إذا كنت من هواة الفرجة علي فاترينات المحلات في وسط المدينة.. قد تصادفك لافتة مرفوعة علي مول تابع لقطاع الأعمال العام يعلن عن مشروع للبيع بالتقسيط حتي 7 سنوات وبدون مقدم، لدي إحدي شركات قطاع الأعمال للعاملين بالحكومة والقطاع العام وأصحاب المعاشات والقوات المسلحة والشرطة وذلك لجميع أنواع الأجهزة الكهربائية والأثاث والمفروشات والأدوات المنزلية. وإذا استطاعت قدماك أن تأخذك إلي العتبة العامرة بالباعة والمشترين، ستجد لافتة أخري علي واجهة لمول آخر تحمل نفس الكلمات مع إضافة عبارة (وكل ما يلزم المنزل العصري).. لكن إذا كنت من الذين يهتمون بالسؤال والاستفسار، من الممكن أن تقرأ هذه السطور، لعلها تجيبك عن بعض الأسئلة التي قد تخطر علي بالك عند رؤية اللافتة، وتستطيع استكمال الباقي، إذا كنت جديا تحاول خوض تجربة الشراء بالتقسيط لبعض هذه السلع المعمرة من هذه المحلات التابعة للقطاع العام وكان لها اسم عريق في السوق. وقبل أن نستهل الموضوع.. دعنا نعطيك فكرة عن نظام البيع بالتقسيط الذي يستعمل في العديد من قطاعات السوق وعلي شكل واسع، لدرجة أنه في بعض الأحيان يعتمد عليه المنتجون بصورة كلية في تصريف إنتاجهم ويتم إغراء العملاء أو الزبائن بالشراء لهذا النوع لما فيه من سداد أقساط صغيرة علي فترات زمنية طويلة. وقد انتشر هذا النظام نتيجة ظهور اقتصادات الإنتاج الكبير نظرا للتطور الصناعي الرهيب مع تدني مستويات الدخول وارتفاع أثمان هذه المنتجات، مما أدي إلي عجز الأسواق عن تصريف ما بها من إنتاج، فتم ابتكار نظام البيع بالتقسيط، كأحد أشكال البيع الآجل. ونظرا للتغييرات الكبيرة التي قد تطرأ علي أسعار صرف العملات بين الحين والآخر، فقد تم إدخال عنصر الفائدة علي السلع المباعة بالتقسيط وبالتالي أصبح سعر البيع بالتقسيط أعلي من سعر البيع النقدي بسبب هذه الفائدة البسيطة.، نتيجة لأن الفترة الممنوحة للعميل أو الزبون من أجل السداد تمتد لسنوات عديدة، ونظرا للصعوبات الكبيرة التي تواجه المصريين في توفير سيولة نقدية، فإن هذا يغريهم بالشراء متحملين الزيادة في سعر البيع بالتقسيط علي الثمن النقدي الذي يجب أن يدفع فورا عند الشراء. وهذه معلومة بسيطة عن نظام البيع بالتقسيط كان لابد من التذكير بها.. فتعال معنا عزيزي القارئ لندخل مول شملا بوسط القاهرة.. وفي الدور الأول منه وجدنا هذا الفرع يحتوي علي مفروشات وأقمشة وملابس.. وعندما سألنا عن نظام البيع بالتقسيط، حدثنا موظف به يدعي شريف عن مميزاته وعندما قلنا له: هل يمكن أن نأخذ هذه المعلومات علي لسانك كمصدر صحفي قال لنا: هناك صاحب الفكرة وهو الدكتور علاء البدري وقد اتصل به، فرحب أن نذهب إليه للتحدث معه عن المشروع وقبل أن نغادر هذا الفرع، دخل شخصان بدا من كلامهما أنهما آحضرا الأوراق المطلوبة للاشتراك في المشروع.. وعندما سألتهما: كيف عرفتما به؟ قالا: أثناء تجوالنا في وسط المدينة شاهدنا اللافتة المعروضة عنه، وسألنا عن الأوراق المطلوبة وأحضرناها معنا اليوم و هي مفردات المرتب وفاتورة الكهرباء وصورة بطاقة الرقم القومي السارية واتضح أنهما يعملان في مهنة التدريس، وأنهما متزوجان من بضع سنوات ويريدان تجديد شقتهما بشراء أجهزة كهربائية وأدوات منزلية جديدة.. وعندما قال لهما الموظف شريف إنهما سيحولان مرتبيهما علي بنك مصر، رفضا لأنهما لايزالان يحصلان علي مرتبيهما من المدرسة وليس البنك ولذلك اقترح عليهما أن يدفعا قيمة القسط الشهري لبنك ناصر وفي هذه الحالة سيحصلان علي بضائع قيمتها لاتزيد علي 15ألفا لكل واحد منهما، فوافقا في الحال.. وتركتهما يتحدثان مع شريف وتوجهت إلي فرع صيدناوي الخازندار الأثري الذي سيتم الاحتفال هذا العام بمرور مائة عام علي افتتاحه ( في 3 نوفمبر القادم).. وهناك التقيت بالدكتور علاء محمد مدير المركز المصري للتجارة وتنمية الصادرات وصاحب فكرة إحياء مشروع البيع بالتقسيط الذي قال: إن المركز تعاقد مع 3 شركات تابعة للقطاع العام وهي صيدناوي وبيع المصنوعات المصرية والصالون الأخضر (عدد فروع الشركات الثلاث يفوق ال 150 فرعا علي مستوي الجمهورية) لإعادة إحياء مشروع البيع بالتقسيط حتي 7 سنوات بدون مقدم للعاملين بالحكومة والقطاع العام وأصحاب المعاشات والقوات المسلحة والشرطة وذلك بالاتفاق مع خمسة بنوك (مصر والأهلي والقاهرة والإسكندرية وناصر). لافتا إلي أن شركات القطاع العام كان هناك تعاقد بينها وبين البنوك الرئيسية من سنوات علي مشروع البيع بالتقسيط للعاملين في الدولة وكان لهم الحق في الشراء بهذا النظام لكن بتمويل من هذه البنوك. وأوضح الدكتور محمد أن عدد فروع الشركات الثلاثة يفوق ال 150 فرعا علي مستوي الجمهورية، بينما عدد العاملين في الدولة والمستحقين للمعاشات 20 مليون مواطن أي حوالي ربع عدد سكان مصر! وبالتالي كان دور المركز هو الدعاية وإحياء هذا المشروع من جديد، بعد أن طواه النسيان، فالموظفون في الدولة كانوا يتعاملون معه علي أنه غير موجود بل صرفوا النظر عن الموضوع، بينما العاملون في الشركات نسوا المشروع وأخذوا في البيع بالنقدية فقط ومن يسأل عنه من الزبائن يقولون له روح البنك الذي نسي هو الآخر الموضوع! ويضيف الدكتور محمد: لما دخلنا علي الخط وبدأنا إعادة إحياء المشروع بمعني الكلمة.. فخاطبنا البنوك التي أفادتنا بأن هناك عقودا موقعة مع الموردين الذين لهم مشاكل مع هذه الشركات بسبب مستحقاتهم القديمة،. فعملنا لهم نظاما في سداد مستحقاتهم من خلال البنوك. ويتابع الدكتور محمد: لقد أخذنا عددا من فروع الشركات الثلاث وطورناها وسوقنا لها عند الموردين ثم قمنا بتدريب العاملين بها علي كيفية التعامل مع العملاء في مجال البيع بالتقسيط وتخليص الإجراءات مع البنوك.. وهذه العملية استغرقت منا حوالي العام ثم بدأنا في تنفيذ المشروع في فرع الخازندار (منذ 3 أشهر) وهو أقدم الفروع الموجودة في وسط البلد (قلب العاصمة) ومساحته حوالي 8800 متر، وتكلفت عملية تجديده 700 ألف جنيه وتم إعادة تأهيل وتدريب العاملين فيه وعددهم 40 موظفا، كما أعدنا ترتيب أقسام الفرع وزودناه بالبضائع والموردين لها. ونفس التجربة قمنا بتنفيذها