مجموعة من الشباب يمارسون اليوجا فى حديقة عامة بالاسكندرية في ظل الأجواء الصعبة التي يعيشها المصريون منذ اندلاع ثورة يناير 1102 فقد الكثيرون جزءاً كبيراً من طاقاتهم الإيجابية، وانهزم البعض نفسياً وتاهت الأحلام وانزوت التطلعات من المشهد العام، ووفق خبراء متخصصين وتقارير طبية مختلفة صدرت أخيراً ارتفعت نسبة الإقبال علي العيادات النفسية، أملاً في التخلص من ضغوط الحياة السياسية التي تداهم بيوتنا يومياً عبر أخبار وتقارير صحفية ومشاهدات عصيبة سواء في الشارع أو من خلال التليفزيون. وبحسب مدربة اليوجا المعروفة أميرة الجوهري فإن قطاعاً عريضاً من الشعب المصري وجد ضالته في رياضة اليوجا لتجنب أعباء الحياة اليومية وضغوطها علي اختلاف أسبابها. التفاصيل روتها أميرة ل»آخرساعة« في السياق. أميرة شابة تعيش بالإسكندرية. شخصيتها الهادئة وعشقها للتأمل، ورغبتها الجامحة في مساعدة الآخرين، كلها أسباب تآلفت لصياغة وعيها الإنساني، ما دفعها لخوض مجال اليوجا منذ سنوات عدة، لتصبح بمرور الوقت ورغم صغر سنها، واحدة من أشهر مدربي اليوجا في مصر. كيف أفكر.. كيف أتأمل.. كيف أصادق الحياة بإيقاع مغاير؟ كلها تساؤلات تفتش عن إجابات في رؤوس الكثير منّا. وحين التقيت أميرة الجوهري في القاهرة قبل نحو عامين، اكتشفت للوهلة الأولي أن إجابات تساؤلات عدة كتلك في قبضة هذه الفتاة، وأن كلمة السر في ذلك هي "يوجا"، ومن هنا قررت أن أتواصل معها في المرات القليلة التي تجيء فيها إلي القاهرة لمتابعة دورات جديدة في فن ورياضة اليوجا، تجتمع فيها مع شباب وفتيات، ورجال ونساء من أعمار مختلفة، لاكتساب مهارات وخبرات نفسية وتأملية جديدة تفيدهم في الحياة وربما تغير مسارهم تماماً. فكان لقائي الأخير معها في القاهرة بمثابة فرصة للإبحار في عالمها الخاص.. عالم "اليوجا" والتأمل. من دون عناء تجد أميرة تتحدث بلغة متدفقة، وبأسلوب مرتب للغاية، فيه من غزارة المعلومات عن "اليوجا" ما يجعلك تحب هذه الرياضة الروحية، وتتطلع إلي جلسة معها لتبدأ بعد ذاك صفحة جديدة مع الحياة من دون مشاكل أو ضغوط نفسية. تقول: كلمة يوجا يرجع أصلها إلي السنسكريتية، أو اللغة الهندية القديمة، وهي في الحقيقة تحمل معاني عدة، فهي مشتقة من "يوج" وتعني "التحكم" أو أن "أتحد". ويوجا هو اسم عام يطلق علي أي نظام عقلي - بدني متكامل يعزز التجربة الروحية ويؤدي إلي اتحاد روح الفرد بالروح الكونية. مفاتيح السعادة لو اعتبرنا أن الإنسان يتكون من ثلاث وحدات هي العقل "الأفكار" والجسد والروح "النفخة الإلهية"، وهذه الوحدات تمثل قوي ثلاثا، أقواها الروح، وفي حالة تشتت القوي الثلاث، كل منها في اتجاه، يضعف الإنسان وتظهر الأمراض علي جسده، لأنه الأضعف بين هذه القوي، ويحدث ذلك نتيجة لمرض الأفكار والروح، وفي حالة اتحاد القوي الثلاث في قوة واحدة كبيرة، يصل الإنسان إلي حالة القوة ومنها إلي الاتزان، ومن ثم تحقيق السعادة. وتوضح مدربة اليوجا: الجزء الجسدي في يوجا يتكون من أوضاع جسدية تُسمي "الأسانا" تتعامل مع جسد الإنسان باعتباره مُكوَّنا من مسارات طاقته التي تتصل بطبيعة الحال بكل أعضاء الجسم، والتي تكون عليها نقاط طاقية، وفي حالة سريان الطاقه في هذه المسارات بشكل طبيعي يتمتع الإنسان بالصحة والقوة، أما في حالة حدوث انسداد في أحد هذه المسارات يظهر المرض. خريطة مسارات الطاقة تلك ثابتة، والعلاج بالحجامة الجافة والرطبة والإبر الصينية والعلاج بالطاقة والعلاج بالتدليك، كلها أساليب علاجية تساعد في التخلص من الانسدادات الطاقية، التي تمنع طاقة الحياة من الوصول إلي الأعضاء، ومنها تظهر الأمراض، كذلك أوضاع "الأسانا اليوجية"، فهي تعمل علي التخلص من هذه الانسدادات من خلال فتح وغلق هذه المسارات بشكل منتظم ومتواصل، حتي تتمكن طاقة الحياة من الوصول بشكل فعَّال إلي كل جزء من أجزاء الجسد. تتابع أميرة: تمارس هذه الأوضاع بشكل تأملي، أي اتصالاً بالعقل، الذي يكون في حالة صافية تماماً من أي