشاء قناة فضائية ضعيفة المحتوي، ثم استرداد المبلغ ثانية، هو غاية المراد من رب العباد! وفي السكة كان لابد من إضفاء بعض الأهمية علي الموضوع أو افتعال قضية وجود صحفية تتابع مسيرة أبو النيل، وتسعي لمعرفة مصدر ثرائه، فيكون مصيرها إطلاق بعض البلطجية عليها وتلقينها درسا لاتنساه، وأعتقد أن الممثلة الشابة دينا الشربيني لم تكن في حاجة لهذا الدور الذي لايحمل أي ملامح منطقية، فموهبتها يمكن أن تتيح لها فرصا أفضل من هذا الفيلم، ونفس الشيء يمكن أن تقوله عن نيكول سابا، التي ظهرت بطلة من سنوات في فيلم عادل إمام، التجربة الدانمركية، ثم قبلت أن تكون مجرد كومبارس في فيلم متواضع لأحمد مكي! ومن حق أي فنان أن يقدم فيلما ينتقد فيه أوضاع الإعلام أو أي ظواهر اقتصادية أو سياسية، ولكن علي أن يكون هذا النقد أو السخرية من خلال عمل فني له قوام، يحترم عقل المشاهد ووقته، ولكن أن تكون رديئا وأن تنتقد وضعا رديئا فهذا يشبه سخرية تاجر البانجو، من تجار الحشيش! مع سمير أبو النيل الكل خاسر، وأولهم أحمد مكي، وأعتقد أنه في مأزق حقيقي سوف يجد صعوبة في تجاوزه، وربما يتعلل بعدم تحقيق فيلمه لإيرادات بتسرب الفيلم في الأيام الأولي لعرضه، ولكن هذا الحدث الذي نستنكره ربما يكون الحجة المنطقية، لتبرير الفشل!!