في فروع الصالون الأخضر بميدان الظاهر ومدينة 15 مايو ومدينة السلام وكذلك فرع شركة بيع المصنوعات المصرية بسيدي جابر بالإسكندرية ومساحته حوالي 200 متر وفرع المنصورة وتتعدي مساحته الألف متر وفرع مدينة السلام حيث الموقع المتميز. وفي نفس الوقت بدأنا نتوسع في فروع أخري بجامعة الأزهر وجامعة القناة وجامعة المنصورة ونوبار والمطرية والفرع الموجود بوسط البلد، كما نحاول تطوير فرع تابع في المنشية بالإسكندرية. وبعد عمل الحملة الدعائية للفروع المشاركة في المشروع كما يقول الدكتور محمد بدأت التجربة تحقق نجاحات وحصلت الشركات مكاسب لم تحققها من قبل.. ويضيف بأن المركز تفاوض مع شركة بيع المصنوعات المصرية علي فتح فرع جديد لها بهولندا متخصص في بيع الأثاث والمفروشات بشرط أن تكون صناعة مصرية كاملة، وقد بلغت تكلفته 2 مليون دولار وسيفتتح في يوليو المقبل ومتوقع أن يحقق مبيعات في السنة الأولي تقدر بحوالي 100 مليون دولار وأيضا فتح فرع آخر في الكويت.. وذلك من أجل تمكين شركات التجارة التابعة للقطاع العام من افتتاح أسواق خارجية لها عبر استغلال اسم شركة بيع المصنوعات المصرية للترويج لهذا النشاط خارج مصر. ويؤكد الدكتور محمد أن هناك إقبالا من المشترين علي هذا المشروع لشراء الأجهزة الكهربائية والمفروشات والأثاث.. وفي الوقت الحالي نتعامل مع 30شركة موردة للأثاث والمفروشات والأجهزة الكهربائية والأدوات المنزلية كما أن لدينا مستوردين للأثاث من ماليزيا وهذا الأثاث المستورد يتميز بالجودة وروعة التصميم خاصة في الأثاث المكتبي والصالونات والأنتريهات نظرا لأنهم يتفوقون علينا في الخامات خاصة في الجلود نصف المصنعة (الوجه جلد طبيعي والخلف صناعي) نظرا للتكنولوجيا المتقدمة لديهم في دباغة الجلود.. أما الأثاث المصري فلا يزال نمطيا وليس فيه تجديد ولكنه يتميز بالمتانة وجودة الأخشاب خاصة في غرف النوم والسفرة.. فمثلا نجد غرف نوم يتراوح سعرها مابين 4 إلي 004 ألف جنيه! ويوضح الدكتور محمد أن الفائدة التي تصل إلي 7٪ في السنة هي بسيطة ولاتذكر خاصة إذا اشتري مواطن بضائع بحوالي 53 ألفا، فإنه يسدد قسطا شهريا معقولا يتناسب مع دخله وذلك علي مدي 48 شهرا.. وأن الذين سوف يسددون بضائع اشتروها من شهرين، فإن هذه البضائع حاليا زادت قيمتها بنسبة 52٪ بسبب ارتفاع قيمة الدولار.. وفرق السعر من شهرين والآن يعادل الفائدة التي سيتم دفعها علي مدار 7 سنوات! ويتوقع الدكتور محمد أنه بنهاية 3102 سيتم تطبيق هذا النظام في كل الفروع للشركات الثلاث خاصة بعد أن يتم الاتفاق مع بنك مصر الإسلامي وبنك التنمية والائتمان الزراعي المنتشرة فروعه في بر مصر.. أما مركز التجارة وتنمية الصادرات فإنه سيحصل علي نسبة بسيطة نظير تطويره لهذه الفروع التي حالها من حال الاقتصاد المصري حيث الإنفاق عنده أعلي من المبيعات التي لايمكن أن تغطي مرتبات موظفيها.. والكلام ده ممكن يزعلهم، والأمل أنه من خلال إحياء هذا المشروع أن تصل مبيعات هذه الشركات لدرجة أن تحقق فائضا وأرباحا في القريب العاجل.