أفكار عموماً، حتي وإن كانت أفكاراً طيبة، وهنا ترتفع طاقة العقل بشكل مضاعف، تعود علي كفاءة التمرين، وفي هذه الحالة اللافكرية نستطيع التواصل مع الروح، وبالتالي نساعدها في أن تنال فرصتها في توجيه الإنسان إلي النفع والخير والنقاء والتسامح والمحبة والسلام، وهذه هي مبادئ رياضة اليوجا. هكذا تصبح اليوجا علاجاً فعَّالاً لكل الأمراض الجسدية المزمنة وغير المزمنة، كونها تُمكِّن المرء من التحكم في جسده وسماعه وإعطائه أمر الشفاء، فيبرأ بأمر الله، وهذا يفسر أن الخير من الله والشر من أنفسنا، لأن الله سبحانه وتعالي أعطانا كل السبل التي نحتاجها لنحتفظ بالسعادة، لكننا نهملها في الغفلة والصراعات، فنصبح فريسة للأفكار المُمرِضة. مراكز تعليم اليوجا ولعل تساؤلاً يقفز إلي ذهن القارئ، حول سبب عدم رواج هذه الرياضة الروحية في مصر، والاهتمام بها – علي نطاق محدود – في الآونة الأخيرة فقط، وهنا تقول أميرة الجوهري: توجد في مصر مراكز لتعليم اليوجا، لكنها قليلة العدد، وغير منتشرة بالشكل الكافي، ليس فقط في مصر، وإنما علي مستوي العالم كله، إذ لا تأخذ هذه الرياضة المهمة حقها، لأنها اشتهرت تاريخياً – وبشكل خاطئ - بأنها عبادة وثنية، ولذا دأب الكثيرون من أصحاب العقائد المختلفة علي محاربة اليوجا، ظناً منهم أنها خطر علي معتقداتهم الدينية. ولكن إذا استخدم مبدأ اليوجا المجرد من أي عقيده، فإن كل صاحب هدف جسدي أو روحي أو عقلي سيجده بها، وهنا تظهر قوه التجريد للمبدأ، فالعامة مثلاً حينما يحاربون اليوجا، فإن هذا سببه اعتقادهم بأنها رياضة وثنية، وبالتالي فهم يضيقون واسعاً، فما ذنبي في أن قبيلة ما تُحرِّم المِلح؟ هل هذا معناه أن المِلح حرام أم انه معتقد خاص بهم! إن الأنبياء أخدوا التأمل وسيلة للوصول إلي الحقيقة ثم أمرونا بالتأمل والتفكر وعظموا فوائده. الشائعات سبب الأمراض وتؤكد أميرة أن من أسباب إصابة الأفكار بالأمراض عدم التقدير الذاتي والاستماع إلي الأخبار السيئة والتأثر بها، وكذا رواج الشائعات، لأن العقل اللاواعي يعمل مثل المغناطيس يجذب إلي الإنسان كل ما يفكر فيه ويشعر بمشاعر تجاهه، وبمرور الوقت سيتجلي ذلك في هيئة أحداث مستمرة، لها نفس النوع من السلبية، ولذا فإن كلا منّا مسؤول عما يقع من أحداث تصيب البشرية كافه، لأننا نحيا في عالم واحد يتأثر بكل فكرة لكل إنسان، ومصر بلد يعيش فيه نحو 90 مليون نسمة، هؤلاء يمثلون وعي شعب ينامون يومياً علي جرعة مكثفة مما يسمي برامج "التوك شو"، التي لا تحمل خبراً واحداً جيداً أو إيجابياً، لتكون المحصلة 90 مليون مواطن ينامون وعقلهم اللاواعي يجذب إليهم المتاعب طول الليل، وبالتالي نفيق في اليوم التالي علي كارثة جديدة تداهم الوطن. وفي هذا الصدد تنصح أميرة، بضرورة الابتعاد عن مثل هذه البرامج المسممة كبداية في رحلة الوصول إلي الراحة النفسية، وتقول: ناموا وأنتم تعلمون أنكم تستحقون الخير، وأن بلدكم يستحق الخير وسوف تلاقون الخير. دروس التنفس تتابع: تنفسوا بعمق، وأنتم مؤمنون بذواتكم.. تنفسوا وكل نفس يحمل طاقة إيجابية، تترسخ في كل خلية في أجسامكم وكأنها تخبركم بالقوة والإيجابية والخير والمحبة والسلام. أنصح من يحب تعلم اليوجا أن يجد خبيراً يعلمه، حتي يقي نفسه أخطار أوضاع اليوجا وحتي يجد التوجيه الصحيح المناسب لاحتياجاته النفسية والجسدية والروحية. ومن أهم أسباب الشفاء التنفس بشكل صحيح وكاف، لأن في التنفس الصحيح أيضاً وقاية من الأمراض، وأهمها السرطان، فمن بين أبرز أسباب الإصابة بهذا المرض عدم حصول خلايا الجسم علي النسبة الكافية من الأوكسجين اللازم لتغذية الخلية وتخلصها من السموم، ولأن من أهم أسباب ظهور هذا المرض أيضاً المشاعر السلبية المختزنة داخل الأعضاء البطنية، مثل الحزن الذي يختزن في الرئة، لذا نجد أن الشخص المحزون يتنهد، لأن رئته مرهقة جراء ما تحمل من حزن وأسي، وبالتالي لا يتنفس جيداً ويصاب بالأزمات التنفسية المزمنة بسهولة، ويعود ذلك بالسلب علي الجسد كله.